الحكمة من نزول القران مفرقا
أنزل الله القُرآن على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مُفرَّقاً لِحِكَمٍ كثيرة، سنذكرها لكم قراءنا الأعزاء خلال السطور التالية ، حيث أن نزول القران الكريم كان على ثلاثة مراحل وهي :
المرحلة الأولى: نزوله إلى اللوح المحفوظ؛ ودليل ذلك قوله -تعالى-: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ*فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ).
المرحلة الثانية: نزوله من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدُّنيا، وكان هذا النزول في رمضان في ليلة القدر؛ ودليل ذلك قوله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ)، وجاء بسندٍ صحيحٍ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّه قال:: (أُنزِلَ القرآنُ في ليلةِ القَدرِ جُملةً واحدةً إلى سماءِ الدُّنيا، وكان بمَوقِعِ النجومِ، فكان اللهُ يُنزِلُه على رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَه في إثْرِ بعضٍ).
المرحلة الثالثة: نُزُوله من بيت العزّة في السماء الدُّنيا إلى قلب النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مُفرَّقاً حسب الوقائع والأحداث على مدار عمر الدعوة، من خلال جبريل -عليه السلام-؛ لقوله -تعالى-: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ).
ما هي الحكمة من نزول القران مفرقا
تثبيت قلب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ بتكرار نزول الوحي عليه، كما يسهم ذلك في حفظ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- للقُرآن بسهولة، ومعرفة أحكامه، وهذه كُلّها تُثبّت قلبه، وتُقوّي عزيمته، قال -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ).
تدرُّج القرآن في تأسيس الأمّة، وتربيتها على الإيمان، والأخلاق، والمعاملة الحَسَنة؛ ليصلوا إلى الإخلاص في العمل الصالح، وذلك كلّه ممّا يُسهّل حفظ القُرآن للأمّة؛ فلو نزل عليهم مرّة واحدة لَما استطاعوا حِفظه، وفَهمه، كما أنّ نزوله مُفرَّقاً يُمهّد لهم تغيير بعض العقائد والأحكام التي تعلّقوا بها، وممّا يدلّ على هذه الحكمة قول الله -تعالى-: (وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلًا)؛ ومن ذلك أنّ العرب قبل بعثة النبي -عليه السلام- كانوا قد ألِفوا كثيراً من العادات السيئة، فجاء القُرآن مُرشداً لهم بتركها واحدة تِلو الأُخرى، ويؤكّد ذلك قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي روته السيّدة عائشة -رضي الله عنها-: (إنَّما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ والنَّارِ، حتَّى إذَا ثَابَ النَّاسُ إلى الإسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ والحَرَامُ، ولو نَزَلَ أوَّلَ شيءٍ: لا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا).
مُجاراة الأحداث والأحوال الطارئة، كإجابة القُرآن على بعض الأسئلة، مثل سؤال بعض الناس عن الروح، قال -تعالى-: (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ رَبّي وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا)، أو سؤال المؤمنين عن حُكم الله -تعالى- في اليتامى؛ إذ قال -عزّ وجلّ-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ)، وهذا النوع من الإجابات يُبيّن الطريق الصحيح الذي يجب أن يسير فيه المؤمنون، وقد يكون القُرآن مُجارياً لبعض الوقائع، كقصة المرأة التي جاءت تشتكي زوجها؛ بسبب ظهاره منها، فأنزل الله آياتٍ تُبيّن حُكم الله في هذه الواقعة، وما شابهها، وذلك كلّه يُسهم في معالجة المواقف بوضع الحلول الشرعية لها، بحيث تصبح بعد ذلك نهجاً مُتّبعاً، قال -تعالى-: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ)؛ وهذه دعوة لتصحيح المسار، وتثبيت دعائم الإيمان بنصر الله في قلوب المسلمين.
تعظيم أمر القرآن، وتشريف النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بإعلام الملائكة له بأنّ القرآن هو آخر الكُتُب السماويّة المُنَزَلة على آخر الرُّسُل، قال الإمام السخاوي: “هذا النزول يكون فيه تكريمٌ للبشر، وتعظيمٌ لأمرهم عند الملائكة، وبيان لرحمة الله بهم”.
تعليم الصحابة تلاوته، وترتيله، قال -تعالى-: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)؛ فالترتيل جاء من عند الله -تعالى-، وقد علّمه للنبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم-؛ ليعلّمه بدوره للناس؛ فلو نزل القُرآن دفعة واحدة، لَما استطاع النبيّ تعلُّم الترتيل، وتعليمه للصحابة الذين سينقلونه إلى مَن بعدهم من المسلمين.
تحدّي غير المؤمنين، وبيان إعجازه؛ فقد كان المشركون يُحاولون سؤال النبيّ أسئلة تعجيزيّة؛ تحدّياً وامتحاناً له، كسؤاله عن الساعة، وكلّما كان المشركون يسألون النبيّ -عليه الصلاة والسلام- سؤالاً مثل ذلك، يُنزل الله عليه قُرآناً للإجابة عن سؤالهم، ومع أنّه نزل مُفرَّقاً، إلّا أنّهم لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله.
توثيق كثير من وقائع سيرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد كشف القُرآن الكريم عن جوانب عديدة في حياة النبيّ عليه السلام، بالإضافة إلى ما تضمّنته سور القرآن الكريم من قصص الأنبياء وحياة الأمم السابقة؛ لتأخذ منها الأمة الدروس والعبر، وتهتدي بسيرة أنبياء الله.
إثبات أنّ القرآن من عند الله -تعالى- بالدليل القاطع؛ وذلك من خلال التناسُق والترابُط بين آيات القُرآن جميعها؛ فلو كان من عند البشر، لكان فيه الكثير من الاختلاف، والتناقُض؛ قال -تعالى-: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).