المحتويات
يأذن الله في الشفاعة القرآن وبعض سورة مثل سورتي
الشفاعة هي الوساطة بين طرفين لنفع طرف على الآخر ، وخصصت الشفاعة في الدين الإسلامي لفئات معينة من المسلمين ، بما في ذلك شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بدئها لمن اجتمع في سبيل الله تعالى ، فالشفاعة في الأصل هي لله سبحانه وتعالى وحده قال تعالى في كتابه العزيز ” قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ” سورة الزمر الآية 44، والله سبحانه وتعالى يمنح الشفاعة لمن يشاء من عباده ويجعله يتشفع لمن يشاء قال تعالى في كتابه العزيز ” وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ” سورة النجم الآية 26، لذالك هناك عدة شروط لقبول الشفاعة.
آيات الشفاعة وتصنيفها
قد ورد ذكر الشفاعة في الكتاب الحكيم في سور مختلفة لمناسبات شتى. ولا يظهر المراد من المجموع إلّا بعرض بعضها على بعض ، وتفسير الكل بالكل ، والآيات الواردة في الشفاعة تندرج تحت الأصناف التالية :
الصنف الأوّل : ما ينفي الشفاعة في بادئ الأمر.
يقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) (۱).
وهذا الصنف من الآيات هو المستمسك لمَن اعتقد بأنّ الشفاعة عقيدة اختلقها الكهّان (۲). وسيوافيك أنّ المنفي قسم خاص منها لا جميع أقسامها بقرينة أنّ المنفي قسم من أواصر الخلة لا جميعها ، بشهادة قوله سبحانه : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) (۳).
الصنف الثاني : ما يرد الشفاعة المزعومة لليهود.
يقول سبحانه : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) (٤).
والآية خطاب لليهود ، وهي تهدف إلى نفي الشفاعة المزعومة عندهم ، حيث كانوا يقولون نحن أولاد الأنبياء ، وآباؤنا يشفعون لنا ، فصار ذلك ذريعة لارتكاب الموبقات ، وترك الفرائض ، فآيسهم الله من ذلك.
الصنف الثالث : ما ينفي شمول الشفاعة للكفار.
يقول سبحانه ـ حاكياً عن الكفّار ـ : ( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) (٥).
وهذ الصنف ناظر إلى نفي وجود شفيع ـ يوم القيامة ـ للكفّار الذين انقطعت علاقتهم بالله لكفرهم به وبرسله وكتبه ، كما انقطعت علاقتهم الروحيّة بالشفعاء الصالحين ، فلم يبق بينهم وبين الشفاعة أية صلة وعلاقة.
الصنف الرابع : ما ينفي صلاحية الأصنام للشفاعة.
يقول سبحانه : ( وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) (٦).
وهذا الصنف يرمي إلى نفي صلاحية الأصنام للشفاعة ؛ وذلك لأنّ العرب الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام لاعتقادهم بشفاعتهم عند الله.
الصنف الخامس : ما يخصُّ الشفاعة بالله سبحانه.
يقول سبحانه : ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (۷).
وكون الشفاعة مختصة بالله لا ينافي ثبوتها لغيره بإذنه كما يعرب عنه آيات الصنف السادس.
الصنف السادس : ما يثبت الشفاعة لغيره بإذنه سبحانه.
يقول سبحانه : ( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) (۸).
ويقول سبحانه : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) (۹).
والجمع بين هذا الصنف وما سبقه واضح ، وقد قلنا انّ مقتضى التوحيد في الخالقيّة أنّه لا مؤثر في الكون إلّا اللّه ، وأن تأثير سائر العلل إنّما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه.
الصنف السابع : ما يسمّي مَن تُقْبل شفاعته.
ويتضمّن هذا الصنف أسماء بعض من تقبل شفاعتهم يوم القيامة.
يقوله سبحانه : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) (۱۰). فصرح بأنّ الملائكة وحملة العرش تقبل شفاعتهم.
ويتحصّل من جمع الآيات أنّ الشفاعة تنقسم إلى شفاعة مرفوضة ، كالشفاعة التّي يعتقد بها اليهود ، وشفاعة الأصنام ، والشفاعة في حق الكفار، وإلى مقبولة ، وهي شفاعة الله سبحانه ، وشفاعة من أذن له ، وشفاعة الملائكة وحملة العرش ، وبالاحاطة بالأصناف السبعة ، تقدر على تمييز المرفوضة عن
المقبولة.
وليست آيات الشفاعة مختصة بالأصناف التّي ذكرناها ، فإنّ هناك آيات تخرج عن إطارها مثل قوله سبحانه : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) (۱۱). وقد أطبق المفسّرون على أن المراد من المقام المحمود ، هو مقام الشفاعة (۱۲).
يأذن الله في الشفاعة القرآن وبعض سورة مثل سورتي
قال تعالى: { واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون } البقرة (48)، والظاهر من الآيات العموم أي أن النفوس يوم القيامة لا تنفعها شفاعة الشافعين، لكن سياق الآيات يدل على أن المراد بهذه النفوس التي لا تنفعها الشفاعات هي النفوس الكافرة، التي أشركت وكفرت بربها، فلم تترك لعظم ذنبها مجالا لرحمة الله أن تحل بها، بواسطة أو دون واسطة، ومن الدليل على أن المراد من هذه الآية الكفار ما سبقها من آيات، والتي تبين أن المخاطب بها هم اليهود، قال تعالى: { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي .. } قال الإمام الطبري في تفسيره: ” إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفساً لا تجزي عن نفس شيئاً في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه .. فآيسهم الله – جل ذكره – مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله – مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق، وخلافهم أمر الله في إتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – وما جاءهم به من عنده – بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم؛ وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماماً لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله ” أ.هـ .