دين

الإمام علي بن أبي طالب

المحتويات

علي بن أبي طالب

أبو الحسن علي بن أبي طالب الهاشمي القُرشي (13 رجب 23 ق هـ/17 مارس 599م – 21 رمضان 40 هـ/ 27 يناير 661 م) ابن عم الرسول محمد بن عبد الله وصهره، من آل بيته، وأحد أصحابه، هو رابع الخلفاء الراشدين عند السنة وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأوّل الأئمّة عند الشيعة.

ولد في مكة وتشير مصادر التاريخ بأن ولادته كانت في جوف الكعبة، وأُمّه فاطمة بنت أسد الهاشميّة. أسلم قبل الهجرة النبويّة، وهو ثاني أو ثالث الناس دخولا في الإسلام، وأوّل من أسلم من الصبيان. هاجر إلى المدينة المنورة بعد هجرة الرسول بثلاثة أيّام وآخاه النبي محمد مع نفسه حين آخى بين المسلمين، وزوجه ابنته فاطمة في السنة الثانية من الهجرة.


شارك علي في كل غزوات الرسول عدا غزوة تبوك حيث خلّفه فيها النبي محمد على المدينة. وعُرف بشدّته وبراعته في القتال فكان عاملًا مهمًا في نصر المسلمين في مختلف المعارك وأبرزها غزوة الخندق ومعركة خيبر. لقد كان علي موضع ثقة الرسول محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه.

تعد مكانة علي بن أبي طالب وعلاقته بأصحاب الرسول موضع خلاف تاريخي وعقائدي بين الفرق الإسلامية المختلفة، فيرى بعضهم أن الله اختاره وصيًّا وإمامًا وخليفةً للمسلمين، وأنّ محمدًا قد أعلن ذلك في خطبة الغدير، لذا اعتبروا أنّ اختيار أبي بكر لخلافة المسلمين كان مخالفًا لتعاليم النبي محمد، كما يرون أنّ علاقة بعض الصحابة به كانت متوتّرة. وعلى العكس من ذلك ينكر بعضهم حدوث مثل هذا التنصيب، ويرون أنّ علاقة أصحاب الرسول به كانت جيدة ومستقرّة. ويُعدّ اختلاف الاعتقاد حول علي هو السبب الأصلي للنزاع بين السنة والشيعة على مدى العصور.

بويع بالخلافة سنة 35 هـ (656 م) بالمدينة المنورة، وحكم خمس سنوات وثلاث أشهر وصفت بعدم الاستقرار السياسي، لكنها تميزت بتقدم حضاري ملموس خاصة في عاصمة الخلافة الجديدة الكوفة. وقعت الكثير من المعارك بسبب الفتن التي تعد امتدادا لفتنة مقتل عثمان، مما أدى لتشتت صف المسلمين وانقسامهم لشيعة علي الخليفة الشرعي، وشيعة عثمان المطالبين بدمه على رأسهم معاوية بن أبي سفيان الذي قاتله في صفين، وعائشة بنت أبي بكر ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام الذين قاتلوه في يوم الجمل بفعل فتنة أحدثها البعض حتى يتحاربوا؛ كما خرج على علي جماعة عرفوا بالخوارج وهزمهم في النهروان، وظهرت جماعات تعاديه وتتبرأ من حكمه وسياسيته سموا بالنواصب ولعل أبرزهم الخوارج. واستشهد على يد عبد الرحمن بن ملجم في رمضان سنة 40 هـ 661 م.

اشتهر علي عند المسلمين بالفصاحة والحكمة، فينسب له الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة. كما يُعدّ رمزًا للشجاعة والقوّة ويتّصف بالعدل والزُهد حسب الروايات الواردة في كتب الحديث والتاريخ. كما يُعتبر من أكبر علماء عصره علمًا وفقهًا إنْ لم يكن أكبرهم على الإطلاق كما يعتقد الشيعة وبعض السنة، بما فيه عدد من الفرق الصوفيّة.

 

حياته في مكة

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. لا يعرف يقينا متى وُلد علي بن أبي طالب، لكن بحسب بعض مصادر التراث مثل ما ورد في العمدة:24 فإنه ولد بمكة يوم الجمعة الثالث عشر من رجب بعد ثلاثين عامًا من عام الفيل، أي الموافق 17 مارس 599 م أو 600 وفقا للموسوعة البريطانية،[6] وتقول مصادر أخرى 23 أكتوبر 598 م أو 600 م. وهو أصغر ولد أبيه أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم أحد سادات قريش والمسؤول عن السقاية فيها. ويرجع نسبه إلى النبي إسماعيل بن إبراهيم. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، التي قيل أنها أول هاشمية تلد لهاشمي،[8] وكان والدا علي قد كفلا محمدًا حين توفي والداه وجده وهو صغير فتربى ونشأ في بيتهما.

تضاربت الروايات بأن عليا بن أبي طالب ولد داخل الكعبة، حيث يؤكد الشيعة أنه المولود الوحيد داخل الكعبة وفقًا لروايات تقول أن موضعًا بأحد جدران الكعبة يسمى المستجار قبل الركن اليماني قد انشق لفاطمة بنت أسد حين ضربها الطلق فدخلت الكعبة وولدت علي. وذُكر ذلك في أحد المصادر السنية وهو المستدرك للحاكم النيسابوري فجاء فيه:

«تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه في جوف الكعبة[13]»
الإمام علي بن أبي طالب 1

الكعبة، حيث ولد علي بن أبي طالب وفقًا لبعض الروايات.

وورد هذا الخبر في مواضع أخرى من كتب السنة والشيعة, إلا أن الكليني صاحب أبرز كتاب بعد القرآن عند الشيعة لم يشر إلى هذه القصة من قريب أو بعيد وهو الذي لم يترك شيئا يخص الأئمة إلا وذكره في كتابه الكافي, وقد جمع العلامة المجلسيُّ في كتابه «بحار الأنوار»، في الجزء المختص بالإمام عليٍّ في باب «تاريخ ولادته وحليته وشمائله صلوات الله عليه» ثمان وثلاثين روايةً تذكر الروايتان 12 و13 منها أنه وُلد في بيت أبي طالب، في حين لا تذكر الرواية 18 والروايات من 22 حتى 25 ومن 27 حتى 36 أيِّ شيء عن ولادة الإمام داخل الكعبة رغم أنها تتحدَّث عن جميع فضائله ومناقبه,[16] لكن تضيف بعض كتب الشيعة الأخرى أنه عندما وصل خبر دخول فاطمة بنت أسد الكعبة، إلى أبي طالب أقبل هو وجماعة وحاولوا فتح باب الكعبة، حتى تصل النساء إلى فاطمة ليساعدنها على أمر الولادة، ولكنهم لم يستطيعوا فتح الباب، بينما ينكر بعض علماء الدين والمؤرخين السنة هذه الروايات الشيعية، حيث ضعف السيوطي سند رواية الحاكم، وضعفها صاحب تهذيب الأسماء، والثابت عند بعض أهل السنة هو أن حكيمًا بن حزام هو الذي وُلد في جوف الكعبة كما أورد ذلك الحاكم والذهبي وابن حجر وغيرهم. تذكر بعض المصادر أن فاطمة أرادت أن تسميه أسدا أو حيدرة تيمنا بأبيها، بينما أراد أبو طالب أن يسميه زيدا، لكن محمدا سماه عليا،] وفي مصادر أخرى أن أمه جاءها هاتف يأمرها بتسميته علي. وروي أيضا أن والده وجد لوحا مكتوب عليه أبياتا من الشعر في مدح ابنه وتسميه علي.[23]

حين كان علي ما بين الخامسة والسادسة من عمره مرت بمكة سنين عسرة وضيق أثّرت على الأحوال الاقتصادية في مكة وما حولها، وكان لأبي طالب ثلاثة أبناء: علي وعقيل وجعفر، فذهب إليه الرسول محمد وعمه العباس بن عبد المطلب وعرضا عليه أن يأخذ كل منهما ولدا من أبنائه يربيه ويكفله تخفيفا للعبء الذي عليه، فأخذ العباس جعفر وأخذ محمد عليا، فتربى في بيته وكان ملازما له أينما ذهب،[6][24][25] وتذكر بعض المصادر أنه كان يذهب معه إلى غار حراء للتعبد والصلاة، كما يُذكر أنه كان قبل الإسلام حنفيا ولم يسجد لصنم قط طيلة حياته، ولهذا يقول المسلمون “كرم الله وجهه” بعد ذكر اسمه، وقيل لأنه لم ينظر لعورة أحد قط

إسلامه

أسلم علي وهو صغير، بعد أن عرض النبي محمد، الإسلام على أقاربه من بني هاشم، تنفيذا لما جاء في القرآن. وقد ورد في بعض المصادر أن محمدا قد جمع أهله وأقاربه على وليمة، وعرض عليهم الإسلام، وقال أن من يؤمن به سيكون وليه ووصيه وخليفته من بعده، فلم يجبه أحد إلا عليا. سمي هذا الحديث “حديث يوم الدار” أو “إنذار يوم الدار” أو “حديث دعوة العشيرة”، وقد ذكر في العديد من الكتب بروايات مختلفة منها ما أورده الطبري في تاريخه:

   

علي بن أبي طالب

لما نزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، دعاني رسول الله ﷺ فقال لي: «يا عليُّ، إنَّ الله أمَرَنِي أنْ أُنْذِرْ عَشِيرَتِي الأقْرَبِ»، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أنى متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ حتى جاء جبرئيل فقال: «يا محمد، إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسا من لبن؛ ثم اجمع لي بنى عبد المطلب حتى أكلمهم، وأبلغهم ما أمرت به»، ففعلت ما أمرني به. ثم دعوتهم له؛ وهم يومئذ أربعون رجلا، يزيدون رجلا أو ينقصونه؛ فيهم أعمامه:أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب؛ فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله ﷺ حذية من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصفحة. ثم قال: «خذوا بسم الله»، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم، وايم الله الذي نفس علي بيده؛ وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم. ثم قال: «اسق القوم»، فجئتهم بذلك العس، فشربوا منه حتى رووا منه جميعا، وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله ﷺ أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: «لهد ما سحركم صاحبكم!» فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله ﷺ، فقال: «الغد يا علي؛ إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم لي». قال: ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة. ثم قال: «اسقهم»، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول الله ﷺ، فقال: «يا بني عبد المطلب؛ إنى والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به؛ إنى قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله كلمة تعالى.png أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيتي وخلفتي فيكم؟» قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت: «وإني لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا؛ أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي»، ثم قال: «إن هذا أخي ووصي ووخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا». قال: «فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع».[30][31]
   

علي بن أبي طالب

وفي رواية أخرى حول إسلام علي ذكر ابن الأثير في أسد الغابة:

   

علي بن أبي طالب

عن ابن إسحاق قال: ثم إن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك اليوم- يعني بعد إسلام خديجة وصلاتها معه- قال: فوجدهما يصليان، فقال علي: يا محمد، ما هذا؟ فقال رسول الله ﷺ: “دين الله الذي اصطفى لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وإلى عبادته وكفر باللات والعزى”.فقال له علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمرًا حتى أحدث أبا طالب. فيرال رسول الله ﷺ أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا عليّ، إن لم تسلم فاكتم. فمكث عليّ تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب عليّ الإسلام، فأصبح غاديًا إلى رسول الله ﷺ حتى جاءه فقال: ماذا عرضت عليّ يا محمد؟ فقال له رسول الله ﷺ: “تشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد”. ففعل عليّ وأسلم، ومكث عليّ يأتيه سرًا خوفًا من أبي طالب، وكتم عليّ إسلامه.[26]
   

علي بن أبي طالب

وفي رواية عن أنس بن مالك: «بعث النبي ﷺ يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء».[26][32]

وبهذا أصبح علي أول من أسلم من الصبيان، وذهب البعض مثل ابن إسحاق إلى أنه أول الذكور إسلاما، وإن اعتبر آخرون من أهل السنة مثل الطبري أن أبا بكر هو أول الذكور إسلاما مستندين إلى روايات تقول أن عليا لم يكن راشدا حين أسلم،[33] فالروايات تشير إلى أن عمره حين أسلم يتراوح بين تسعة أعوام وثمانية عشر عام؛[8][34] وفي رواية أوردها الذهبي في تاريخه: «أول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه».[35] كما كان علي أول من صلى مع النبي محمد وزوجته أم المؤمنين خديجة بعد الإسلام،[36] في حين نقل ابن سعد رواية يقول فيها علي أنه أول من أسلم.[34]

لم يهاجر علي إلى الحبشة في الهجرة الأولى حين سمح الرسول لبعض من آمن به بالهجرة إلى هناك هربًا من اضطهاد قريش. وقاسى معه مقاطعة قريش لبني هاشم وحصارهم في شعب أبي طالب.[37] كما رافق محمدا في ذهابه للطائف لنشر دعوته هناك بعد أن اشتد ايذاء قريش له.[38] مكث علي مع النبي محمد في مكة حتى هاجر إلى المدينة.

 

                     
السابق
ما هو الهجوم الالكتروني
التالي
ما الفرق بين النبي والرسول

اترك تعليقاً