المحتويات
توعد الله الذين يحبون ان تشيع الفاحشه في الذين امنوا بعقوبه شديده وضح ذلك
حذرتنا الشريعة الاسلامية من الخصال السيئة التي تلحق الأضرار النفسية والمعنوية والمادية بالآخرين ، كما هو الحال بأن تشيع الفاحشة في الذين آمنو ، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز بسورة النور تحديداً “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون، ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم، يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم، ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم .
فحب ان تشيع الفاحشة في المؤمنين هو جرم شنيع ولا شك أنها من كبائر الذنوب التي توعد الله سبحانه فاعلها بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النور: 19}، فقد توعد الله بهذا الوعيد الشديد من أحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، فكيف بمن أشاع الفاحشة فعلا كما كان منك. والعذاب الأليم الدنيوي المتوعد به في الآية هو ما يعم المصائب والآفات التي تصيب الشخص في بدنه وماله وما يحب، قال الألوسي رحمه الله { لَهُمْ } بسبب ذلك {عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدنيا} مما يصيبه من البلاء كالشلل والعمى {وَ} في {الآخرة} من عذاب النار ونحوه.
وضح عقوبة الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا بعقوبة شديدة
الإجابة الصحيحة هي :
توعد الله بهذا الوعيد الشديد من أحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، والعقوبة هي المصائب والآفات التي تصيب الشخص في بدنه وماله وما يحب .
فكذلك يستحقون العقوبة بما أسروه من محبة إشاعة الفاحشة.
حيث يؤدي إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس ضراً متفاوت المقدار على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب.
تفسير الآية إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون
- عربي – نصوص الآيات عثماني : إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
- عربى – نصوص الآيات : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ۚ والله يعلم وأنتم لا تعلمون
- عربى – التفسير الميسر : إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية، ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا، والله- وحده- يعلم كذبهم، ويعلم مصالح عباده، وعواقب الأمور، وأنتم لا تعلمون ذلك.
- السعدى : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ } أي: الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة { فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟” وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة.
وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه. { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه.
- الوسيط لطنطاوي : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَثم يواصل القرآن الكريم توجيهاته الحكيمة للمؤمنين ، فيهدد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا بالعذاب الأليم ، وينهى المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان ، قال تعالى : ( إِنَّ الذين يُحِبُّونَ . . . ) .
قال الإمام الرازى : ” اعلم أنه – سبحانه – بعد أن بين ما على أهل الإفك ، وما على من سمع منهم ، وما ينبغى أن يتمسك به المؤمنون من آداب ، أتبعه بقوله : ( إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة فِي الذين آمَنُواْ . . . ) ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك فى هذا الذم ، كما شارك فيه من فعله ومن لم ينكره ، وليعلم أهل الإفك كما أن عليهم العقوبة فيما أظهروه ، فكذلك يستحقون العقوبة بما أسروه ، من محبة إشاعة الفاحشة فى المؤمنين .
ومعنى ” تشيع ” تنتشر وتكثر ، ومنه قولهم : شاع الحديث . إذا ظهر بين الناس .
والفاحشة : هى الصفة البالغة أقصى دركات القبح ، كالرمى بالزنا وما يشبه ذلك .
وهى صفة لموصوف محذوف . أى : الخصلة الفاحشة ، والمقصود بمحبة شيوعها : محبة شيوع خبرها بين عامة الناس .
والمعنى : إن الذين يحبون أن تنتشر قالة السوء بين صفوف المؤمنين ، وفى شأنهم ، لكى يلحقوا الأذى بهم ، هؤلاء الذين يحبون ذلك ” لهم ” بسبب نواياهم السيئة “ عذاب أليم فى الدنيا ” كإقامة الحد عليهم ، وازدراء الأخيار لهم ، ولهم – أيضا – عذاب أليم “ فى الآخرة ” وهو أشد وأبقى من عذاب الدنيا .
” والله ” تعالى وحده “ يعلم ” ما ظهر وما خفى من الأمور والأحوال “ وأنتم ” أيها الناس – “ لا تعلمون ” إلا ما كان ظاهرا منها ، فعاملوا الناس على حسب ظواهرهم ، واتركوا بواطنهم لخالقهم ، فهو – سبحانه – الذى يتولى محاسبتهم عليها .
فالآية الكريمة يؤخذ منها : أن العزم على ارتكاب القبيح ، منكر يعاقب عليه صاحبه ، وأن محبة الفجور وشيوع الفواحش فى صفوف المؤمنين ، ذنب عظيم يؤدى إلى العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة ، لأن الله – تعالى – علق الوعيد الشديد فى الدارين على محبة انتشار الفاحشة فى الذين آمنوا .
- البغوى : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَقوله – عز وجل – : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ) يعني : تظهر ، ويذيع الزنا ، ( في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ) يعني عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين ، والعذاب في الدنيا الحد ، وفي الآخرة النار ، ( والله يعلم ) كذبهم وبراءة عائشة وما خاضوا فيه من سخط الله ( وأنتم لا تعلمون )
- ابن كثير : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَوهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السيئ ، فقام بذهنه منه شيء ، وتكلم به ، فلا يكثر منه ويشيعه ويذيعه ، فقد قال تعالى : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ) أي : يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح ، ( لهم عذاب أليم في الدنيا ) أي : بالحد ، وفي الآخرة بالعذاب ، ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) أي : فردوا الأمور إليه ترشدوا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا ميمون بن أبي محمد المرئي ، حدثنا محمد بن عباد المخزومي ، عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ، ولا تطلبوا عوراتهم ، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم ، طلب الله عورته ، حتى يفضحه في بيته “ .
- القرطبى : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَقوله تعالى : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة أي تفشو ؛ يقال : شاع الشيء شيوعا وشيعا وشيعانا وشيعوعة ؛ أي ظهر وتفرق . في الذين آمنوا أي في المحصنين والمحصنات . والمراد بهذا اللفظ العام عائشة ، وصفوان – رضي الله عنهما – . والفاحشة : الفعل القبيح المفرط القبح . وقيل : الفاحشة في هذه الآية القول السيئ . لهم عذاب أليم في الدنيا أي الحد . وفي الآخرة عذاب النار ؛ أي للمنافقين ، فهو مخصوص . وقد بينا أن الحد للمؤمنين كفارة . وقال الطبري : معناه إن مات مصرا غير تائب .
قوله تعالى : والله يعلم أي يعلم مقدار عظم هذا الذنب والمجازاة عليه ويعلم كل شيء . وأنتم لا تعلمون روي من حديث أبي الدرداء أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ( أيما رجل شد عضد امرئ من الناس في خصومة لا علم له بها فهو في سخط الله حتى ينزع عنها . وأيما رجل قال بشفاعته دون حد من حدود الله أن يقام فقد عاند الله حقا وأقدم على سخطه وعليه لعنة الله تتابع إلى يوم القيامة . وأيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء يرى أن يشينه بها في الدنيا كان حقا على الله تعالى أن يرميه بها في النار – ثم تلا مصداقه من كتاب الله تعالى : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا الآية .
- الطبرى : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَيقول تعالى ذكره: إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين صدّقوا بالله ورسوله ويظهر ذلك فيهم، ( لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يقول: لهم عذاب وجيع في الدنيا، بالحدّ الذي جعله الله حدّا لرامي المحصَناتِ والمحصنين إذا رموهم بذلك، وفي الآخرة عذاب جهنم إن مات مصرّا على ذلك غير تائب. كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: ( يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ) قال: تظهر في شأن عائشة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) قال: الخبيث عبد الله بن أُبي ابن سلول، المنافق، الذي أشاع على عائشة ما أشاع عليها من الفرية، ( لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ) قال: تظهر; يتحدّث عن شأن عائشة.
وقوله: ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) يقول تعالى ذكره: والله يعلم كذب الذين جاءوا بالإفك من صدقهم، وأنتم أيها الناس لا تعلمون ذلك، لأنكم لا تعلمون الغيب، وإنما يعلم ذلك علام الغيوب. يقول: فلا تَرْووا ما لا علم لكم به من الإفك على أهل الإيمان بالله، ولا سيما على حلائل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلكوا.
- ابن عاشور : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَإِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)
لما حذر الله المؤمنين من العود إلى مثل ما خاضوا به من الإفك على جميع أزمنة المستقبل أعقب تحذيرهم بالوعيد على ما عسى أن يصدر منهم في المستقبل بالوعيد على محبة شيوع الفاحشة في المؤمنين؛ فالجملة استئناف ابتدائي ، واسم الموصول يعم كل من يتصف بمضمون الصلة فيعم المؤمنين والمنافقين والمشركين ، فهو تحذير للمؤمنين وإخبار عن المنافقين والمشركين .
وجُعل الوعيد على المحبة لشيوع الفاحشة في المؤمنين تنبيهاً على أن محبة ذلك تستحق العقوبة لأن محبة ذلك دالة على خبث النية نحو المؤمنين . ومن شأن تلك الطوية أن لا يلبث صاحبها إلا يسيراً حتى يصدر عنه ما هو محب له أو يُسَر بصدور ذلك من غيره ، فالمحبة هنا كناية عن التهيؤ لإبراز ما يحب وقوعه . وجيء بصيغة الفعل المضارع للدلالة على الاستمرار . وأصل الكناية أن تجمع بين المعنى الصريح ولازمه فلا جرم أن ينشأ عن تلك المحبة عذاب الدنيا وهو حد القذف وعذاب الآخرة وهو أظهر لأنه مما تستحقه النوايا الخبيثة . وتلك المحبة شيء غير الهمّ بالسيئة وغير حديث النفس لأنهما خاطران يمكن أن ينكف عنهما صاحبهما ، وأما المحبة المستمرة فهي رغبة في حصول المحبوب . وهذا نظير الكناية في قوله تعالى : { ولا يحض على طعام المسكين } [ الماعون : 3 ] كناية عن انتفاء وقوع طعام المسكين . فالوعيد هنا على محبة وقوع ذلك في المستقبل كما هو مقتضى قوله : { أن تشيع } لأن ( أن) تخلص المضارع للمستقبل . وأما المحبة الماضية فقد عفا الله عنها بقوله : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم } [ النور : 14 ] .
ومعنى : { أن تشيع الفاحشة } أن يشيع خبرها ، لأن الشيوع من صفات الأخبار والأحاديث كالفشو وهو : اشتهار التحدث بها . فتعين تقدير مضاف ، أي أن يشيع خبرها إذ الفاحشة هي الفعلة البالغة حداً عظيماً في الشناعة .
وشاع إطلاق الفاحشة على الزنى ونحوه وتقدم في قوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } في سورة النساء ( 15) . وتقدم ذكر الفاحشة بمعنى الأمر المنكر في قوله : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا } في سورة الأعراف ( 28) . وتقدم الفحشاء في قوله تعالى : { إنما يأمركم بالسوء والفحشاء } في سورة البقرة ( 169) .
ومن أدب هذه الآية أن شأن المؤمن أن لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه ، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء كذلك يجب عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين . ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو بالكذب مفسدة أخلاقية فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويداً رويداً حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس ، فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر وخف وقع خبرها على الأسماع فدب بذلك إلى النفوس التهاون بوقوعها وخفة وقعها على الأسماع فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة .
هذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس ضراً متفاوت المقدار على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب .
ولهذا ذيل هذا الأدب الجليل بقوله : { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } أي يعلم ما في ذلك من المفاسد فيعظكم لتجتنبوا وأنتم لا تعلمون فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر وهذا كقوله : { وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم } [ النور : 15 ] .
- إعراب القرآن : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ«إِنَّ» حرف مشبه بالفعل «الَّذِينَ» اسم موصول في محل نصب اسم إن والجملة مستأنفة «يُحِبُّونَ» مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة «إِنَّ» ناصبة «تَشِيعَ» مضارع منصوب بأن «الْفاحِشَةُ» فاعل «فِي الَّذِينَ» اسم الموصول في محل جر متعلقان بتشيع والمصدر المؤول من أن وما بعدها مفعول يحبون. «آمَنُوا» ماض وفاعله والجملة صلة «لَهُمْ» متعلقان بمحذوف خبر مقدم «عَذابٌ» مبتدأ مؤخر «أَلِيمٌ» صفة «فِي الدُّنْيا» متعلقان بعذاب. «وَالْآخِرَةِ» معطوف على الدنيا والجملة خبر إن «وَاللَّهُ» لفظ الجلالة مبتدأ والجملة مستأنفة «يَعْلَمُ» مضارع فاعله مستتر والجملة خبر. «وَأَنْتُمْ» الواو عاطفة ومبتدأ والجملة معطوفة «لا» نافية «تَعْلَمُونَ» مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل