الكناية لفظ لا يقصد منه المعنى الحقيقي وإنما معنى ملازما للمعنى الحقيقي، أو هو لفظ أطلق أريد به لازم معناه لا أصل معناه. الكناية أحد أساليب البلاغة وغالبا ما يصنف ضمن علم البيان. فمثلا يقول الشاعر: “وكلبُك آنَسُ بالزائرين… من الأم بابنتها الزائرة” يريد بذلك أن يصف ممدوحه بالجود، لأن الكلب الأنيس يلزم أنه يرى الكثير من الناس فلا يهاجمهم ولا ينبح عليهم، ورؤية الكثير من الناس تستلزم أن هناك ضيوف
خصائص الكِناية هُناك العديد من الخصائص للكِناية، وذلك بحسب الغرض المُراد منها، ومن هذه الخصائص: التّهذيب:
من خلال التّعبير عمّا لا يستطيع الإنسان التّصريح به سواءَ لعدم الرّغبة باستخدام ألفاظ قبيحة، أو احتراماً للمُخاطب.
ذكاء الوصف: مِثل الإيقاع بالخصم والنّيل منه دون أن يكون هُناك مأخذ يستطيع الخصم أن يتّخذه سبيلاً للانتقام.
التّعظيم ورفع الابتذال: يشتهر هذا في (الكُنية)، مِثل: “أبو الأنبياء”، كِناية عن سيدنا إبراهيم -عليه السّلام-.
التّحسين البلاغيّ: يكون في إيضاح المعاني على هيئة مُحسّنة وبليغة من خلال الألفاظ المُستخدمة
الإيجاز: يكون في إيراد المعنى مع التّدليل عليه أو بالإشارة إلى ما يتعلّق به.
التّخصيص: يكون في إخراج المعنى من الإطار العامّ إلى تخصيصه، مِثل:
(أحمد كريم)، هُنا أحمد يتّصف بالكرم، لكن في جُملة: (أحمد كثير الرَّماد) تمّ تخصيص كرم الضِّيافة، فليس كُلّ كريم سيكون مِضيافاً
القوّة: يكون في إيراد المعنى مع ما يتعلّق به، وهذا الإيراد أقوى من التّصريح بالشّيء وحده.
المحتويات
أهميّة الكِناية وسِرّ بلاغتها
تتميّز الكِناية في كونها أحد الأساليب البلاغيّة في اللغة، وبما أنّها تندرج تحت عِلم البيان فإنّها تختصّ بالمعنى وبكيفيّة إيراده بأسلوب قويّ وجميل في الوقت ذاته، ومن المعاني البلاغيّة التي تتميّز بها الكِناية عِنايتها بالمعنى بأسلوب مُبالغٍ يُضفي قوّة له؛ وذلك لعنايته بالّلفظ الواحد وما يتعلّق به ممّا يُشابهه في المعنى، أو ما يتعلّق بثوابته وأجزائه، كما أنّ للكِناية القدرة على إضفاء الحِسّ الحركيّ والحيويّ للمعنى من خلال إسقاط المعنى الموجود في ذهن الإنسان إلى ما يُشبهه واقعاً، ويجب الإشارة إلى أنّ الكِناية تعمل على تقديم الحقيقة مع ما يُدلل عليها؛ لأنّ إيراد المعنى وحده قد لا يُصدّق، أمّا إيراده مقروناً بدليل أقوى من ناحية الإثبات والتّصديق في نفس المُخاطب، ومن الجدير بالذِّكر أنّ الكِناية تملك أسلوباً بلاغيّاً مُميّزاً في التّعبير عن المعاني بألفاظ تتناسب مع مُتلقّيها، فلا يتمّ إيراد المعنى ثقيلاً وقبيحاً، إنّما تُعطي المعنى المُراد بشكلٍ راقٍ
الكِناية عن الموصوف
هي الكِناية التي تُذكر بها الصّفة بشكل بشكل مُباشر، فإمّا أن يكون للمكنيّ عنه فيها معنى واحداً يُوصف به، مِثل: (ضربتُ الرَّجُل في موطن أسراره)، ويكون القصد بموطن أسراره: (القلب)، والحالة الثّانية أن يكون المُكنّى عنه موصوفاً بعِدّة معانٍ، مِثل: (جاءني حيٌّ مستوي القامة، عريض الأظفار)، والكِناية في الجُملة السّابقة: كِناية عن (الإنسان)، لأنّ هذه المعاني كُلّها أوصاف ثلاثة تجتمع في الإنسان، كما أنّ هذه الكِناية لا يُذكر الموصوف فيه، وفيما يلي مجموعة من الأمثلة التّوضيحيّة على الكِناية عن الموصوف:
في الكناية وتعريفها وأنواعها
واصطلاحًا: لفظ أريد به غير معناه الذي وُضع له، مع جواز إرادة المعنى الأصلي لعدم وجود قرينة مانعة من إرادته، نحو: «زيد طويل النجاد» تريد بهذا التركيب أنه شجاع عظيم، فعدلت عن التصريح بهذه الصفة إلى الإشارة إليها بشيء تترتب عليه وتلزمه؛ لأنه يلزم من طول حمالة السيف طول صاحبه، ويلزم من طول الجسم الشجاعة عادة، فإذًا المراد طول قامته، وإن لم يكن له نجاد، ومع ذلك يصح أن يراد المعنى الحقيقي. ومن هنا يُعلم أن الفرق بين الكناية والمجاز صحة إرادة المعنى الأصلي في الكناية دون المجاز، فإنه ينافي ذلك.
نعم، قد تمتنع إرادة المعنى الأصلي في الكناية؛ لخصوص الموضوع كقوله تعالى: وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ وكقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كناية عن تمام القدرة، وقوة التمكن والاستيلاء.
- (١)كناية عن صفة، كما تقول: «هو ربيب أبي الهول» تكني عن شدة كتمانه لسره، وتعرف كناية الصفة بذكر الموصوف — ملفوظًا أو ملحوظًا — من سياق الكلام.
- (٢)كناية عن موصوف، كما تقول: «أبناء النيل» تكني عن المصريين و«مدينة النور» تكني عن باريس، وتُعرف بذكر الصفة مباشرة أو ملازمة. ومنها قولهم: «تستغني مصر عن مصب النيل ولا تستغني عن منبعه» كنَّوا بمنبع النيل عن أرض السودان.
ومنها قولهم: «هو حارس على ماله» كنوا به عن البخيل الذي يجمع ماله، ولا ينتفع به.
ومنها قولهم: «هو فتًى رياضي» يكنون عن القوة؛ وهلم جرًّا.
- (٣)كناية عن نسبه، وسيأتي الكلام عليها فيما بعد.
- فالقسم الأول: وهو الكناية التي يطلب بها «صفة» هي ما كان المكنى عنه فيها صفة ملازمة لموصوف مذكور في الكلام.
وهي نوعان:
- (أ)كناية قريبة: وهي ما يكون الانتقال فيها إلى المطلوب بغير واسطة بين المعنى المنتقل عنه والمعنى المنتقل إليه، نحو قول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
رفيع العماد طويل النجاد ساد عشيرته أمرد
- (ب)وكناية بعيدة: وهي ما يكون الانتقال فيها إلى المطلوب بواسطة أو بوسائط، نحو: «فلان كثير الرماد» كناية عن المضياف. والوسائط: هي الانتقال من كثرة الرماد إلى كثرة الإحراق، ومنها إلى كثرة الطبخ والخبز، ومنها إلى كثرة الضيوف، ومنها إلى المطلوب وهو المِضياف الكريم.
- (أ)كناية قريبة: وهي ما يكون الانتقال فيها إلى المطلوب بغير واسطة بين المعنى المنتقل عنه والمعنى المنتقل إليه، نحو قول الخنساء في رثاء أخيها صخر:
- القسم الثاني: الكناية التي يكون المكني عنه موصوفًا بحيث يكون إما معنًى واحدًا «كموطن الأسرار» كناية عن القلب، وكما في قول الشاعر:
فلما شربناها ودب دبيبهاإلى موطن الأسرار قلت لها قفي
وإما مجموع معانٍ، كقولك: «جاءني حيٌّ مستوي القامة، عريض الأظفار» (كناية عن الإنسان) لاختصاص مجموع هذه الأوصاف الثلاثة به. ونحو:
الضاربين بكلِّ أبيض مخذموالطاعنين مجامع الأضغانويشترط في هذه الكناية أن تكون الصفة أو الصفات مختصة بالموصوف، ولا تتعداه؛ ليحصل الانتقال منها إليه.
- القسم الثالث: الكناية التي يراد بها نسبة أمر لآخر — إثباتًا أو نفيًا — فيكون المكني عنه نسبة، أُسندت إلى ما له اتصال به، نحو قول الشاعر:
إن السماحة والمروءة والندىفي قبة ضُربت على ابن الحشرج
فإن جعل هذه الأشياء الثلاثة في مكانه المختص به يستلزم إثباتها له.
والكناية المطلوب بها نسبة:- (أ)إما أن يكون ذو النسبة مذكورًا فيها، كقول الشاعر:
اليمن يتبع ظلهوالمجد يمشي في ركابه
- (ب)وإما أن يكون ذو النسبة غير مذكور فيها، كقولك: «خير الناس من ينفع الناس» كناية عن نفي الخبرية عمن لا ينفعهم.
- (أ)إما أن يكون ذو النسبة مذكورًا فيها، كقول الشاعر:
- (١)فالتعريض لغة: خلاف التصريح.
واصطلاحًا: هو أن يطلق الكلام، ويُشار به إلى معنًى آخر يفهم من السياق، نحو: قولك للمؤذي: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» تعريضًا بنفي صفة الإسلام عن المؤذي. وكقول الشاعر:
إذا الجود لم يرزق خلاصًا من الأذىفلا الحمد مكسوبًا ولا المال باقيا - (٢)والتلويح لغة: أن تشير إلى غيرك من بعد.
واصطلاحًا: هو الذي كثرت وسائطه بلا تعريض، نحو:
وما يك فيَّ من عيب فإنيجبان الكلب مهزول الفصيلكنى عن كرم الممدوح بكونه جبان الكلب، مهزول الفصيل، فإنَّ الفكر ينتقل إلى جملة وسائط.
- (٣)والرمز لغة: أن تشير إلى قريب منك خفية بنحو شفة أو حاجب.
واصطلاحًا: هو الذي قلَّت وسائطه، مع خفاء في اللزوم بلا تعريض، نحو: «فلان عريض القفا، أو عريض الوسادة» كناية عن بلادته وبلاهته، ونحو: «هو مكتنز اللحم» كناية عن شجاعته، و«متناسب الأعضاء» كناية عن ذكائه، ونحو: «غليظ الكبد» كناية عن القسوة؛ وهلم جرًّا.
والإيماء أو الإشارة: هو الذي قلَّت وسائطه، مع وضوح اللزوم بلا تعريض، كقول الشاعر:
أَوَما رأيت المجد ألقى رحلهفي آل طلحة ثمَّ لم يتحولكناية عن كونهم أمجادًا أجوادًا بغاية الوضوح.