المحتويات
بحث عن قيمه الاخلاق فى الاسلام
الأخلاق هي عنوان الشعوب، قد حثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، فهي أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس وقد تغنى بها الشعراء في قصائدهم ومنها البيت المشهور لأمير الشعراء أحمد شوقي: « وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت …. فـإن هُمُ ذهبت أخـلاقهم ذهــبوا ». وللأخلاق دور كبير في تغير الواقع الحالي إلى العادات الجيدة؛ لذلك قال الرسول ﷺ: ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق “. فبهذه الكلمات حدد الرسول ﷺ الغاية من بعثته أنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخلق الحسن الذي ليس فوقه قانون، إن التحلي بالأخلاق الحسنة، والبعد عن أفعال الشر والآثام، يؤديان بالمسلم إلى تحقيق الكثير من الأهداف النبيلة منها سعادة النفس ورضاء الضمير وأنها ترفع من شأن صاحبها وتشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم وهي طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
فالأخلاق الإسلامية هي الأخلاق والأداب التي حث عليها الإسلام وذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية اقتداء بالنبي محمد ﷺ الذي هو أكمل البشر خلقا لقول الله عنه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
وتعتبر مكارم الأخلاق علامةً لكمال الإيمان وسمة من سمات المؤمن ومقصداً لرسالته ومهمته، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً»، وقال صلى الله عليه وسلم «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «..وخالق الناس بخلق حسن» ومعنى ذلك أن الرسول جاء بالإسلام منفتحاً على الآخر حيث «وخالق الناس» وليس المسلم فقط، عسى أن يراك الآخر متحلياً بالأخلاق الحميدة، فتكون سبباً في هدايته للإسلام، إن خيرية الرجل لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول: (خياركم أحاسنكم أخلاقاً) وقد بين ابن المبارك رحمه الله حسن الخلق فقال: «هو طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى».
السنن الإلهية
وكم من أناس قد فوتوا على أنفسهم فائدة أعمالهم بسوء أخلاقهم.. قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فلانة تصوم نهارها وتقوم ليلها ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها» فقال صلى الله عليه وسلم): (لا خير فيها هي من أهل النار).
أرأيت كيف ذهب سوء الخلق بقيام الليل وصيام النهار؟ والأخلاق ذات ضوابط تبنى بها الأمم نفسها في شتى المجالات من دون تواكل أو قعود، كما تحفظ مكانتها بعمل صالح من دون تهاون أو تفريط، وترجو رحمة ربها بإيمان راشد من دون يأس أو قنوط، وتنتصر في جميع أمرها بإخضاع هواها لمرضاة خالقها وجعله تبعاً لما جاء به رسولها صلى الله عليه وسلم: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين»، (69 العنكبوت).
والأخلاق أساس مهم من أسس البقاء والاستمرار في المجتمع الإنساني المستقر، فقد هلكت الأمم السالفة بسبب تجاهلها مسؤولياتها وتجاهلها مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويضرب الله الأمثال على ذلك بوضوح «وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون»، (النحل: 112) وفي قوله تعالى «وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً»، (الكهف: 59).
قال الحافظ ابن كثير: «أي الأمم السالفة والقرون الخالية أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم وجعلنا هذا الهلاك إلى مدة معلومة ووقت معين لا يزيد ولا ينقص وكذلك أنتم أيها الظالمون احذروا أن يصيبكم ما أصابهم».
إذن فمن أهداف تدبر القرآن تتبع السنن التي وقعت على الأمم في الأزمنة الغابرة والتي حلت عليها بسبب انحرافها عن الصراط المستقيم والمنهج القويم، وتكمن الفائدة وتحصل العبرة والعظة في البحث في أسباب هذه العقوبات، والتفكر فيما ذكره الله في كتابه في أسباب دفع هذه العقوبات.
قال سبحانه: «قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين»، (آل عمران: 137).
وقال سبحانه: «بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين»، (يونس: 39).
إن الظلم من أكبر الكبائر، وله انعكاسات كارثية على المجتمعات التي تسمح بانتشاره: «ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين»، (يونس: 13).
مواجهة الفساد
إن المخرج من هذه الفتن بسلام وأمان لن يكون إلا بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ففيهما النور والهدى، ومن خلال تدبر كتاب الله في معرفة الأسباب والعوامل لدفع العقوبات عن الأمم نخلص إلى أهمها وهي الإصلاح والدعوة إلى الله ومحاربة الفساد قال سبحانه: «فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون»، (هود: 116- 117).
ولا يمكن إصلاح من غير نهي عن الفساد وهذا بنص القرآن، والإصلاح يبدأ من أنفسنا فإذا صلحت استطعنا إصلاح غيرنا.. إذ لا بد من الاعتصام بتقوى الله عز وجل فإنه لن يغير حالنا وينجينا إلا إذا بادرنا بإصلاح أنفسنا قال سبحانه: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (الرعد11).
إن المجتمع البشري في أشد الحاجة إلى مكارم الأخلاق لأنها غاية من أسمى الغايات، ومن أعظم المقومات للحضارة الإنسانية، ولا يمكن الاستغناء عنها، لذا كانت المهمة الأخلاقية أحسن المهمات لسائر الأديان والمذاهب.
وحسن الخلق من أفضل ما يقرب العبد إلى الله تعالى، وإذا أحسن العبد خلقه مع الناس أحبه الله والناس، وذو الخلق الحسن يألف الناس ويألفونه، فحسن الخلق يدل على سماحة النفس وكرم الطبع، وهو يرفع الدرجات وتعلو به الهمم، كما أن حسن الخلق يحول العدو إلى صديق.
إن حسن الخلق أمر مطلوب وواجب على المؤمن، لأن سوء الخلق باب من أبواب الإثم، وينفر الناس ممن اتصف به، ولذلك قيل: «من ساء خلقه قل صديقه».
ما أحوجنا – نحن المسلمين – إلى أن نتحلى بالأخلاق الرفيعة، ونقتدي بسيرة النبي العاطرة التي وصفها خالقه ومربيه في كتابه الحميد ناصحاً لعباده المؤمنين، «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» وبذلك نجنب أنفسنا التفكك والتشتت والانهيار والانحلال، والهلاك.
قال القاضي الفضيل بن عياض: «إذا خالطت فخالط حسن الخلق؛ فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحة، ولا تخالط سيئ الخلق؛ فإنه لا يدعو إلا إلى شر، وصاحبه منه في عناء».
إن المبادئ الأخلاقية ضرورة في بناء المجتمعات سياسياً واجتماعياً ودينياً وثقافياً، كما أنها محاور فكرية مستنيرة ترسي دعائم قيام المجتمع الإنساني، كما يريد خالق البشر، ويشعر الإنسان من خلالها بأنه خليفة الله في الأرض بما ناله من تكريم إلهي يحيا من خلاله حياة آدمية كما ينبغي أن تكون.
الانصياع لإرادة الخالق
إن التمسك بالقانون الإلهي هو طريق الازدهار والعيش الحسن، وقد عالج القرآن الكريم هذه القضية وربط بين العيش الحسن للأشخاص واتباعهم قوانين الله، بشكل لا يقبل التأويل «وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا»، (الجن: 16) وهذا الربط والتلازم ينطلقان على أساس وحدانية الله سبحانه وتعالى وبالتالي وحدة القوانين التي تحكم هذا الكون. فالقوانين الدقيقة التي تحكم الطبيعة من صنع الله سبحانه وتعالى، الذي هو مصدر القوانين الاجتماعية والطبيعية. هذه القوانين تجري في تناسق كامل، وجريانها يؤدي إلى قيام المجتمع المتماسك القادر على الاستمتاع بالحياة بكل أبعادها، مع الانصياع للإرادة الإلهية.
ويعتبر القرآن ارتكاب المعاصي ظلماً للنفس وله انعكاسات سلبية على الذين يرتكبونه، فبينما الروح متصلة بقوانين الطبيعة نظراً لارتباطها بالله، فإن الأمور المادية ترك للإنسان حرية التعاطي معها، فالقرب من الله سبحانه وتعالى والالتزام بأوامره يؤديان إلى استقرار الشخصية، ويمنعان وقوع الشر الاجتماعي، وقيل قديماً: «اتباع الهوى يفرق كما أن الحب والإخاء يجمع وإن الاتحاد قوة، والتفرق وهن وضعف، وإن سبيل الله واحد، وسبل الشيطان متفرقة، فمن تبعها فقد ضل وغوى وهوى». وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: «جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته».
سلامة النفس
عرف القزويني رحمه الله معنى حسن الخلق بأنه «سلامة النفس نحو الأرفق الأحمد من الأفعال، وقد يكون ذلك مع الله تعالى، وقد يكون فيما بين الناس».
وقال الإمام الغزالي رحمه الله: «إن الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق، فحسن الخلق يوجب التحابّ، والتآلف، والتوافق، وسوء الخلق يثمر التباغض، والتحاسد، والتدابر» (إحياء علوم الدين).
والمجتمع المتدين يستطيع تكريس أوضاعه المدنية من خلال الانضباط الديني، الأمر الذي يزيد من إنتاجية هذا المجتمع وازدهاره: «فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون»، (النمل:52).
والمفهوم القرآني للإيمان يرتكز على عدد من المقومات من بينها أنه السبيل للقناعة والعيش الهانئ. ومن دونه يسير الجنس البشري نحو التداعي وربما الفناء. وهذا يصدق على الديانات السابقة كلها.