لعل السحر وحقيقته وحكمه من المسائل التي تحدثت عنها عدد من الأديان والثقافات، والإسلام ركز الحديث في هذا الموضوع من خلال آيات القرآن الكريم والحديث النبوي وأفعال الصحابة وكلام الفقهاء، لذلك احتاج موضوع السحر إلى ذكر مبحث يذكر معناه وحقيقته وأقسامه وحكم تعلمه وتعليمه وعاقبته.
المحتويات
ما حكم السحر
جائت الدلائل بالكتاب والسنة بأن حكم السحر حرام , حيث انه قد روى مسلم في صحيحه أن النبي ﷺ قال: من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين يومًا وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال: من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمدﷺ , والسحر من المحرمات الكفرية، كما قال الله عز وجل في شأن الملكين في سورة البقرة:” وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” .
حكم تعلم السحر وتعليمه
اجمع علماء المسلمين أن تعلم السحر وتعليمه وممارسته حرام، ونقل ابن قدامه والنووي الإجماع على ذلك.
ورغم اتفاق هؤلاء العلماء على حرمة تعلم السحر وتعليمه وممارسته إلا أنهم اختلفوا في تكفير فاعله، فذهب جمهور العلماء ومنهم أئمة المذاهب الفقهية المشهورة: مالك وأبو حنيفة وأصحاب أحمد وغيرهم إلى تكفيره.
وذهب الإمام الشافعي إلى التفصيل، فإن كان في عمل الساحر ما يوجب الكفر، كفر بذلك، وإلا لم يكفر.
وقد أورد القرافي أمثلة للكفر التي يتضمنها السحر فقال:
“هذه الأنواع قد تقع بلفظ هو كفر، أو اعتقاد هو كفر، أو فعل هو كفر، فالأول كالسب المتعلق بمن سبه كفر، والثاني كاعتقاد انفراد الكواكب أو بعضها بالربوبية، والثالث كإهانة ما أوجب الله تعالى تعظيمه من الكتاب العزيز وغيره، فهذه الثلاثة متى وقع شيء منها في السحر، فذلك السحر كفر لا مرية فيه”.
واستدل الجمهور القائلون بكفر الساحر بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة:102].
قال ابن حجر في الفتح : “فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر، وكذا قوله في الآية على لسان الملكين: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ﴾، فإن فيه إشارة إلى أن تعلم السحر كفر فيكون العمل به كفرا وهذا كله واضح”.\
عقوبة الساحر
معلوم في الشرائع والعقول أن العقوبات تكون موازية للجنايات، وجناية السحر ظلم للنفس وتعدي على الحق، لذلك ذهبت بلاد الممالك الغربية التي فرضت على السحرة أشد العقوبات ونالهم بذلك التنكيل والتشهير ومصادرة الأموال وإنزال العقوبات بهم، فكانت كلٌ من فرنسا وألمانيا وإيطاليا تحكم على السحرة بالإعدام.
وعقوبة السحر في الإسلام مرتبطة بحكم تعلم السحر، وقد ورد في ذلك عدة حوادث في زمن صدر الإسلام، فهذا بجالة بن عبدة يقول:
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. فقال بجاله: فقتلنا ثلاث سواحر، وجاء كذلك عن حفصة رضي الله عنها، أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت.
لذلك ذهب الأئمة أبو حنيفة ومالك، وأحمد وجمهور أهل العلم إلى وجوب قتل الساحر من غير استتابة. وعزا القرطبي هذا القول إلى جمهور أهل العلم، وقال به من الصحابة:عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبو موسى الأشعري، وعزاه القرطبي كذلك إلى سبعة من التابعين. وأما مذهب الشافعي فقال السبكي ماحاصله أن السحر له ثلاثة أحوال: حال يقتل كفراً، وحال يقتل قصاصاً، وحال لا يقتل أصلاً بل يعزر، أما الحالة التي يقتل فيها كفراً إن عمل بسحره ما يبلغ الكفر، والحال التي يقتل قصاصا إن كان قتل بسحره، وإلا يعزر.