المحتويات
من الإمام الذي قال في زيارة الناحية لأبكين عليك بدل الدموع دما
يذكر في زيارة الناحية المقدسة في مخاطبة سيد الشهداء (( فلأندبنك صباحا ومساءً , ولأبكين عليك بدل الدموع دماً,)) أي مصيبة هي التي تبكي عليها بدل الدموع دماً؟
اقرأوا الأتي:
ليلة الحادي ويوم الحادي يروي العالم الواعظ الحاج ملا سلطان علي التبريزي قائلاً : تشرفت في عالم الرؤيا برؤية حضرة بقية الله ارواحنا له الفداء .
من الإمام الذي قال في زيارة الناحية لأبكين عليك بدل الدموع دما
ورد عن قائم آل محمّد (عجّل الله تعالى فرجه) قال : « فلئن أخّرتني الدهور ، وعاقني عن نصركَ المقدورُ ، ولم أكنْ لِمَنْ حاربك محارباً ،وِلمنْ نصَبَ لك العداوة مناصباً ، فـلأندُبَنَّك صباحاً ومساءً ، ولأبكينَّ عليك بدلَ الدموع دماً ، حسرةً عليك وتأسُّفاً على ما دهاك وتلهفاً ، حتى أموت بلوعة المصابِ وغُصّةِ الاكتئابِ[1]».
فهذا النصّ الشريف ممّا قد يستدلّ به على جواز ، بل رجحان البكاء على الحسين إلى هذه الدرجة . لكن قيل : قوله صلوات الله عليه : «ولأبكينَّ عليك بدلَ الدموعِ دماً» مجاز أو كناية عن شدّة البكاء واستمرار الحزن ودوام اللوعة ، لا البكاء دماً على الحقيقة ؛ لكذب القضيّة المنطقيّة ؛ فالعين لا تبكي دماً ، بل دمعاً كما هو معلوم .
من الإمام الذي قال في زيارة الناحية لأبكين عليك بدل الدموع دما
وقد يجاب عنه بأنّ الأصل هو الظاهر والحقيقة ، واللجوء للتأويل بالكناية والمجاز يحتاج إلى مؤونة وهي مفقودة في المقام ؛ آية ذلك أنّ كلّ فقرات النصّ ظاهرة في الحقيقة ، لا تأويل فيها ولا مجاز ، وعليه فإنّه يجوز البكاء كما ذكر القائم صلوات الله عليه .
والحقّ فإنّ كلاً من التقريرين ساذج ؛ فالقائم (عج) لا يريد إلاّ القول بأنّه سيبكي على الحسين (ع) بكاءً لا يبكيه على أحدٍ من البشر سواه ، حتّى لو أدّى هذا البكاء إلى خروج الدّم ؛ نتيجة تقرّح مجرى الدموع في وجهه المقدّس ؛ يشهد لهذا التأويل ، صحيح ابن أبي محمود الآتي..
من الإمام الذي قال في زيارة الناحية لأبكين عليك بدل الدموع دما
وفي الجملة : فهذا ما يتبادر أوّلاً لكلّ من أنس بأسرار العربيّة وخاض في بلاغة أهلها ، ومعه لا حاجة لارتكاب الكناية والمجاز ، كما لا ترد إشكاليّة كذب القضيّة المنطقيّة . والنتيجة فإنّه يترتّب على ذلك جواز بل استحباب البكاء بهذه الدرجة تأسّياً بالقائم صلوات الله عليه ؛ أي حتّى لو أورث البكاء تقرّح الجفون ومجرى الدموع وخرج الدم جرّاء ذلك .
ولا يشكل ، بأنّ مثل هذا الاستدلال باطل لأنّه مبني على القول بصحّة سند رواية ابن المشهدي في مزاره ، مع أنّ جماعة من كبار الإماميّة ، وهم الأكثر ، لم يثبت عندهم اعتبار أصل الكتاب فضلاً عن خبر القائم الآنف الموجود فيه . فإنّه يقال لا ريب في فساد هذا الإشكال ؛ لمجموع عدّة أمور..
أمّا أولاً : فلوجود أخبار صحيحة في أصل هذا المضمون ؛ منها : ما أخرجه الشيخ الصدوق (رحمه الله) بسنده الحسن بل الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود عن الإمام الرضا قال (ع) : «إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا[2]…» وهو نصّ ظاهر في مشروعيّة تقرّح الجفون نتيجة البكاء على مصيبة الحسين (ع) ، وإلاّ لما فعله الأئمّة (ع) وهم أسرار حكمة الله ؛ فيكفي فعلهم (ع) لأن يكون مباحاً ، بل مطلوباً شرعاً ، والخبر كما ترى صريح لا يحتمل التأويل ، كما أنّه وخبر القائم الآنف متّحدا المضمون ، ويكفي هذا لمشروعيّة تأويل خبر القائم به ، بل اعتباره به ، حتّى على مبنى من لا يرى حجيّة كتاب ابن المشهدي .
وثانياً : فالاستدلال لا يقف على خبر القائم والرضا (ع) وحسب ؛ فالروايات في ذلك متضافرة المعنى مستفيضة الصدور ؛ وحسبنا هنا إطلاق قول الإمام الصادق (ع) الوارد في حسنة معاوية بن وهب : «كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام» فهو ظاهر في أنّ كلّ أقسام البكاء في حقّ الحسين (ع) ومنه بكاء القائم (عج) ؛ أي البكاء الشديد المستلزم لتقرح الجفون ، ليس مكروهاً ، وبالتالي فهو إمّا مستحبّ أو جائز ، فاندفع الإشكال من الأساس .
نقول ذلك أو نضرب بإطلاق الحسنة والاستثناء الذي فيها ، وما ماثلها من صحاح الأخبار عرض الجدار ، ولا سبيل إلى الثاني بعد اتّفاق الطائفة على حجيّتها والعمل بها ، ناهيك عن صحّة أسانيدها واستفاضتها بل تواترها معنى كما لا ينبغي أن يخفى .
وثالثاً : إجماع جهابذة فقهاء الإماميّة قدماء ومتأخرّين ، على استحباب البكاء الشديد المستمر على الحسين (ع) ولو تقديراً ؛ إذ لم نعثر في كلماتهم على تقيد البكاء عليه (ع) بعدم تقرّح الجفون وخروج الدم ؛ يشهد لذلك السيرة المستمرّة ، خلفاً عن سلف ، القاضية بمدح البكّائين على الحسين ، مهما بلغت درجة البكاء من شدّة ، وسيأتي في خبر دعبل الصحيح قريباً أنّ الإمام الرضا بكى شديداً وكذلك السجّاد وغيرهم (ع) .
ورابعاً : القياس الصحيح على كتاب الله الذي يقول على لسان نبيّ الله يعقوب (ع) (وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ[3]).
وقد تقدّم أنّ يعقوب (ع) قد عميت عينه ؛ يشهد لذلك قول الله تعالى : (فارتدّ بصيراً) ولا شبهة في أنّ البكاء إلى حدّ إخراج الدّم بالتقرّح أهون ضرراً و أقلّ جزعاً من العمى .