سؤال وجواب

التحليل البلاغي لقصيدة المتنبي على قدر أهل العزم

كانت مناسبة هذه القصية للشاعر أبو الطيّب المتنبّي أعظم شعراء العرب هي مناسبة خروج سيف الدولة بجيشه الكبير إلى منطقة الحدث التي كانت قد وقعت في أيدي الرومان، وبحر قصيدة على قدر أهل العزم هو البحر الطويل ، وفيما يلي سيتمّ عرض الشرح والتحليل لبلاغي لقصيدة المتنبي على قدر أهل العزم ، وقد استهلّ المُتنبّي قصيدته ( عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ ) بغرض شعري جميل وهو الحكمة، وبدأها عزيمةٍ تشحذ الهمم، وذلك بما يليق باستقبال المظفّر سيف الدولة الحمدانيّ، وقد بيّن من خلال هذا البيت أنّ العزائم والمكارم تأتي دائمًا على أقدار فاعليها، ويُقاس مبلغ هذه العزائم بمبلغهم، فعندما يكونوا عظامًا تكون هي عظيمة.

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

 

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ        وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ


 

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها         وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

 

يقو الشاعر: إنَّ لكلِّ إنسان همَّة في هذا العالم، إنَّما تأتيه العزائم على قدر همته، من كان ذا عزم كبير أتته العزائم كبيرة كعزمه، وإنْ كان الرجل فاشلًا اضمحلّت عزيمته وفترت همته، وهذا القانون ينطبق على المكارم أيضًا فإنَّها تأتي بحجم كرم الإنسان صغيرًا كان أم كبيرًا.

 

ثمَّ يقول ويؤكد على حكمته الأولى وهي أنَّ الصغير يرى الأشياء الصغيرة على صغرها كبيرة وعظيمة ومستحيلة، والكبير العظيم يرى العظائم صغارًا وإن كبرت هذه العظائم.

 

يُكَلِّفُ سَيفُ الدَولَةِ الجَيشَ هَمَّهُ             وَقَد عَجَزَت عَنهُ الجُيوشُ الخَضارِمُ

 

وَيَطلِبُ عِندَ الناسِ ما عِندَ نَفسِهِ             وَذَلِكَ ما لا تَدَّعيهِ الضَراغِمُ

 

ثم يبدأ المتنبي بمدح سيف الدولة وهذا هو الغرض الرئيس من النَّصّ، فيقول: إنَّ سيف الدولة الحمداني يطلب من جيشه أن يملك همَّة وعزيمة كهمته وعزيمته وأنَّى للجيش هذا وقد عجزت عن أن تكون همة الجيوش الجبارة كهمة سيف الدولة وعزيمته.

 

ويقول أيضًا: إنَّ سيف الدولة يطل من الناس أن يكون ما عندهم من الخير والشجاعة والعطاء نفس ما عند سيف الدولة، وهذا ما يصعب أن تمتثل به الأسود.

 

يُفَدّي أَتَمُّ الطَيرِ عُمرًا سِلاحُهُ             نُسورُ المَلا أَحداثُها وَالقَشاعِمُ

 

وَما ضَرَّها خَلقٌ بِغَيرِ مَخالِبٍ             وَقَد خُلِقَت أَسيافُهُ وَالقَوائِمُ

 

يقول المتنبي: إنَّ النسور الكبيرة المسنة تفدي سلاح جيوش سيف الدولة لأنَّها تركت لها طعامًا وفيرًا من جثث القتلى في الحروب ووفرت عليها عناء الصيد، فليس يضرُّ هذه النسور إن كانت دون مخالب فسيوف رجال سيف الدولة تغنيها عن مخالبها التي خلقت للصيد.

 

هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لَونَها            وَتَعلَمُ أَيُّ الساقِيَينِ الغَمائِمُ

 

سَقَتها الغَمامُ الغُرُّ قَبلَ نُزولِهِ              فَلَمّا دَنا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ

 

قيل إن الحدث اسم قلعة وإنَّما قال المتنبي: الحدث الحمراء كناية عن الدم الذي أراقه سيف الدولة فيها، فهل تعرف الحدث لونها الأول أم نسيته من طول ما جرى الدماء عليها؟ وهل تفرق بين سيف الدولة الذي سقاها الدم، وبين الغمام الذي سقاها الماء،  فتعلم ساقييها الغمائم؟

 

ثمَّ يقول: إنَّ الغمائم سقت قلعة الحدث الماء قبل أن يأتي سيف الدولة بجيشه فسقاها الدم برؤوس وجماجم رجالها.

 

بَناها فَأَعلى وَالقَنا تَقرَعُ القَنا               وَمَوجُ المَنايا حَولَها مُتَلاطِمُ

 

طَريدَةُ دَهرٍ ساقَها فَرَدَدتَها                  عَلى الدينِ بِالخَطِّيِّ وَالدَهرُ راغِمُ

 

تُفيتُ اللَيالي كُلَّ شَيءٍ أَخَذتَهُ            وَهُنَّ لِما يَأخُذنَ مِنكَ غَوارِمُ

 

يقول المتنبي: إنَّه على الرغم من علوّ بناء هذه القلعة إلَّا أن سيف الدولة وجيوشه جعلوا أسنة رماحهم تتطاير فوق هذه القلعة على ارتفاعها، وجعلوا موج الموت يميد بها ويتلاطم حولها.

 

ثم يقول: لقد كانت هذه القلعة طريدة للدهر الذي أعطاها للروم بعد المسلمين ثم أخذها المسلمون عنوة بعد ذلك، ويقول: إنَّ ما تأخذه الأيام من غيرك فإنَّها تأخذه ويفوت من أخذته منه ولا ترده عليه، أمَّا أنت يا سيف الدولة فإنَّ الليالي تغرم لك ما تأخذه منك وتعيده لك ولرجالك صاغرة.

 

المتنبي وسيف الدولة الحمداني

بعد تحليل قصيدة المتنبي على قدر أهل العزم، سيتم المرور على علاقة المتنبي بسيف الدولة الحمداني، وجدير بالذكر أنَّ سيف الدولة كان كثير الترحال والتنقل بين الأمصار حتَّى يبحث عن مكان يطيب المكان فيه ويتفق فيه مع أميره وحاكمه، فوصل إلى أنطاكية ومنها إلى حلب وكان سيف الدولة وقتها حكم حلب فعرض عليه المتنبي أن يمدحه بشعره فألقى عليه قصيدة من أعظم قصائد المديح فأصبح المتنبي شاعر البلاط عند سيف الدولة في مدينة حلب، وأعطاه سيف الدولة الأعطيات وقربه إليه، فكثر الحاقدون عليه وقاموا يحيكون الأكاذيب لسيف الدولة ضده، فاتسعت الفجوة بينه وبين سيف الدولة، وزاد توتُّر العلاقة بينهما بعد أن رمى ابن خالويه المتنبي الدواة في بلاط سيف الدولة ولم يحرك سيف الدولة ساكنًا، فقرّ عندها المتنبي الرحيل، وكان له ما كان، فترك سيف الدولة وترك حلب وهاجر إلى مصر، وكان آخر ما ألقى من شعر على سيف الدولة ميميته الشهيرة التي يقول فيها:

 

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ                 وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

 

ما لي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَرَى جَسَدي         وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ

                     
السابق
على ماذا يعتمد علو الصوت عند ادراكه …. على ؟
التالي
سهم كتلته 005 kg اصطدم بتفاحة ساكنة كتلتها 01 kg

اترك تعليقاً