المحتويات
كلام الملك فيصل عن فلسطين
فلسطين من الجذور المهمة للأمة العربية بأكملها ، لأنها من أجمل مناطق الوطن العربي ، فهي الأم ، وما ألطف شعبها ذلك الشعب المندفع نحو التحرير واسترداد الأرض مهما كلف ذلك من ثمن حتى لو كانت أرواحهم ، وهنا في هذا المقال سوف تجد عبارات عن فلسطين ، قل من هم يجيدون الكلام عن دولة فلسطين والقضية بصورة صريحة وواضحة وصادقة نابعة من القلب ، واليوم سنتناول أحد الشخصيات المهمة التي تناولت القضية الفلسطينية ضمن عملها ، وهو الراحل الملك فيصل ، فما طبيعة كلامه عن دولة فلسطين وماذا قال حول قضية فلسطين ؟
وقد نشأ الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود، في الرياض منذ ولادته عام 1906م وماتت والدته بعد ولادته بخمسة أشهر، وسماه والده “فيصل” تيمّنًا بجدّه فيصل بن تركي الأوّل الذي كان ملكًا من ملوك الأسرة السعودية، والملك فيصل هو الملك الثالث الذي يحكم المملكة العربية السعودية الحديثة والملك السادس عشر من ملوك آل سعود الذين حكموا نجد منذ منتصف القرن الثامن عشر، دخل الملك فيصل غمار السياسة باكرًا في عهد والده، وتسلّم الحكم عام 1964م واستمرّ ملكًا حتى عام 1975م.
كلام الملك فيصل عن فلسطين
وكان الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – من ابرز الداعمين للقضية الفلسطينية وشعبها المناضل ، ودعا إلى الجهاد لتحريرها من الصهاينة ، وله خطاب مشهور يقول فيه: “إخواني، ماذا ننتظر؟ هل ننتظر الضمير العالمي؟ أين هو الضمير العالمي؟ إن القدس الشريف يناديكم ويستغيثكم -أيّها الإخوة- لتنقذوه من محنته، ومما ابتُلي به، فماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موتة أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهدًا في سبيل الله؟”.
“أيّها الإخوة المسلمون، نُريدها قومة ونهضة إسلامية، لا تدخلها قومية ولا عنصرية ولا حزبية، إنّما دعوة إسلامية، دعوة إلى الجهاد في سبيل الله، في سبيل ديننا وعقيدتنا، دفاعًا عن مقدساتنا وحرماتنا، وأرجو الله -سبحانه وتعالى- أنّه إذا كتب لي الموت أن يكتب لي الموت شهيدًا في سبيل الله”.
“إخواني، أرجو أن تعذروني إذا ارتجّ عليّ، فإنّني حينما أتذكّر حرمنا الشريف ومقدساتنا تُنتهك وتُستباح وتُمثّل فيها المخازي والمعاصي والانحلال الخلقي فإنّي أدعو الله مخلصًا إذا لم يكتب لنا الجهاد وتخليص هذه المقدّسات ألّا يبقيني لحظة واحد على قيد الحياة”.
حوار الملك فيصل مع الرئيس الفرنسي ديجول بشأن القضية الفلسطينية
قال الرئيس الفرنسي ديجول بلهجة متعالية: (يقول الناس يا جلالة الملك أنكم تريدون أن تقذفوا بإسرائيل في البحر، إسرائيل هذه أصبحت أمرًا واقعًا ولا يقيل أحد قبول هذا.)
فأجاب الملك فيصل: (يا فخامة الرئيس أنا أستغرب كلامك هذا، إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمرًا واقعًا وكل فرنسا استسلمت إلا أنت انسحبت مع الجيش الإنجليزي، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلبت عليه، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ولا شعبك رضخ، فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع، والويل يا فخامة الرئيس للضعيف إذا احتله القوي، وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول، إن الاحتلال إذا أصبح واقعًا فقد أصبح مشروعًا.)
دهش الرئيس ديجول من سرعة بديهة الملك فيصل فغير لهجته قائلًا: (يا جلالة الملك يقول اليهود إن فلسطين وطنهم الأصلي وجدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك، فأجاب الملك فيصل: (فخامة الرئيس أنا معجب بك لأنك متدين مؤمن بدينك، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس، أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر غزاة فاتحين، حرقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال فكيف تقول أن فلسطين بلدهم وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون، وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة، فلماذا لا تعيد روما استعمار فرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط ؟ أتصلح خريطة العالم من أجل اليهود ولا تصلحها من أجل روما؟ ونحن العرب أمضينا مئتي سنة في جنوب فرنسا في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها.
قال ديجول: ولكنهم يقولون أن أباهم ولد فيها، فأجاب الملك فيصل :غريب، عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس وأكثر السفراء يلد لهم أطفال في باريس .. فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبونك بحق الولادة في باريس، فمسكينة باريس، لا أدري لمن ستكون؟
سكت ديجول وضرب الجرس مستدعيا (بومبيدو) وكان جالسا مع الأمير سلطان بن عبد العزيز ورشاد فرعون في الخارج وقال ديجول : الآن فهمت القضية الفلسطينية، أوقفوا السلاح المصدر لإسرائيل، وكانت حينذاك تحارب بأسلحة فرنسية وليست أمريكية.
ويقول الدواليبي: واستقبلنا الملك فيصل في الظهران عند رجوعه من هذه المقابلة، وفي صباح اليوم التالي ونحن في الظهران استدعى الملك فيصل رئيس شركة التابلاين الأمريكية وكنت حاضرًا (الكلام للدواليبي) وقال له: إن أي نقطة بترول تذهب لإسرائيل ستجعلني أقطع البترول عنكم.
ولما علم بعد ذلك أن أمريكا أرسلت مساعدة لإسرائيل قطع البترول عنها وقامت المظاهرات في أمريكا ووقف الناس في صفوف أمام محطات البترول وهتف المتظاهرون: نريد البترول ولا نريد إسرائيل، هذه الأحداث من مذكرات معروف الدواليبي.
خطاب الملك فيصل الشهير
لقد كان الملك فيصل -رحمه الله- من الملوك الذين يجهرون برأيهم من دون أن يحسبوا حسابًا لتبعات هذا الكلام، فكان يجهر برأيه على الملأ بأنّ فلسطين دولة عربية مسلمة والصهاينة اليهود معتدون غاصبون، وفي تسجيل نادر له يقول إنّ المملكة العربية السعودية قد قدّمت شهداء في فلسطين منذ القديم، فيقول: “إنّ معارك بئر شيبة وبطاح فلسطين لتشهد بأنّ أبناءكم الذين ذهبوا ليدافعوا عن وطنهم، وطن إخوانهم، لم يعُد منهم إلّا ربعهم وقد استُشهدوا على أرض فلسطين العزيزة”.
“وإذا كان هناك الآن من يقول بأنّ العرب يقبلون بقرارات الأمم المتحدة فإنّنا نرفض ذلك رفضًا باتًّا، لأنّنا أيّها الإخوان إذا قبلنا بقرارات الأمم المتحدة فعلينا أن نعترف بدولة الصهاينة لأنّ الأمم المتحدة معترفة بها، وإذا قبلنا بقرارات الأمم المتحدة أن نقبل بتقسيم فلسطين، وهذا ما لا يمكن أن نقبله، أو نرضى عنه، ولو أجمع العرب جميعًا على أن يرضَوا بوجود إسرائيل وبتقسيم فلسطين فلن ندخل معهم في هذا الاتفاق”.
“وقد سبق لي وأن قُلت: إذا كان العرب -حقيقةً- مخلصين وجادّين وعازمين على أن يخلّصوا وطنهم السليب فليتفضّلوا وليديروها صيحةً واحدة، وستكونون أنتم أوّل من يزور فلسطين في مقدمتنا، ونحن أيّها الإخوة لسنا ممّن يديرون المعارك من وراء المكاتب وأجهزة التلفون، فإذا حلّت الساعة ودقّ جرس الحرب والنضال فستروني أنا بنفسي وإخوتي وأبنائي أمامكم، وإنّني أيّها الإخوة، لا أقول هذا رياءً ولا تزلّفًا، ولكنّني أقوله عن عقيدة ثابتة؛ لأنّه إذا لم ندافع بدمائنا وكياننا وكل ما نملك عن قضايانا فلن نكون أصحاب شان ولن تقوم لنا قائمة إذا اقتصرنا فقط على الخطب والتصريحات والوعود والوعيد، فهذا ليس شأننا -يا إخوان- ولا شأنكم”.
“ونحن حينما نصرّح بسياستنا لا يهمنا أن يزعل الغرب أو يتكدّر الشرق؛ لأنّ الشرق والغرب اتفقوا على هضم حقوق العرب وسلبِهم أراضيهم المقدسة، نحن لسنا ممّن يطلب الإعانات والقروض، ولسنا ممّن يستجدي من أجل بعض المساءل المادية الزائفة، ولكننا ندافع عن مبدأ ندين به بعد الله والعقيدة الإسلامية، بأنّ العرب يجب أن يدافعوا عن حقوقهم”.
كلمة الملك فيصل الشهيرة
لقد كان للملك الراحل فيصل بن عبد العزيز مواقف مشرّفة في نصرة الأمّة والوقوف إلى جانب فلسطين ضدّ اليهود الصهاينة المعتدين، ويتناقل الناس عنه كلمته المشهورة التي وجهها للسياسي الأمريكي المعروف هاري كيسنجر حينما قطع الملك فيصل والحكّام العرب النفط عن الولايات المتحدة أثناء حرب تشرين/أكتوبر عام 1973م، وكان الغرض هو الضغط على الولايات المتحدة لترفع يدها عن الكيان الصهيوني عسى أن ينتصر عليه العرب والمتطوعون المسلمون في تلك الحرب.
فحينها كانت الولايات المتحدة تخطط لغزو المملكة العربية السعودية، ولكنّها لمّا رأت صمود الملك فيصل فإنّها تراجعت عن موقفها وأرسلت كيسنجر ليلطّف الأجواء، فاستقبله الملك فيصل -رحمه الله- في خيمة في صحراء الرياض، وفي ذلك رسالة إلى أنّه مستعدّ للتخلي عن البترول والعودة لحياة البداوة، فحين دخل كيسنجر أراد أن يهدّأ من التوتّر العام للجو فقال: “إنّ طائرتي تقف هامدة في المطار بسبب نفاد الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها وأنا مستعد للدفع بالأسعار الحرة؟”، وفي ذلك رسالة مبطنة إلى أنّ النفط قد انقطع عن الولايات المتحدة.
فرفع الملك بصره وخاطبه قائلًا: “وأنا رجل طاعن في السن وأمنيتي أن أصلّي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت؛ فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية؟”، وفي هذا الجواب رسالة مبطنة تعني أنّه عازم على تحرير أرض فلسطين، وكان ممّا قاله الملك -رحمه الله- لكيسنجر: “أنا متأكد أنّ إسرائيل ستنسحب في اللحظة نفسها التي تعلنون فيها أنّكم لن تحموها ولن تدافعوا عنها ولن تدللوها، ولن يكون هناك سلام واستقرار إذا لم تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وأن تتعهد الولايات المتحدة بأنها ستتخلى عن تأييد إسرائيل، إذا لم تنفذ هذه الخطوات نحن نرى أن إسرائيل عبء على الأمريكيين.. إنّها تكلفكم كثيرًا”.
ومع محاولات هاري كيسنجر ثعلب السياسة الأمريكية إلّا أنّ الملك العربي المسلم -رحمه الله- بدا ثابتًا مصرًّا على موقفه وقد أعطى كيسنجر ردًّا حاسمًا غير قابل للأخذ والرد، فقال له: “أقدر توضيحاتكم المعقولة، لكنّي في الوقت نفسه آمل أن تقدروا موقفنا، ما كان قرار وقف تصدير النفط قرارًا فرديًا من جانبنا، ولكنّه كان قرارًا عربيًا جماعيًا، نحن جزء من العائلة العربية، أريد منكم الالتزام بانسحاب إسرائيل لأذهب إلى إخواني العرب وأقول لهم ذلك، وأريد بالإضافة إلى ذلك شيئين: أوّلًا السرعة، وثانيًا إعلان موقفكم علنًا”.