المحتويات
تحضير نص وتجلدي للشامتين اولى باك اداب؟
– لقد أضاف الإسلام قيمة نوعية للشعر المعبر عن الذات، فلم يعد أمام الشعراء تلك المجالات العاطفية و الوجدانية المتمثلة خاصة في الغزل و الرثاء و الفخر، بل اتسعت المجالات لتشمل التعبير عن الاقتناع الشخصي والموقف الذاتي من قضايا كبرى مصيرية. كما لون حياتهم بتعاليم الإسلام و أخلاقه، فجاءت أغراض الشعر مطبوعة بطابع المعاني و القيم الإسلامية.
صاحب النص:
أبو ذؤيب الهذلي: أبو ذؤيب الهذلي هو خويلد بن محرث أبو ذؤيب الهذلي نسبة إلى قبيلة هذيل أسلم ليلة وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي منعه من مشاهدته، ومنعه أن يكون أحد صحابته الكرام، علماً أنّه حضر دفنه، ورثاه، وقد كان محسناً في إسلامه، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه ممن أدركوا الجاهلية والإسلام في ذات الوقت، وقد تميّزت حياته بأحداث حافلة، إذ إنّه شارك مع الصحابة والخلفاء في صدر الإسلام بالعديد من المعارك، والفتوحات، والغزوات. وقال البغدادي فيه هو أشعر هذيل من غير مدافعة توفي سنة 648 هـ
نوعية النص ومصدره :
النص عبارة عن قصيدة شعرية نظمت على نظام الشطرين المتناظرين مع وحدة الروي و القافية ، تشغل حيز نصف صفحة، رقنت على خلفية خضراء ، وذيلت بالمصدر الذي اقتطفت منه.المفضليات: للمفضل بن محمد بن يعلي الضبي ت: عبد السلام هارون ومحمد شاكر، بيروت. الطبعة السادسة (ص: 421 ـ 422).
شرح و تحضير نص وتجلدي للشامتين اولى باك اداب؟
– العنوان :
من الناحية التركيبية ،(و تجلدي للشامتين)، الواو بحسب ما قبلها تجلدي مبتدأ و هو مضاف و اللام حرف جر والشامتين اسم مجرور والخبر محذوف تقديره مستمر أو دائم أو بالمرصاد .و من الناحية الدلالية يوحي العنوان إلى صبر الشاعر وتحمله للشامتين وهذا ما سنحاول تلمسه من خلال القصيدة.
– صياغة الفرضية:
انطلاقا من شكل النص وعنوانه و تأمل بعض الأبيات الشعرية ( 1،8،9،) نفترض ان النص قصيدة شعرية من الشعر العربي القديم يعبر فيها الشاعر عن تجربة يصف فيها حالته النفسية جراء فقد أبنائه الخمسة.
الايضاح اللغوي:
– تجلد : الجلد والصلابة والشدة والقوة أي تحملي الشدة .
– الشامتين : الحاقدين الحاسدين الذين يفرحون بمصائبه .
– ريب الدهر : حوادث وصروف ومصائب .
– اتضعضع : اخضع واتذلل واضعف.
– المنية : الموت .
– حداقها : حدقة العين سوادها الأعظم .
– سملت : فقئت والسمل بالشوك او حديدة محماه .
الوحدات الأساسية :
– الوحدة الأولى (من بداية القصيدة إلى البيت الثالث): مواساة الشاعر نفسه بسبب ما أصابه، ومواساة أميمة له من خلال تساؤلها عن حالته.
ـ الوحدة الثانية (من البيت الرابع إلى البيت التاسع): إشارة الشاعر إلى رحيل أبنائه رغم إرادته وتأكيده عل أن الموت قدر محتوم على الانسان.
ـ الوحدة الثالثة (من البيت العاشر إلى البيت الأخير): بيان قوة الشاعر وصبره بسبب حزنه وقرع المصائب له مع ضرورة التحلي بالقناعة.
المضمون العام للقصيدة:
ـ تعكس هذه الوحدات الشعرية التجربة الذاتية للشاعر في علاقتها بالمحبوبة والقبيلة والأعداء والفخر والانتصار..
تلخيص و تحليل و تحضير نص وتجلدي للشامتين اولى باك اداب؟
وظف الشاعر في هذه القصيدة معجما تتداخل فيه معاني التعبير عن حالته النفسية. وقد جاء ذلك على الشكل التالي:
حقل الموت | حقل المعاناة | حقل الصبر |
---|---|---|
المنية، المصرع، فودعوا، المنون، لاحق، أودى، مصرع، مستتبع، الرقاد، تخرموا……….. | تتوجع ، متعب، جسمك شاجبا ، الحوادث، ريب الدهر، غصة، لا تقلع. | تجلدي، لا أتضعضع، تقنع. |
ومن خلال هذا السياق المعجمي نلاحظ بان الشاعر اتسم بالتفوق حيث نجح في بيان فقده لأبنائه بالطاعون وبين حقيقة نفسه من خلال ابراز حقيقة الموت الكبرى من خلال النظر الى عملية الموت لدى الحيوانات، ومن جهة اخرى توافقا هذين الحقلين مع نفسيته المتأزمة التي واجهها بالصبر.
– وظف الشاعر مجموعة من الصور الشعرية لإضفاء الجمالية والرّونق وتقديمٍ المعنى في قالبٍ إبداعي. كالتشبيه كما هو الحال في قوله فالعين كأن حذاقها إذ شبه صورة فقدان أبنائه بالعين وهي فقئت وهي تدمع و وضمن قصيدته تشبيها لبين موقفه من الموت في قوله ، حتى كأني للحوادث مروة…. و مع الموقف التشبيهي وسع الشاعر مجاله التصويري حين عمد إلى التشخيص الذي يزيد صوره وضوحا ودقة أداء، على نحو ما فعل مع المنية التي جعلها ” تلاحقه و تتبعه” فإذا ” أقبلت” و حاول التصدي لها فعجز عن رفضها، و إذا هي ” تنشب أضفارها فإذا بالألوان الاستعارية تكمل لوحاته التشبيهية إلى حيث يريد التصوير.
في قوله: (و إذا المنية أنشبت أظفارها ** ألفيت كل تميمـة لا تنفع)
وهذا يدل على أن الشاعر يعتني بالتصوير عناية شديدة، ويشحن الصور بأكبر طاقة تعبيرية ممكنة، معتمدا على الحواس في تشكيل
نظم الشاعر قصيدته على بحر الكامل الذي انسجم مع غرض الرثاء وقد وفق في اختياره ذلك ان هذا النسق العروضي يتلاءم مع حالته النفسية التي اصبح يعيشها وما خلفته له من اثار سلبية. والملاحظ ان العروض والضرب صحيحان ،وحشو العجز قد وقع فيه اضمار (تسكين الثاني المتحرك).القافية : فهي في البيت الاول : يجزعو (/0//0) الروي: العين (مضموم) يدل على طول المعاناة.
كما التزم بظاهرة التصريع وذلك في مطلع القصيدة (تتوجع ، يجزع)،الذي له وظيفة جمالية ،ايقاعية .
الإيقاع الداخلي: اما فيما يخص الايقاع الداخلي الذي من الملاحظ ان ابو ذؤيب الهذلي كثف من استعماله ويبدو هذا من خلال اساليب عدة منها:
– التكرار: امن لمنون وريبها تتوجع، الدهر، النفس، المنية، العيش، البكاء، الجسم، الدمع، المفجع، يفزع، رمى…
– الجناس: (ادافع ،تدفع)، (البكاء، بالبكاء)، (راغبة، رغبتها)، (فجع، لمفجع)، (حينا،حينا)، (قرع،يقرع)، (جشء، اجش)، (جنبه، جنب)، (فصرعنه، مصرع)…
– الطباق: (ملتئم، متصدع)، (راغبة، تقنع)، (هارب، بارك)، (يعود، راح)، (يعدو، رجعه)، (المجد، البلاء)…
– الترادف: والذي حضر في هذه القصيدة بقوة :جميع/ ملتئم ،نكرت /نفرت، افزع /مروع…
والظاهر أن الشاعر قد استغرق في هذه المحسنات بنمط من الموازنات، من تغليب بعض الصوامت كالعين التي تومئ بالحالة المأساوية التي يعيشها الشاعر بعد فقده أبنائه الخمسة، وكما تتجسد هذه الصورة أكثر في صائت الضمة الذي ينم عن استمرار المعاناة. والتوازي الذي يبدو جليا في العديد من الأبيات .
نسجل في القصيدة هيمنة الزمن الماضي، حتى إن كثيرا من الأفعال المصوغة على شاكلة المضارع تتجرد من زمنيتها الدالة على الحال والاستقبال، لتنخرط مع بقية الافعال في مساقها الدلالي المشدود نحو الماضي، وقد استعان الشاعر بكثير من أفعال الماضي ليحكي وقائع التجربة المريرة كما عاشها وكم راح يبثها ـ من حين لآخر ـ بعضا من الحكم العام التي استخلصها ، فمن ترديده للأحداث في ” أودى بني ، ودعوا ، أعقبوني غصة ، سبقوا هوي ، تخرموا ” يستخلص ـ على المستوى الفردي ـ أن الدور ينتظره فيرى نفسه” لاحق ، مستتبع ” ، كما يستخلص ـ على المستوى العام ـ أن المنية لا تدفع .
يهيمن على النص الأسلوب الخبري ، لأنه يحتمل الصدق أو الكذب، واستعمله الشاعر للإخبار عن معاناته التي يحكيها للمتلقي، و يهيمن على النص ضمير المتكلم و ضمير الغائب يدل الأول على الشاعر و يدل الثاني على الأبناء وهذا مناسب لظروف النص ف (الأنا) يتوجع بسبب الآخر (هم)، للجمع بين الأبيات لتحقيق الوحدة الموضوعية استعمل الشاعر العطف بالواو والفاء اللذان يفيدان الترتيب و الموالاة و السرعة. كما استعمل أسلوب الاستفهام الإنكاري الذي يدل على العلم بالسبب (شحوب الأب لفقد أبناءه)، كما يدل على المواساة.
حاولت القصيدة تتبع معاناة الشاعر الذاتية، وهذا ينسجم مضمونا مع تجربة التعبير عن الذات في الشعر العربي القديم. تعتبر القصيدة التي بين أيدينا نموذجا للتغيير الذي أحدثه الإسلام في الشعر العربي ، خاصة على مستوى التجربة الذاتية ، فأبو ذؤيب الهذلي يصارع الموت و يواجهه بصبر و تجلد لأن الموت كأس سيشرب منها كل إنسان، و قد صب معاناته في قالب فني موظف معجما يتضمن حقولا أساسية في تجربة الذات وعلاقتها بمعاني الموت والتفجع. أما الصورة الشعرية فهي أيضا تساهم في تعزيز استجابة القصيدة للشعر العربي الإسلامي القديم. أضف إلى ذلك الأساليب الخبرية والضمائر، ناهيك عن إيقاع موسيقي قديم تمثل في وزن الكامل، ثم توحيد القافية والروي. أما الإيقاع الداخلي فقد جاء منسجما مع طبيعة الموضوع بفضل ظواهر لغوية كالتكرار والتوازي.. وبذلك يكون “أبو ذؤيب الهذلي ” قد مثل الشعر العربي الإسلامي القديم.