البُحْتُري (204 هجري – 280 هجري)؛ واسمه أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، أحد أشهر الشعراء العرب في العصر العباسي.
يقال لشعره سلاسل الذهب، وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشهر أبناء عصرهم، المتنبي وأبو تمام والبحتري، قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري.
ولد في منبج إلى الشمال الشرقي من حلب في سوريا. ظهرت موهبته الشعرية منذ صغره. انتقل إلى حمص ليعرض شعره على أبي تمام، الذي وجهه وأرشده إلى ما يجب أن يتبعه في شعره. كان شاعرًا في بلاط الخلفاء: المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز بن المتوكل، كما كانت له صلات وثيقة مع وزراء في الدولة العباسية وغيرهم من الولاة والأمراء وقادة الجيوش. بقي على صلة وثيقة بمنبج وظل يزورها حتى وفاته. خلف ديوانًا ضخمًا، أكثر ما فيه في المديح وأقله في الرثاء والهجاء. وله أيضًا قصائد في الفخر والعتاب والاعتذار والحكمة والوصف والغزل. كان مصورًا بارعًا، ومن أشهر قصائده تلك التي يصف فيها إيوان كسرى والربيع. حكى عنه: القاضي المحاملي، والصولي، وأبو الميمون راشد، وعبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي. وعاش سبع وسبعين سنة. ونظمه في أعلى الذروة.
وقد اجتمع بأبي تمام، وأراه شعره، فأعجب به، وقال: أنت أمير الشعر بعدي. قال: فسررت بقوله. وقال المبرد: أنشدنا شاعر دهره، ونسيج وحده، أبو عبادة البحتري. وقيل: كان في صباه يمدح أصحاب البصل والبقل. وقيل: أنشد أبا تمام قصيدة له، فقال: نعيت إلي نفسي
ومعنى كلمة البحتري في اللغة العربية: قصير القامة.
المحتويات
صفات البحتري ما هي الصفات التي تميز بها البحتري؟
إنّ البحتري كان موضع جدل لكثير من الناس بسبب شخصيته، ومن الأسئلة الشائعة عنه: لماذا سمي البحتري بهذا الاسم؟ والجواب عن هذا السؤال متعدد، فالبعض يرى أنه للدلالة على قصر قامته، وهو رأي ضعيف، والأغلبية تتجه إلى أنه نسب لقبيلته التي ينتمي إليها، ولكن لا يوجد ما يحدد بوضوح السبب الحقيقي لهذه التسمية، ومما يجد ذكره أنّ البحتري كان ذا فضل وفصاحة في الشعر ولكن صفاته الخارجية لا تتوافق مع صنعته الشعرية.
فقد كان أبخل الناس وأوسخهم ثوبًا، إضافة إلى أنه كان يفتخر بشعره، حتى ورد عنه أنه عندما كان ينظم شعرًا كان يقول لنفسه: أحسنتَ والله، وكان ينظر للسامعين ويستغرب منهم إذا لم يمدحوه ويثنوا على ما قاله من شعر، وكان يتّسم بالجشع وتبعيته للخلفاء، يفعل ما يحبه الخليفة ولا يحافظ على مبادئه، حتى ضاع عمره بين جشعه وجشع الولاة ومدحه لهم
حياة الشاعر البحتري
كيف عاش البحتري حياته ووصل إلى مكانته التي يتحلى بها؟ عاش الشاعر البحتري ثمانين عامًا قضى معظمها مسافرًا متنقلًا بين الأمصار، يخطب ود الخلفاء ويرجو رضاهم وعطاياهم، فقد كان يسهر ليله ينمّق الشعر وينظمه في مدح الخلفاء والولاة، ليقدمه لهم في قصورهم وينال العطايا الجزيلة على مدائحه، ولم يترك محفلًا ولا ومكانًا تُعرض فيه الأشعار إلا وقدم فيه شعره، وكان لا يعرف الكلل أو الملل أو اليأس، وقد كانت بداياته في تعلُّم نظم الشعر مع أبي تمام، عندما عرض عليه شعره فأُعجب به وصار يهتم به.
بعد أن كان البحتري شاعرًا يمتدح باعة البصل والباذنجان في منبج، صار شاعرًا صاحب صنعة وشهرة وصيت ذائع بين الناس، إضافة إلى أنّه تحوّل من الفتى الفقير إلى واحد من أكبر أثرياء عصره، فقد كان البحتري محبًا للمال كثيرًا، حتى أنّ هذا الحب أتعبه وأشقاه وهو يبحث عن مجالس الأمراء، وقصور الخلفاء التي يقدّم فيها شعره، وينال عليها الجوائز الوفيرة، وهكذا كانت حياته ما بين نظم شعر، وبحث عن السلاطين والخلفاء
خصائص شعر البحتري ما هي المميزات والسمات التي يُوصف بها شعر البحتري؟
ن الحديث عن خصائص شعر البحتري وسماته لا يكتمل إذا لم تُذكر السمة الملاصقة لشعره، ألا وهي سلاسل الذهب، ومن أبرز خصائص شعر البحتري:
الدقة في الوصف: إنّ الوصف عند البحتري تميّز بالدقة والوضوح، فقد كان يستلهم من مشاهداته وتنقلاته، ويعيد صياغة ما رآه شعرًا بديعًا، بأسلوبه المميز ولغته الرشيقة وتعابيره المنمقة، فيجعل السامع يشعر وكأنه يرى المشهد أمامه حقيقةً. قوة الإحساس: تميّز البحتري في شعره بإحساس قوي مميز، وهذا ما ساعده في التعبير عن كل ما يريده، ومدح الخلفاء بأكثر ما يحبونه، وهذا الإحساس القوي هو الذي ساعده على معرفة أهواء كل خليفة وميوله واستغلالها في مدحها وتصويرها بأبهى حلة. رشاقة اللفظ: ممّا جعل أشعار البحتري مرغوبة ومطلوبة في كل محفل وكل مقام هو اللفظ الرشيق السهل، فقد كان ينتقي ألفاظه بعناية، ويجعلها ذات وقع لطيف على السمع، سهل في اللفظ يتناسب مع طبيعة الخلفاء في العصر العباسي وما فيه من ترف ونعم. حلاوة الجرس: كان البحتري يهتم اهتمامًا بالغًا بالجرس الموسيقي لقصائده، فلم يهتم فقط بالموسيقى الخارجية، بل أولى اهتمامًا للموسيقى الداخلية في القصيدة، منوعًا بين الصور البلاغية والمحسنات اللفظية والمعنوية التي تُغني الإيقاع وتلفت الأنظار. لقراءة المزيد، انظر هنا: خصائص شعر البحتري. الأغراض الشعرية في شعر البحتري ما هي الموضوعات الشعرية التي اهتم بها البحتري؟ مع أن البحتري كان يهتم برضا الخلفاء وتقديم أفضل الشعر بين أيديهم، إلا أن هذا لا يعني أنّه اقتصر في شعره على المدح، بل على العكس تنوعت أغراض البحتري الشعرية:
المدح: هو أكثر شعر البحتري، وذلك لأنه يخدم مصالحه وأهواءه وحبه المُبالَغ فيه للمال، وهو يعرف أنه لن يحصل على المال إلا بمدح الخلفاء، ولذلك أكثر من هذا المدح، حتى كان الغرض الذي احتل المرتبة الأولى في شعره. الرثاء: ورد عن البحتري بعض القصائد في الرثاء، وكانت مراثيه في معظمها لمن مدحهم من قبل، واعتبر ذلك من باب الوفاء لهم، إضافة إلى مرثيته لابنه والتي نالت شهرة كبيرة، وقد ذكر الأصفهاني أنّ أجود مراثي البحتري مرثيته في محمد بن يوسف الثغري. الهجاء: للبحتري شعر قليل مذكور في ديوانه، إلا أنّ الأخبار عن البحتري تؤكد أنه نظم كثيرًا من الهجاء، لكنه طلب من ابنه قبل موته أن يحرق أشعار الهجاء التي كتبها، ولم يتبقّ منها إلا ما ورد في ديوانه. الغزل: غزل البحتري توزع بين مقدمات لقصائده المدحية، وغزل في بعض المقطعات القصيرة، وهي يسيرة قليلة، وكان بعضها غزلًا بغلامه نسيم، واتّسمت برقة ألفاظها، ولا سيما تلك التي في طيف الخيال الذي شغف البحتري فيه. الوصف: من الأغراض التي أبدع فيها البحتري أيّما إبداع، فقد سار على هدي أبي تمام في هذا الغرض، وكان قد اتّسم بابتعاده عن التكلف والصنعة واسترساله في الوصف، فقد وصف الطبيعة ومعارك العباسيين والأنهار والربيع، وكانت أغلب أوصافه تكون مضمنة في قصائد المدح. مؤلفات البحتري إنّ البحتري نال الشهرة الكبيرة بسبب أشعاره التي نظمها، وطريقته المميزة في نظم الشعر وتنميقه، إلا أن هذا لا يعني أنّه لم يترك آثارًا أدبية تحفظ ذكره واسمه، فكان للبحتري أكثر من كتاب يحفظ اسمه ومكانته الأدبية والشعرية إلى يوم الناس هذا، وأول مؤلفاته هو ديوان البحتري والذي جمعه أبو بكر الصولي ورتبه وفق حروف الهجاء.
من الكتب التي تركها البحتري كتاب اسمه حماسة البحتري، وقد جعله على غرار كتاب لأبي تمام اسمه الحماسة أيضًا، وقصد فيه أن يعارض أبي تمام في كتابه، وجمع في الكتاب مختارات من أشعار العرب تشمل جل المعاني الشعرية في أشعار المتقدمين، وجعل الكتاب في 174 بابًا، وقسمه حسب المعاني الشعرية، وفي كل معنًى ذكر شواهد شعرية لشعراء عدة، وله كتاب ثالث اسمه معاني الشعر، ولم يصل منه سوى اسمه.[