المحتويات
لماذا يحفر اليهود تحت المسجد الأقصى
منذ بداية الحركة الصهيونية والصراع العربي الإسرائيلي على فلسطين ، كانت السيطرة على المقدسات الإسلامية ، ولا سيما الحرم القدسي الشريف والحرم الإبراهيم في الخليل وأماكن أخرى ، الهدف المركزي للصهيونية. ثم دولة إسرائيل بحجة تأكيد هاتين الروايتين الكاذبتين. يدعو الكتاب المقدس إلى العودة إلى “أرض الميعاد” والصهيونية ، ويقول إن فلسطين “أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض”.
لماذا يحفر اليهود تحت المسجد الأقصى
وكانت أول محاولة عملية يهودية للسيطرة على الأماكن المقدسة هي إحضارهم عدداً من المقاعد والكراسي ووضعها في ساحات البراق، متسببين بذلك بأول انتفاضة عربية في فلسطين (سميت بانتفاضة البراق) عام 1929. وبشكل عام يمكن القول، إن الأطماع والاعتداءات الإسرائيلية واليهودية المتكررة على المسجد الأقصى، كانت سبباً مهماً في اندلاع معظم الانتفاضات في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عام 1967، أربع منها سميت باسم القدس هي: انتفاضة النفق عام 1996 (الممتد أسفل البلدة القديمة ليصل حتى جدران المسجد الأقصى)، وانتفاضة الأقصى (الانتفاضة الثانية عام 2000)، وهبّة القدس عام 2015 التي جاءت إثر الاقتحامات المتكررة للحرم القدسي الشريف، وتقييد حرية الدخول للمسلمين إليه، بهدف تثبيت التقاسم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وهبة الأقصى الحالية (2017)، التي جاءت بعد إغلاق الاحتلال المسجد ووضع بوابات إليكترونية وكاميرات ذكية للكشف عن المعادن لأول مرة منذ عام 1969.
لماذا يحفر اليهود تحت المسجد الأقصى
بعد احتلال الضفة الغربية في حرب حزيران 1967، تجددت المطامع الصهيونية واليهودية في حائط البراق والمسجد الأقصى بهدف تحويله مكاناً مقدساً لليهود فقط. لكن الفتاوى الدينية القائلة بأن إعادة بناء الهيكل الثالث تتم بإرادة ربانية، حَوّل الجهود الإسرائيلية إلى محاولة تقسيم الموقع زمانياً ومكانياً، كمقدمة وتهيئة لفتاوى جديدة تسمح “بمساعدة الله” في بناء الهيكل المزعوم!!
ولتحقيق ذلك، بدأت المؤسسات الرسمية والقانونية والدينية، والهيئات الشعبية والعلمانية الإسرائيلية واليهودية، وبعض الجهات المسيحية الإنجيلية والبروتستنتية العمل من أجل السيطرة على المسجد الأقصى وتدميره، وبناء “الهيكل الثالث” مكانهما.
وتلقت الجهود الإسرائيلية واليهودية دفعة قوية، بعد الثورات والاضطرابات والحروب الأهلية العربية خاصة ما يجري في المشرق العربي، لاعتقادهم أن ما يمكن تحقيقه اليوم بالمسجد الأقصى، ربما لا يستطيعون تحقيقه في المستقبل.
لماذا يحفر اليهود تحت المسجد الأقصى
ترصد الورقة الحالية، الإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى منذ عام 1967 حتى اليوم، بهدف إطلاع القارئ الفلسطيني والعربي والمسلم من المختصين وغيرهم، على الإجراءات الإسرائيلية الممهدة لتقاسم المسجد الأقصى، من دون الحديث عن عمليات المصادرة التي تمت في محيط المسجد الأقصى، في محاولة من إسرائيل لتهويد المكان مثل تحويل القصور الأموية إلى حدائق توراتية، أو عمليات الهدم التي طالت حي المغاربة (حارة الشرف)، التي شردت خلالها إسرائيل 800 عائلة فلسطينية (4000 نسمة) إلى مختلف مناطق القدس، خاصة إلى سلوان وشعفاط.
الوضع قبل عام 1967
لم يشهد المسجد الأقصى إجراءات دخول وخروج خاصة، خلال الحكم العثماني لفلسطين. وتلخص الوجود العثماني بالسدنة القائمين على رعاية وحراسة المكان المقدس. ولثقتها بسيطرتها الأخلاقية على المسجد سمحت للزوار الأجانب بزيارة المكان.
ولم يتغير الوضع كثيراً، بعد احتلال بريطانيا لفلسطين، حيث سمح المندوب “السامي” البريطاني لأبناء الأديان الأخرى، من غير المسلمين، بالدخول إلى المسجد الأقصى في مواعيد محددة، مقابل رسوم، واستثني من هذه الزيارات اليهود الذين كانوا في حالة صراع مع الفلسطينيين.
وبعد نكبة فلسطين، وإعلان الوحدة بين الضفتين، أدار الأردن المسجد الأقصى خادماً وحارساً، وخصص له 28 موظفاً لخدمته وخدمة المصلين فيه، وأبقى حراسة شرطية رمزية، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة على بواباته المختلفة، الذين لم يختلفوا عن بقية الموظفين سوى باللباس. وإن دل ذلك على شيء، فإنه يشير إلى السيطرة الأخلاقية للمملكة على المسجد، وتسليم السكان الفلسطينيين في القدس وفلسطين بهذه السيطرة.
لماذا يحفر اليهود تحت المسجد الأقصى
ولم تمانع السلطات الأردنية في زيارة المسجد الأقصى لغير المسلمين، الذين كانوا يدفعون رسوما معينة عند زيارته، بينما منع اليهود من دخول المسجد نظراً لحالة الحرب بين الأردن والشعب الفلسطيني من جهة، وبين دولة إسرائيل من جهة أخرى.
واستمر هذا الوضع، من عام 1948 حتى وقوع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، الذي لم يغير قواعد الدخول والخروج فقط، بل تدخل في كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى، في محاولة من إسرائيل تثبيت وجود داخل المسجد الأقصى، لحين تحقق الرواية الدينية اليهودية المزورة، الداعية إلى الخلاص، وعودة المنافي، وبناء الهيكل الثالث.
الإجراءات الإسرائيلية ضد المسجد الأقصى بعد عام 1967
- السيطرة بقوة السلاح
بعد احتلال الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية وقطاع غزة، بما فيها مدينة القدس في عام 1967، دخل أفراد الجيش للمسجد الأقصى وقبة الصخرة، متجولين فيهما بأحذيتهم من دون أي احترام للمكان المقدس، معلقين خلالها العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة.[1] كذلك قام الحاخام الرئيسي للجيش الإسرائيلي شلومو غورن بالصلاة داخل المسجد، وحدد الأماكن التي يجوز فيها الصلاة لليهود.
لكن موشيه ديان (وزير الدفاع حينها)، ورغبة منه في منع اندلاع حرب دينية مع أكثر من مليار مسلم، أزال العلم وطلب من الحاخام عدم الصلاة مرة أخرى في المساجد، معتمداً في ذلك على فتاوى مسبقة تحرم على اليهود دخول المسجد الأقصى.[2]
لكن الرواية العربية والفلسطينية لما جرى صبيحة يوم الأربعاء تفيد، بأن محافظ مدينة القدس السيد أنور الخطيب وأعضاء الهيئة الإسلامية العليا والوقف الإسلامي، أجروا اتصالات مع العديد من القناصل المتواجدين في القدس، الذين بدورهم مارسوا ضغوطاً على جيش الاحتلال، الذي اضطر إلى إزالة العلم من على قبة الصخرة، خاصة أن الأردن وهو صاحب الرعاية والحماية والإدارة قبل عام 1967 لم يرفع علمه على قبة الصخرة، أو على أي مكان في المسجد الأقصى.[3]
- الأمر الواقع والاسم
لماذا يحفر اليهود تحت المسجد الأقصى
منذ بداية احتلال المسجد الأقصى والسيطرة عليه من قبل إسرائيل، اعترفت بأن ما هو قائم في المسجد الأقصى هو “أمر واقع،” وليس جزءاً أصيلاً من المكان، بما في ذلك الأبنية والمساجد أو حتى صلاة المسلمين فيه، رافضة الاعتراف به وبغيره من الأماكن المقدسة على أنها أماكن مقدسة للمسلمين فقط.
وفيما يتعلق بإجراءات الدخول والخروج والإدارة والحراسة في المسجد الأقصى ومحيطه، التي سميت بإجراءات “الأمر الواقع” فقد فرضت من قبل دولة الاحتلال على المكان وعلى الفلسطينيين، بحكم القوة المسلحة فقط.
وتعبيراً عن عدم اعتراف إسرائيل والقائمين على الديانة اليهودية بقدسية المكان عند المسلمين، فقد أسموه “جبل الهيكل و”جبل موريا”، بهدف تحقيق أطماعهم الدينية و”الوطنية” المزورتين بالسيطرة النهائية على المسجد الأقصى، وهدم وتدمير كل ما هو إسلامي فيه، وتهويده من خلال بناء كنيس ضخم يشبه ما يسمى بالهيكل الثالث. ولا تذكر أي من الأدبيات الإسرائيلية اليهودية الدينية أو السياسية أو الثقافية بأن المسجد مقدس عند المسلمين.
الفتح والإغلاق والإدارة والحراسة
بعد عدة أيام من إغلاق المسجد عام 1967، اجتمع موشيه ديان مع وجهاء مدينة القدس، وحدد لهم الإجراءات الجديدة المتعلقة بفتح المسجد الأقصى، حيث أبلغهم أن المسجد سيظل مفتوحاً طوال الأسبوع، ويدار من قبل دائرة الأوقاف الأردنية، معترفا بذلك بالوصاية الأردنية من الناحية العملية، وليس الرسمية.[4]
وأبلغ ديان المجتمعين، عن تقليص عدد الحراس الفلسطينيين من ثمانية وعشرين إلى أربعة عشر حارساً داخلياً. وقال لهم إن الشرطة الإسرائيلية ستسيطر على البوابات الخارجية. معلناً بذلك السيادة الإسرائيلية الكاملة على المسجد ومحيطه، بوساطة القوة المسلحة فقط.
وبعد انتشار عشرات أفراد الشرطة الإسرائيلية على جميع بوابات المسجد الأقصى، تحول المكان المقدس للمسلمين من مكان عبادة لله، إلى أكثر موقع متفجر في العالم، نتيجة تصرفات أفراد الشرطة الإسرائيليين الذين لم يحترموا المكان، وقاموا بتدنيسه آلاف المرات، وأطلقوا النيران في باحاته المختلفة، مسببين بذلك سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى داخل المسجد، وفي محيطه.
ولم يتوقف دور الشرطة على حراسة البوابات الخارجية للمسجد الأقصى، بل أصبح مراقباً ومحدداً لسلوك حراس الأوقاف الإسلامية، ومن يعارض يتم إبعاده عن المسجد لفترات طويلة.
وفي السياق نفسه، أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان المجتمعين أن اليهود والسياح الأجانب وغير المسلمين، سيسمح لهم بالدخول إلى المسجد الأقصى من دون أية رسوم أو قيود باستثناء أوقات الصلاة. وعندما حاولت سلطات الوقف جباية رسوم من الأجانب، تدخلت سلطات الاحتلال ومنعت ذلك، في إشارة منها للأوقاف بأنها هي فقط صاحبة السيادة، في حين يقتصر دور الأوقاف على الإدارة والخدمات.
لماذا يحفر اليهود تحت المسجد الأقصى
وبعد عام 1996، وبعد أن كانت السياسات الإسرائيلية تتحفظ من قيام المجموعات اليهودية المتطرفة مثل “أمناء جبل الهيكل” برئاسة غرشون سلمون وغيرهم، بزيارات جماعية واستفزازية ومدنسة للمسجد الأقصى، أصبح أفراد الشرطة الإسرائيليون، مرافقين ومنظمين ومدافعين عن هذه الزيارات التي هدفت إلى تثبيت وجود يهودي دائم في المسجد الأقصى. ولتسهيل وتشجيع الزيارات أزالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي اللافتات التي وضعت بعد عام 1967، والتي تمنع اليهود من دخول المسجد الأقصى أو الصلاة فيه.
- مصادرة ممتلكات
قبل أن يسلم موشيه ديان مفاتيح المسجد الأقصى للأوقاف الأردنية، أبلغهم أن إسرائيل ستحتفظ بمفتاح باب المغاربة المطل على المسجد الأقصى – أسمته بوابة الرمبام “الحاخام موشيه بن ميمون،”[5] وستمنع المسلمين من الدخول منه إلى المسجد الأقصى، قاصرة الدخول إليه على اليهود والسياح. ونتيجة ذلك، أصبح لليهود مدخل خاص إلى المسجد الأقصى. مخالفين بذلك شرائع الله والبشر والمجتمع الدولي، ومحولين مدخل الصلاة والسلام والسكينة، إلى مصدر لكل الشرور والاعتداءات على المسجد والمصلين.
وصادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي مقر المحكمة (المدرسة التنكزية) المطلة على المسجد الأقصى وحائط البراق، وحولته لمقر الشرطة وحرس الحدود، وتنوي بناء كنيس (أووروت يروشاليم) في المكان، ومن المقرر لهذا الكنيس أن يكون المدخل الرئيس للهيكل الثالث عندما يتم الانتهاء من بنائه.
كما تمت مصادرة منطقة “رباط الكرد” الواقعة شمال باب الحديد، الذي قالت عنه، إنه حائط المبكى الصغير وخصصته لصلاة اليهوديات، مع العلم أن هذا الحائط جزء مهم من المسجد الأقصى.
- التقاسم الزماني والمكاني
بعد عام 2000 غيرت إسرائيل، إجراءات الزيارة لليهود، وأعادت تحديدها من يوم الأحد حتى يوم الخميس، من الساعة السابعة صباحاً (الثامنة بالتوقيت الشتوي) حتى الحادية عشرة قبل الظهر، أي قبل الصلاة بأقل من ساعة، ومن بعد صلاة العصر حتى قبل صلاة المغرب، محاولة بذلك تقاسم المسجد الأقصى زمانياً مع المسلمين، كي يتاح لها مستقبلاً مصادرة المساحة التي حددها الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي عام 1967 التي يجوز فيها الصلاة لليهود، بحيث توضع فيها مقاعد وكراسي ثابتة تكون بعيدة عما يسمى بقدس الأقداس، في حين تحتاج المقاعد والكراسي لحماية من قوات حرس الحدود والشرطة. ووجود هذه القوات يحتاج لغرف نوم وخدمات. وغرف النوم والخدمات تحتاج لمساحات يتم اقتطاعها من المسجد الأقصى. وبهذه الطريقة يتم تقاسم المسجد مكانياً، لبناء كنيس مستقبلي فيها يشبه إلى حد بعيد الهيكل الثالث المزعوم.
ولتأكيد ذلك، حاول أعضاء كنيست من مختلف أحزاب الائتلاف الحاكم سن قانون “المساواة في المكانة المدنية والدينية بين اليهود والعرب،” بهدف خلق واقع قانوني ملزم إسرائيلياً لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً. وتحدث التفسير الملحق بالقانون عن منع الفلسطينيين والمصلين المسلمين من الدخول للمسجد الأقصى في الوقت المخصص لدخول اليهود إليه والصلاة فيه، مثلما هو متبع عند صلاة المسلمين، حيث يخرج منه غير المسلمين.[6]
ولتحقيق التقاسم الزماني والمكاني ينظم قطعان المستوطنين المدعومين من الحكومات الإسرائيلية المختلفة جولات ميدانية شبه يومية للمسجد الأقصى، مدنسين خلالها المكان ومعتدين على المصلين المسلمين الآمنين. وخلال عام 2011 نجحت المجموعات المذكورة بجلب 9 آلاف مستعمر يهودي، و15 ألف مستعمر يهودي خلال عام 2013.[7] وذلك يعني مشاركة 24 ألف يهودي (بمعدل 66 شخصاً يومياً) خلال عامين فقط، أي التسبب بـ24 ألف مشكلة واعتداء وعدوان على المسجد الأقصى.
لماذا يحفر اليهود تحت المسجد الأقصى
الإجراءات الإسرائيلية، لم تتوقف عند المصادرة، بل امتدت لقيام داوئر الآثار في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بعمليات حفر في 9 مناطق أسفل البلدة القديمة، من بينها 3 حفريات أسفل الحرم القدسي الشريف. وكان من أخطر هذه الحفريات الممر الذي اكتشفته الأوقاف الإسلامية أسفل الحرم في منطقة بئر قايتباي عام 1981 وقامت بسده بالإسمنت المسلح.[8] وفي عام 1996 أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بفتح نفق قرب أساسات الحرم القدسي الشريف مما تسبب في اندلاع انتفاضة فلسطينية ضد الحفريات الإسرائيلية.
وعلى الصعيد نفسه، تقوم دائرة الآثار الإسرائيلية، وبالتعاون مع بلدية القدس، وصندوق إرث الحائط الغربي الحكومي، وبدعم مالي من منظمات يهودية وغير يهودية، بتعميق وتوسيع الأنفاق أسفل الحرم القدسي الشريف، وبالتالي تحقق فيها إسرائيل رغبة التيار العلماني والوطني وبعض التيارات الدينية التي تعمل على “مساعدة الرب” بالسيطرة على كل ما هو تحت الأرض في الحرم القدسي الشريف لتصل إلى عمق 17 مترا.[9] وتجري الحفريات في اتجاهين: الأول، حتى قبة الصخرة. والثاني، بين المسجدين. وخلال الحفريات، حولت إسرائيل الزوايا والآبار والقاعات التي تفرغها من حجارة وأتربة ومياه إلى كنس وأماكن صلاة لليهود.
- الفتاوى
صدر في ثلاثينات القرن الماضي فتوى، من رئيس حاخامات ما يسمى بأرض إسرائيل الحاخام أبراهام يستحاق هكوهين كوك، تفيد بعدم جواز دخول اليهود للمسجد الأقصى في المنطقة التي أسماها “هار هبيت” كي لا يساهم اليهود في تدنيس المكان المقدس لهم على حد تعبيره.
وبعد احتلال الضفة الغربية في نكسة حزيران عام 1967 صدر عن الحاخامية الرئيسية في إسرائيل بيان يؤكد فيه على الفتوى الصادرة عن الحاخام المذكور. لكن الحاخامية الرئيسية أضافت بنداً في البيان والتحذير المنشور على لافتة في مداخل الحرم القدسي الشريف يتضمن منع “الغوييم” (الأغيار) من الدخول إلى الحرم القدسي الشريف. والتجديد الذي حصل هنا هو شمول غير اليهود في الدخول للحرم القدسي الشريف، أي العرب المسلمين والزوار على مختلف انتماءاتهم الدينية.
لكن أتباع الحاخام أبراهام يستحاق هكوهين كوك، المنتمين للتيار الوطني الديني في إسرائيل (المنتمين لحزب البيت اليهودي) أمثال الحاخام الرئيسي لدولة إسرائيل السابق مردخاي إلياهو، وحاخام مستوطنة كريات أربع داف ليئور، والحاخام حاييم دروكمن وغيرهم، أصدروا فتاوى متكررة بجواز صلاة اليهود في أماكن معينة بالحرم القدسي الشريف.[10] وقاموا بإزالة اللافتات التي تحرم دخول اليهود للحرم القدسي الشريف كي لا يخلقوا التباساً عند اليهود المتدينين.
ولتسهيل السيطرة على الأماكن الإسلامية المقدسة صدرت فتاوى تجيز لليهود الصلاة في المساجد الإسلامية في مختلف أنحاء فلسطين، وتمنع بالمطلق صلاة اليهود في الكنائس المسيحية.[11] وبهذه الطريقة تمت السيطرة على الكثير من مساجد المسلمين في كل فلسطين التاريخية مثل مسجد النبي صمويل شمالي غرب القدس، ومسجد بلال بن رباح (الذي أسموه قبة راحيل) في المدخل الجنوبي لمدينة بيت لحم.
- قوانين
سُنَّ في المجال القانوني، فور احتلال مدينة القدس مباشرة عام 1967، من قبل الكنيست الإسرائيلي قوانين تكرس سيطرة إسرائيل على الحرم القدسي الشريف، مثل “قانون حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة”، الذي سمح بموجبه بدخول اليهود والسواح الأجانب إلى الحرم الإبراهيمي والمسجد الأقصى، بعد أن كان اليهود ممنوعين من الدخول إليه خلال حكم الأردن للضفة الغربية.
وعلى الصعيد نفسه، سنت الكنيست الإسرائيلي في 27 حزيران (يونيو) عام 1967 قانون “المحافظة على الأماكن المقدسة،”[12] وتجريم كل من يحاول تدنيس هذه الأماكن بالسجن لمدة خمسة أعوام.
لكن المشكلة الأساسية في القانونين، هي أنه لا سلطات الاحتلال ولا مؤسساته التشريعية والقانونية حددت، ما هي الأماكن المقدسة للسلمين خاصة المسجد الأقصى. في حين وضعت قائمة بما يسمى بالأماكن اليهودية المقدسة التي شملت الكثير من الأماكن الإسلامية.
واستثنت المسجد الأقصى من وضعه في القائمة اليهودية، أو تحديده في قائمة أماكن إسلامية، التي لم توضع أصلا، بهدف تحويله لمكان خلاف، ومحاولة تقاسمه مع المسلمين مستقبلا.
واستغل القانونان، إضافة إلى قانون حرية العبادة، من قبل الشرطة الإسرائيلية لحماية اليهود المتطرفين الذين يقتحمون المسجد بشكل يومي.
ولتحقيق منطق التقاسم الذي فرض في الحرم الإبراهيمي الشريف، يسعى أعضاء كنيست من الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، منذ عام 2014، إلى سن قانون سمي بـ”قانون المساواة في المكانة المدنية والدينية بين اليهود والعرب في هار هبيت.” ويدعو مشروع القرار المقترح إلى وضع تسويات واضحة لدخول اليهود إلى الحرم القدسي الشريف من يوم الأحد إلى يوم الخميس ما بين الساعة الثامنة وحتى الساعة الحادية عشرة صباحاً، وما بعد صلاة العصر حتى صلاة المغرب[13].
وتحدث تفسير القانون الملحق بمشروع القرار أن على إسرائيل تنفيذ قانون حرية العبادة ليشمل صلاة اليهود في “هار هبيت”، من دون تواجد المسلمين في المسجد الأقصى خلال الأوقات المذكورة أعلاه.[14] ويهدف القانون المذكور في حال تبنيه من قبل الكنيست إلى تقاسم المكان المقدس للمسلمين زمانياً ومكانياً مع اليهود.
ولتطبيق القانون عمليا، صدرت أوامر من وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي يساوي فيها بين المعتدين اليهود وبين المصلين المسلمين، حظر بموجبها على الجميع دخول المسجد الأقصى لفترة غير محددة، بحجة عدم قيام متظاهرين يهود بالصلاة والتظاهر في المسجد، رداً على إطلاق النار على أحد زعماء اليمين المتطرف (يهودا غليك) المهتم بصلاة اليهود في المكان.[15]
ونتيجة للقانونين، وتماشياً مع السياسة الحكومية ومع رغبات المتطرفين اليهود، أصدرت محكمة العدل العليا قراراً عام 2014 يجيز لليهود الصلاة في المسجد الأقصى، وفق قانون حرية العبادة عام 1967، بعد أن كانت ترفض التدخل، وتحيل الأمر للشرطة التي كانت تمنع بشكل أو بآخر الدخول الاستفزازي، بحجة المحافظة على الأمن العام، حتى عام 1996.
خلاصة
لم تحتج إسرائيل لحادثة إطلاق النار على اثنين من أفراد شرطتها، كي تعيد المحاولات لتعميق تدخلها في المسجد الأقصى، كمقدمة لتقاسمه -أسوة بالحرم الإبراهيمي في الخليل- مع المسلمين، فيما أصبح يعرف بـ”التقسيم الزماني والمكاني.” وفي السياق المذكور، ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت، أن الحكومة الإسرائيلية طالبت في السابق، أي قبل إغلاق المسجد الأقصى ووضع بوابات إليكترونية وكاميرات ذكية وقبل إطلاق النار على أفراد الشرطة الإسرائيلية، بوضع مخطط أمني جديد يتعلق بالمسجد الأقصى، لتعميق تدخلها ومشاركة الأوقاف في الإدارة عن بُعد في الطريق إلى تحقيق الهدف المذكور أعلاه.
ومنذ عام 2000 حتى هذا اليوم، تشن إسرائيل عدواناً شرساً على الفلسطينيين في ثلاثة مجالات متعلقة بمدينة القدس: الأول، تقسيم الحارات الفلسطينية في القدس الشرقية عن طريق، زرع بؤر استيطانية داخل هذه الحارات، من خلال مصادرة أملاك وبيوت الفلسطينيين. والثاني، محاولة إخراج الأحياء والقرى العربية الواقعة خارج الجدار مثل مخيم شعفاط والرام، وحتى تلك التي تقع داخل الجدار مثل صور باهر وجبل المكبر وغيرها من حدود بلدية القدس. والثالث، شن حملة ممنهجة من قبل المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، المدعومة بقطعان المستوطنين الذين ينتمي بعضهم إلى ما يسمى بالتيار الديني الوطني، على المسجد الأقصى، بهدف خلق واقع جديد يتمثل بتقاسم المسجد مع المسلمين. ولتحقيق هذا الهدف تعمل أكثر من ثلاث وثلاثين مجموعة منها: “مكتب رئيس الحكومة” و”صندوق إرث إسرائيل” و”أمناء جبل الهيكل” و”شركة تطوير الحي اليهودي.”
وعليه، على الفلسطينيين والعرب والمسلمين عدم المبالغة في الإنجاز الذي تحقق، بإعادة الوضع لما كان عليه قبل 14 تموز (يوليو) 2017، لأن إسرائيل ستعيد محاولاتها لتحقيق هدفها المرحلي بتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، مع البقاء يقظين وحذرين لإفشال الاعتداءات الإسرائيلية القادمة.
الهوامش:
[*] باحث في الشؤون الإسرائيلية – فلسطين.
[1]. أرشيف دولة إسرائيل، اجتماع الحكومة الإسرائيلية في 18/6/1967، ص6، نشرت اجتماعات الحكومة الإسرائيلية بمناسبة مرور خمسين عاما على حرب عام 1967.
[2]. المصدر نفسه.
[3]. افتتاحية البيادر السياسي، السنة السابعة والثلاثون، ص4، عدد 1080، 2017.
[4]. المصدر نفسه. إسرائيل اعترفت بالمكانة الخاصة للمملكة الأردنية الهاشمية في المسجد الأقصى عندما وقع اتفاق السلام عام 1994 حين ذكر أن إسرائيل تحترم الدور الخاص للأردن في القدس، والمهمة التاريخية للملك عبد الله كحارس للأماكن المقدسة للمسلمين في القدس.
[5] . إسحاق رايتر، هار هبيت/الحرم الشريف: نقاط الالتقاء والخلاف، ص9، 1997، مركز القدس للدراسات الإسرائيلية.
[6]. الكنيست التاسعة عشرة، مبادرة عضو الكنيست ميري ريغب (من الليكود)، اقتراح قانون مساواة في المكانة المدنية والدينية بين اليهود والعرب في هار هبيت، 2014، نسخة أصلية من القانون تم نشرها من قبل الموقع الإليكتروني لمركز أبحاث الكنيست الإسرائيلي. www.knesset.gov.il
[7]. حسون نير، الحركات المسيحية تطالب بالعودة لهار هبيت، ص20، هآرتس، 3/10/2012.
[8]. الأوقاف الإسلامية تغلق ممر فتحته إسرائيل. موقع مركز المعلومات الوطني الفلسطيني www.pnic.gov.ps.
[9]. مدزيني رونين، هكذا تبدو الحفريات في هار هبيت، الموقع الإليكتروني لصحيفة يديعوت أحرنوت www.ynet.co.il، 2009.
[10]. فتوى تبيح صلاة اليهود وزعت ونشرت في الصحف الإسرائيلية، وهي موقعة من قبل 40 حاخاماً يقطن معظمهم في مستوطنات الضفة الغربية والقدس، يديعوت أحرنوت، ص50، 6 آب 2013.
[11]. خبر ورد في الموقع الإليكتروني لصحيفة يديعوت أحرنوت www.ynet.co.il حول فتوى الحاخام بروخ إفراتي للصلاة في المسجد الأقصى، 19/1/2011. سبق للحاخام عوفاديا يوسف الأب الروحي لحركة شاس والحاخام الرئيسي السابق لدولة إسرائيل أن أفتى بجواز الصلاة في المسجد الأقصى.
[12]. كتاب القوانين، قانون المحافظة على الأماكن المقدسة، 28/6/1968. كتاب القوانين: الجريدة الإسرائيلية الرسمية.
[13]. الكنيست التاسعة عشرة، مبادرة عضو الكنيست ميري ريغب (الليكود)، اقتراح قانون مساواة في المكانة المدنية والدينية بين اليهود والعرب بهار هبيت، 2014، نسخة أصلية نشرها الموقع الإليكتروني لمركز أبحاث للكنيست الإسرائيلي. www.knesset.gov.il
[14]. المصدر نفسه.
[15]. بيان صادر عن وزير الأوقاف الفلسطيني، حصل الكاتب عليه من الوزارة، 30/10/2014.