عند وقوع مصيبة الموت فيتوجب اكرام الميت بدفنه , والدفن حق للميت يحفظه من الإساءة ويحفظ الأحياء منه، وللقبر ضوابط وقيود جاء بها الشرع، منها أن الأصل أن يرتفع بمقدار شبر فقط، ليُعرف ويُزار، ولا بأس في الكتابة عليه , ولا يجوز اتخاذ المساجد عليها ولا كسوتها ولا وضع القباب عليها؛ لقول النبي ﷺ: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد متفق على صحته.
ولما روى مسلم في صحيحه عن جندب بن عبدالله البجلي قال: سمعت رسول الله ﷺ قبل أن يموت بخمس يقول: إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
وذكر عن عبد الله بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ مِن شرارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُم السَّاعةُ وهم أحياءٌ، ومَن يتَّخِذُ القبورَ مساجد )) , أما ما زاد على ذلك ففيه تفصيل تبعاً للمقبرة الموجود فيها:
- إذا كان القبر في مقبرة مُسَبَّلَة – أي موقوفة على عامة المسلمين أو فئة منهم – ولم يكن هنالك ضرورة تستدعي البناء عليه كخوف سرقة القبر، أو نبش الحيوانات، فيحرم البناء عليه؛ لأن في ذلك تضييقاً على المسلمين، وحرمانهم من مكان القبر بعد أن يبلى الميت؛ لوجود البناء عليه، وهذا معتمد المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية والمالكية، والشافعية والحنابلة.
حيث قال الخطيب الشربيني: “لو بني عليه في مقبرة مُسَبَّلَة -وهي التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها-هدم البناء؛ لأنه يضيق على الناس، ولا فرق بين أن يبني قبة، أو بيتاً، أو مسجداً، أو غير ذلك”. “معني المحتاج” (2/55).
وجاء في “حاشية الدسوقي المالكي” (1/425): “كُره تطيين قبر، أي تلبيسه بالطين، أو تبييضه بالجير… أو في أرض مُحْبَسَةٍ، كقرافة مصر، أو مرصدة للدفن، أو في ملك الغير بغير إذنه حرم، ووجب هدم”.
- إذا وجدت الحاجة كالخوف على الميت، فيجوز البناء على القبر ولو بمُسَبَّلَة، جاء في “بشرى الكريم” من كتب الشافعية (473): “إن احتيج لبناء نحو قبة أو بيت؛ لخوف سارق أو سبع ولو بمُسَبَّلَة، أو كانت الكتابة على القبر والقبة لصالح في غير مُسَبَّلَة.. فلا كراهة، ولذا تصح الوصية بقبة له”.
- إذا كان القبر في مقبرة غير موقوفة، كوجوده في ملك الميت، أو أحد أقاربه، فيكره البناء عليه عند جمهور الفقهاء. ونص كثير من الفقهاء على استثناء قبور الصالحين، كما جاء في “حاشية ابن عابدين” (2/237): “وقيل: لا يكره البناء إذا كان الميت من المشايخ والعلماء والسادات. قلت [أي ابن عابدين]: لكن هذا في غير المقابر المُسَبَّلَة كما لا يخفى”. والله تعالى أعلم