شاع بين العرب استعمال الكُنَى والألقاب، فبها يُستدل على المرء ويُعرف، احترامًا لمكانته وتقديرًا لعمره، ويكون لمدح محمود، أو ذم مَدْحُور! غير أنه انعكاس لصفة تبرز مزايا وفَضاَئِل الممدوح، إمّا بإغداق الثناء عليه والفضل له أو لمثلبَة فيه وتنتقص منه، يتفرد بها دون غيره.
يقول الفرزدق :
{فَقَد تَلتَقي الأَسماءُ في الناسِ وَ الكُنى كَثيراً وَلَكِن لا تَلاقى الخَلايِقِ}الطويل-١
على أي حال تظل الطبائع بين الخلائق مختلفة وان تشابهت الأسماء والكنى و الأمثلة كثيرة لا سبيل لحصرها جملة وتفصيلا.
نستثنى لقب “شيخ” فأنه استعمل في سياقات سوسيولوجية متباينة، تخالف السياق اللغوي المتعارف عليه، وهو مَن أدرك الشيخوخةَ، فوق الكهل ودون الهرم.
و جرت على لسان العرب لما تحويه من دلالات.
فكلمة شيخ عادة ما تشير إلى مكانة تبوؤها علماء الدِّين الإسلاميّ، ثم أخذت الكلمة منحًى علميًا، كلقب يطلق على فقهاء الإسلام وشيوخ الأزهر بعدما كان محصورًا برجال العلم والتصوّف.
قال في هذا الصدد الإمام عبد القادر الجيلاني:-
{أَنَا شَيْخُ الْمَشَايخِ حُزْتُ عِلْمًا
بآدابٍ وَ حِلْمٍ وَ اتْصِالِ.}
و يُعَدُّ أول من حاز اللقب من البشرية هو سيدنا نوح عليه السلام “شيخ الأنبياء والمرسلين”.
وَ لُقِّبَ بذلك..
لأنه عاش زمنًا طويلًا يدعو قومه ويخطب فيهم.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا* فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا*} (سورة نوح – ٦، ٥).
وَ الشَّيْخان في مصطلح الحديث هما:-
البخاري ومُسلِم من علماء ورواة الحديث. {1}
كذلك الشيخ العلامة ابن تيمية لُقِّبَ
“شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام”
لِمَا له من واسع العلم وعظيم الأثر وحسن الذكر رحمه الله، كما ذكره الحافظ ابن حجر في تقريظه للرد الوافر بأنه شيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام للرد على المزاعم التي أرادت النيل منه.
أمّا على النقيض تمامًا فنجد “شيخُ النّار” فهو لقب إبليس الملعون لعنة الله عليه، ولقب به لأنه يخاطب أتباعه يوم القيامة على منبر من نار، كما ذكر القرطبي في خطبة إبليس الشهيرة واستدل بنص قرآني في سورة إبراهيم قال تعالى-:
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ َمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (إبراهيم-٢٢).
أما الإنسان الكامل بالمفهوم الصوفي والفلسفي التأملي وعلوم الشريعة فَشِيع عنهم شيوخ الطريقة والمذهب و المرجعية، فلقب ابن سينا في الفلسفة “بالشَّيخ الرَّئيس” لأن مؤلفاته خاضت مختلف المجالات والفنون في الطب والرياضيات، والهندسة، وعلم الفلك، والفيزياء، والموسيقا، والشعر، وعلم اللغة.
ثم اتخذ اللقب في الحقول السياسية والإدارية ” كلقب رئاسيّ وملكي في عدد من بلدان الخليج
فيقال:- ” سمُوّ الشَّيخ” كناية عن سليل ( الأسرة الحاكمة) فلُقب الشيخ زايد بن سلطان بن زايد “شيخ العرب” و هو أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة ومؤسس أول فيدرالية عربية حديثة 1971.
و في النظام القبائلي والقروي عُرِفَ شيخ القبيلة القائم على رئاستها وشيخ البلد، وهو ما دون العمدة، ثم تطورت الكلمة لتأخذ منحًى عامي تشريعي تمثل في “مَجْلِس الشُّيوخ “. و ترجع للتسمية اللاتينية المشتقة من كلمة Senatus و التي تعني الطاعن في السن أو العجوز، كما في فرنسا وإيطاليا و الهند والبرازيل و الأرجنتين وكندا و جنوب أفريقيا وأستراليا و اليابان وسويسرا و مصر مؤخرًا .
كما نال اللقب العديد من رواد الفكر وأعلام العرب في مختلف المجالات…
و في الأدب كان له حظ وافر أمثال:-
1ـ “شيخ العروبة”
أطلق علي أحمد زكي بن إبراهيم باشا
و هو أحد أقطاب النهضة الأدبية ورواد إحياء التراث العربي الإسلامي، ويعد أول من استعمل مصطلح التحقيق على أغلفة الكتب العربية، وأدخل علامات الترقيم في العربية، إلى جانب شهرته في تقصي أخبار وأعلام العرب والتراجم للكتب.
2ـ “شيخ المحققين”
أطلق على المحقق والمترجم المصري الكبير الدكتور حسين نصار، شيخ المحققين في العالم العربى، ورئيس اللجنة العلمية لتحقيق التراث بدار الكتب الأسبق.
3ـ ” شيخ الشعراء”
أمّا الشاعر المصري إسماعيل صبري باشا ” شيخ الشعراء” يعد أحد رواد مدرسة شعراء الإحياء في الشعر العربي الحديث، وعلى الرغم من ندرة أشعاره لم يُجمَعْ منها إلّا القليل بعد رحيله.
أمّا “شيخ شعراء فلسطين”
فكان هارون هاشم رشيد كما عرف بشاعر العودة والثورة،
4ـ شيخ الخطاطين
كذلك في الخط العربي فلُقِب “محمود إبراهيم سلامة” شيخ الخطاطين وهو ابن الشرقية المصري الوحيد الذي كتب المصحف الشريف بالخط الثلث، وحصل على الإجازة في كتابة الخط العربي من كبير الخطاطين الأتراك بعدما جاوز التسعين من عمره.
5ـ و في المقاومة لقب الشيخ عمر المختار “شيخ المُجاهدين” من المقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالي، وهو قائد أدوار السنوسية في ليبيا، وأحد أشهر المقاومين العرب والمُسلمين. و الشيخ راغب حرب لقب “بشيخ الشهداء لبنان” من المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي صاحب مقولة ” لقد تحوّل كلّ راغبٍ بالحرب إلى راغب حرب “. و الشيخ أحمد ياسين شيخ الشهداء من المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي كان من أعلام الدعوة الإسلامية في فلسطين والمؤسس و رئيس لأكبر جامعة إسلامية بها المجمع الإسلامي في غزة، ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
1- { المعجم: مصطلحات فقهية }
شيخ مصري سنة 1874م
الشيْخُ الذي استبانتْ فيه السن وظهر عليه الشيبُ؛ وقيل: هو شَيْخٌ من خمسين إِلى آخره؛ وقيل: هو من إِحدى وخمسين إِلى آخر عمره؛ وقيل: هو من الخمسين إِلى الثمانين، والجمع أَشياخ وشِيخانٌ وشُيوخٌ وشِيَخَة وشِيخةٌ ومَشْيَخٍة ومَشِيخة ومَشْيُوخاء ومَشايِخُ.