غالباً ما نواجه مواقف تحتاج إلى ردٍّ مفحم، لكننا لسببٍ أو لآخر نصمت أو نرد بطريقة غير مناسبة تجعلنا محرجين أكثر، وعادةً ما نعيد التفكير بهذه المواقف ونحاول أن نختلق سيناريوهات بديلة “ليتني قلت له كذا” لكن هذه الطريقة لا تنجح أيضاً، والسيناريوهات البديلة تختفي من الذاكرة عندما نواجه موقفاً مشابهاً.
نحاول في هذه المقالة أن نطرح عليكم بعض أهم أساليب الرد على الآخرين وكيفية اتقان فنون الرد المسكت والردود الدبلوماسية، لن تكون هذه النصائح وصفة سحرية لتعلّم المواجهة والرد على الآخرين، لكنها قد تكون بمثابة خطوة أولى لتقوية القدرة على المواجهة والرد.
عادةً ما نلجأ للرد المُسكِت في العلاقات السطحية أو المواقف المحرجة أمام الآخرين، وغالباً ما نحتاج لهذا النوع من الردود عندما نتعرض لاستفزاز شديد ونرغب بوضع حد للشخص المستفز. إليكم بعض النصائح لتعلم فن الرد المسكت على الآخرين بقوة وحزم:
- الهدوء أولاً: القاعدة الأولى من قواعد الرد الذكي والفعال أن تحافظ على أقصى درجة من الهدوء بمواجهة الشخص المستفز أو السلوك والكلام المزعج، يساعدك الهدوء على انتقاء رد مناسب من جهة، كما يعتبر هدوؤك بمواجهة الإساءة بحد ذاته رداً على المسيء، الذي يتوقع منك أن تثور وتتوتر وترتبك.
- التركيز على لغة الجسد: تلعب لغة الجسد دوراً كبيراً في الرد على الآخرين ردّاً مفحماً ومسكتاً، فحتى إن كانت كلماتك قاسية وقوية لكن نظرة عينك ضعيفة ونبرة صوتك خجولة؛ يستقبل الآخرون رسائل لغة الجسد أكثر من الرسائل اللفظية، ويشعرون أنك مرتبك ولا تعني ما تقول، لذلك عليك أن تبدأ الرد بلغة الجسد، من خلال تركيز نظرك مباشرة بعيني الشخص واستخدام نبرة صوت عميقة وهادئة لكنها حازمة وجادّة.
- الرد بقوة وحزم: على الرغم أن السخرية تعتبر من فنون الرد على الآخرين، لكننا نرى أن السخرية تنتمي للردود الدبلوماسية، أما إن كانت العلاقة سطحية أو كانت الإساءة مزعجة وغير مقبولة فالردود القوية والحازمة هي الأنسب. تتضمن الردود القوية والحازمة عنصرين أساسيين:
- العنصر الأول هو الكلمة المفتاحية للرد القوي، والهدف منها وضع العلاقة في إطارها الرسمي الصحيح، عادة ما تكون الكلمة المفتاحية مهذبة بالظاهر لكن نبرة الصوت تمنحها القوة، مثل لو سمحت! أو عفواً! هذه الكلمات بمثابة إعلام عن الانزعاج ليس موجهاً للشخص المستفز فقط وإنما لجميع الموجودين، وكأنك تقرع على الكأس لأن دورك قد حان بالكلام والرد.
- العنصر الثاني وهو الأهم، عنصر الرفض والتهديد، حيث تعبِّر عن رفضك لهذا السلوك وتسامُحِكَ معه لهذه المرة فقط، كالقول “عفواً، لستَ ظريفاً وما قلته للتو غير مقبول، أرجو أن تلزم حدودك“.
- سيطر على الحركة: في كثير من الأحيان نفقد السيطرة على الحركة عندما نتعرض للاستفزاز، جزء أساسي من الرد المسكت أن تسيطر على حركتك، لا تقف ولا تضرب على الطاولة ولا تتحرك بسرعة أو تكثر من الإشارة بيدك، جميع هذه التصرفات تجعل الرد ضعيفاً لأن الشخص المستفز يعتقد أنه نجح باستفزازك، وهذا كل ما يريده. اقرأ أكثر عن التعامل مع الشخصية المستفزة من خلال النقر هنا.
- الرد المسكت بدون كلام: من فنون الرد على الآخرين أن ترد عليهم دون استخدام اللغة، نظرة ازدراء بطرف العين، ثم اشغل نفسك بموضوع آخر وكأن شيئاً لم يكن.
المحتويات
فن الرد المسكت
إننا في العادة تقم باللجوء للرد المُسكِت أمام الآخرين، وذلك في المواقف السطحية أو العلاقات السطحية.
- هذا يجعلنا نكون بحاجة لذلك النوع من الردود حينما نتعرض لاستفزاز شديد ونريد أن نضع حد للشخص المستفز.
- فيما يلي بعض النصائح لتعلم فن الرد المسكت على الأشخاص بقوة وحزم:
- الهدوء
- التركيز على لغة الجسد
- الرد بقوة وحزم
- الرد المسكت بدون كلام
فن الردود الدبلوماسية
يعد الرد بصورة دبلوماسية فن، يكون بحاجة إلى تعلم مهاراته، وكذلك دراسة أشكاله.
- حيث أن العديد من الأشخاص لا يملكون هذه المهارة، وهذا يجعلهم يقوموا بخسارة العديد ممن حولهم بغير أن يدروا.
- كما أن الله سبحانه وتعالى قد قام بجعل الكلمات لها تأثير هائل على مسامع وأيضاً قلوب البشر.
- فينبغي أن يفهم الفرد تأثير هذه الكلمات، ويسعى لأن يكون دومًا طيب اللسان وأيضاً لين الكلمة.
- حيث أن الكلمات الجارحة هي أسهم تقوم بإصابة القلوب.
- فإن تعلم الكبير كيف يقوم باحتواء الصغير ويقول له حسن سوف يكون هناك جيل ناضج وكريم وواع.
- كما أنه إن حافظ صاحب العمل على كلماته نحو العاملين فسوف يحصد أفضل إنتاج فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا طيب وحسنًا.
فن الرد على من أحرجك
توجد الكثير من العلاقات التي يكون فيها الأشخاص غير مفصحون عما بداخلهم من بغض وكره، لكن ذلك الأمر لا يظهر.
- لكن المواقف تقوم بكشف أفعالهم عن طريق الأساليب والنقاش معهم، بجانب تعمدهم على إحراج والتقليل بمن حولهم.
- حيث أنه من الممكن أن تقم بالإجابة على إحراجهم لك بطريقة ذكية وهي كالتالي:
- عليك حينما تتعرض لأمر محرج تقم بأخذ نفس عميق وبعد ذلك تُلقي سؤال على الشخص الذي قام بإحراجك وهو ماذا كان قصده بما قاله وما هي نيته من إحراجك.
- واجهه بالموقف الذي يقوم بالمحاولة في إحراجك فيه لكن لا بد أن تقم بالمحافظة على هدوئك وكذلك ثباتك.
- إن تراجع ذلك الشخص فذلك يكون أمر جيد لك ويكفي أنك قمت بإيقافه وجعلته يقوم بالتراجع عما كان يقوم بفعله معك.
- لكن إن استمر بأحراجه لك فعليك إذاً أن تقم بالرد عليه بشكل أقوى.
- كما عليك أن تُراجعه بشكل مباشر بأنك ليس محباً لما يقوم بفعله، أن تقطع علاقتك به في الحال ولكن مع حفاظك على هدوءك وثقتك بنفسك.
فن الرد لا يأتي إلا بوجود قدر كافٍ من الثقافة اللغوية والعامة، فعبر اللغة يمكن انتقاء الكلمات المناسبة للمواقف والمواضيع المختلفة وقولها في مكانها الصحيح، بينما الثقافة العامة تمكنك من الحديث في كل المواضيع الهامة بتفاصيلها الدقيقة، لذا عليك بالقراءة اليومية في مختلف المجالات، بدءاً من قراءة الصحف ومتابعة أبواب الرأي والتقارير الإخبارية في السياسة والاقتصاد والثقافة. كما ينصح بتعلم لغة جديدة أو التمكن من لغتك الثانية؛ لأن الدراسات تؤكد أن تعلم لغة جديدة يزيد من نسبة الذكاء عند الإنسان وسرعة بديهته.
إنّ الوقوف في موقف المدافع أمام الشخص المسيء سيعطيه مساحة إضافية لاستفزاز الشخص المقابل مرة بعد مرة، مما يعني عدم حاجة الفرد لتبرير موقفه باعتباره متّهماً، وعدم أخذ الموقف بصورة شخصيةواعتباره انتقاداً عاماً لا يمسه على وجه التحديد، حيث يكون ذلك نابعاً من ثبات الشخص الانفعالي وثقته بنفسه، فعندما قيل لبرنارد شو مرّة من قِبل كاتب يحاول استفزازه قال له: إنّك كاتب -برنارد شو- يبحث عن المال، بينما أنا أبحث عن الشرف، فرد عليه برنارد شو بأنّ كل واحد منّا يبحث عما ينقصه، بمعنى أن ما ينقصه هو المال، بينما ما ينقص الكاتب هو الشرف، ولم يتقمص برنارد شو حينها موقف المدافع الخجِل بقوله أنا لا أبحث عن المال، أو أنا ميسور ولا ينقصني شيء، أو ما الذي أوحى لك بهذا؟ وما إلى ذلك من مبررات بل ترفع بنفسه عن هذا كله ورد على مستفزه بطريقة ساخرة منعته من مجارته بعدها.
الاستماع إلى محدثك جيداً والتركيز فيما يقول أهم النقاط التي تساعدك على الرد الصحيح والمباشر، فيجب عدم مقاطعة المتحدث لعدم استفزازه وحتى يشعر أنك مهتم بما يقول، فيكون منصتاً جيداً لك عند دورك في الرد، كما يجب أن تطلب منه إعادة الأجزاء التي لم تفهمها جيداً وهو ما سيضاعف شعوره بالاهتمام، وهذا أول طريق الرد الحاسم. التمهُّل الاندفاع في الحديث قد يجعلك تقول أشياء تندم عليها، لذا حاول أن تتمهل قليلاً وتفكر في كيفية عرض حديثك، وهو ما يضفي تأثيراً على من تحدثه، فلا يشعر بأنك تهاجمه ويصبح ميالاً أكثر للاقتناع برأيك.
مع تعدد الثقافات واختلاطها في المجتمعات أصبحت النقاشات بين الأفراد ساحة للتبارز الفكري والتصادم في بعض الأحيان، كذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الحديثة سهلت أمر النقاش بين فردين أو أكثر مهما بعدت المسافة. كما أصبحت النقاشات تمتد إلى عدة أيام، ويحاول كل الأطراف الانتصار على الآخرين وإثبات وجهة نظرهم، والسلاح الأمثل لتحقيق ذلك هو الردود السريعة والذكية التي تخرج الشخص من الحوار منتصراً لوجهة نظره، وفنون الرد والحوار أصيلة في التراث والثقافة العربية، كما يمكن اكتسابها بسهولة عبر التدريب والتركيز.
- المواجهة المباشرة: حيث يتم استخدام ردود قوية ومباشرة بدون محاولة لتلطيفها أو تقليل حدَّتها، مثل القول: أنت شخص مزعج وما قلته يعتبر قلة تهذيب، وأنت مدين باعتذار الآن.
- التجاهل التام: التجاهل من طرق المواجهة الأكثر فاعلية، ليس التجاهل في اللحظة المزعجة فقط، بل تجاهل الشخص بشكل مستمر، وتعليل هذا التجاهل في حال سأل الشخص “لماذا تتجاهلني؟” عندها سيكون الرد المباشر مشروعاً وفعالاً.
- الأسئلة القوية في الرد: تهدف الأسئلة القوية في الرد إلى تصحيح مسار التخاطب والعلاقة مع الشخص المستفز، مثل سؤاله بشكل مباشر “هل تعتقد أن العلاقة بيننا تسمح لك بالتصرف بهذا الشكل؟” أو القول “هل بدر مني ما جعلك تعتقد أنني سأسمح لك بالتطاول عليّ؟ أنت مخطئ إذا كنت تعتقد ذلك”.
- الهدف من المواجهة: مهما كان الرد يجب علينا إدراك أن المواجهة لا تعني معركة أو تشابكاً بالأيدي، بل تهدف المواجهة إلى تصحيح مسار العلاقة وإعادة رسم الحدود، لذلك يجب أن نتوقف عند الحد الذي يحقق أهداف المواجهة لا أكثر. [1]
فن الرد المهذب والذكي على الآخرين
نلجأ للردود المهذبة والذكية في العلاقات ذات الخصوصية مثل الرد على شخص أكبر سناً أو أعلى رتبة أو الرد على مدير العمل أو غيرها من المواقف التي لا تعمل فيها الردود القوية والنبرة الحازمة كما تعمل الردود المهذبة والذكية، أهم قواعد فن الرد المهذب والذكي: [2,3]
- اختيار المكان المناسب: الهدف من الرد المهذب هو الحفاظ على علاقة جيدة والتعبير عن الانزعاج في نفس الوقت، لذلك سيكون من الحكمة عدم الرد على الملأ أو اختيار مكان مناسب للرد مثل الذهاب إلى مكتب المدير أو دعوة زميل العمل إلى مكتبك.
- اختيار التوقيت المناسب للرد: إذا لم تمتلك موهبة الرد المهذب والسريع بالفطرة فعليك التأكد من ضبط نفسك في لحظة الانزعاج والانفعال، وتأجيل الرد حتى تهدأ لتستطيع اختيار عبارات مهذبة وذكية للرد.
- ابدأ الرد بعبارة إيجابية: يجب أن يبدأ الرد المهذب بعبارة إيجابية تؤكد على حسن النية والرغبة في حل الخلاف أو المشكلة والرد على الإساءة دون أن تكون هناك مواجهة أو صراع.
- اطرح سؤالاً: من فنون الرد المهذب على الآخرين أن تطرح أسئلة تتعلق بما سبب لك الانزعاج، مثل سؤال “أود أن أعرف إن كنت تعني ما تقوله؟” أو سؤال “هل بدر مني شيء سيء جعلك تقول ذلك؟” هذه الأسئلة على الرغم من بساطتها لكنها محرجة للطرف الآخر، وتدفع الأمور نحو نقاش دبلوماسي وبنّاء ومريح للطرفين.
- العتاب: في الحالات التي تفرض علينا طريقة مهذبة في الرد يعتبر العتاب من أهم الوسائل لرد مهذب وذكي ومثمر، ويقوم جوهر العتاب على توضيح توقعاتنا الإيجابية من الشخص المستفز وشعورنا بخيبة الأمل لأنه جرحنا. وغالباً ما نحصل على اعتذار في نهاية المطاف.
فن الرد على مواقع التواصل الاجتماعي
في عصرنا الحالي يشكل التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، ونواجه الكثير من الكلام المسموم والتعليقات المسيئة، التي قد تجعلنا عاجزين عن الرد أحياناً، لكن هناك بعض النصائح للرد على مواقع التواصل الاجتماعي، منها: [4]
- تعديل الاستجابة للإساءة على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال إعادة التفكير بقيمة ما يتم تداوله من كلام وأفكار عبر منصات التواصل الحديثة، والتأكيد أن الكثير من الأشخاص يردون بتلقائية دون تفكير وينسون في اللحظة ذاتها أنهم أساؤوا أو تنمروا، هذه النقاط تساعدنا على تخفيف الانفعال في التعامل مع التعليقات على مواقع التواصل.
- إهمال الردود السلبية: تجاهل الردود والتعليقات السلبية على مواقع التواصل الاجتماعي من أكثر الطرق فعالية في تجنب الضغط والتوتر الذي ينتح عن مواجهة افتراضية غير منطقية وغير ضرورية وغير فعالة.
- إيقاف المتابعة أو الحظر: لا تفكر كثيراً كيف سترد على شخص يستفزك في المرة القادمة، كل ما عليك فعله هو إلغاء المتابعة أو حظره من قائمة الأصدقاء، تذكر أن مواقع التواصل الاجتماعي عالم افتراضي لا يجب أن يتغلب على عالمك الواقعي.
- قلل استخدام مواقع التواصل: يشير الباحثون أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي له نتائج سلبية على الصحة النفسية والمشاعر، وتعتبر المواجهات والمشاحنات في التعليقات أو الرسائل جزءاً من هذا التأثير السلبي، لذلك قد يكون من الحكمة تحديد وقت أقل لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من البحث عن أسلوب لتعزيز المشاحنة والصراع مع الآخرين في فضاء افتراضي.
- وثّق الإهانة والاعتداء: مع صدور قوانين الجرائم الإلكترونية أصبح من الممكن الآن توثيق الإساءات أو الإهانات غير المقبولة والتقدم بشكوى رسمية إلى الجهات المختصة، سيكون ذلك فعالاً أكثر من السجال والدخول في أخذ ورد مع أشخاص لا يعتقدون أن الإهانة والسخرية من الآخرين خطيئة!