من هم المغضوب عليهم
تفسير الشيخ الشعراوي :
وقوله تعالى : {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم}.. أي غير الذين غضبت عليهم يا رب من الذين عصوا. ومنعت عنهم هداية الاعانة.. الذين عرفوا المنهج فخالفوه وارتكبوا كل ما حرمه الله فاستحقوا غضبه.
ومعنى غير {المغضوب عَلَيْهِم} أي يا رب لا تيسر لي الطريق الذي نستحق به غضبك. كما استحقه أولئك الذين غيروا وبدلوا في منهج الله ليأخذوا سلطة زمنية في الحياة الدنيا وليأكلوا أموال الناس بالباطل.
وقد وردت كلمة {المغضوب عَلَيْهِم} في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير وَعَبَدَ الطاغوت أولئك شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السبيل} [المائدة: 60] وهذه الآيات نزلت في بني اسرائيل. وقول الله تعالى: (ولا الضالين) هناك الضال والْمُضِل.. الضال هو الذي ضل الطريق فاتخذ منهجا غير منهج الله.. ومشى في الضلالة بعيدا عن الهدى وعن دين الله.. ويقال ضل الطريق أي مشي فيه وهو لا يعرف السبيل الى ما يريد أن يصل إليه.. أي أنه تاه في الدنيا فأصبح وليا للشيطان وابتعد عن طريق الله المستقيم.. هذا هو الضال.. ولكن المضل هو من لم يكتف بأنه ابتعد عن منهج الله وسار في الحياة على غير هدى.. بل يحاول أن يأخذ غيره الى الضلالة.. يغري الناس بالكفر وعدم اتباع المنهج والبعد عن طريق الله.. وكل واحد من العاصين يأتي يوم القيامة يحمل ذنوبه.. الا المضل فانه يحمل ذنوبه وذنوب من اضلهم. مصداقا لقوله سبحانه: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25] أي أنك وأنت تقرأ الفاتحة.. فأنك تستعيذ بالله أن تكون من الذين ضلوا.. ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يأتِ هنا بالمضلين. نقول انك لكي تكون مضلا لابد أن تكون ضالا أولا.. فالاستعاذة من الضلال هنا تشمل الاثنين. لأنك مادمت قد استعذت من أن تكون ضالا فلن تكون مضلا أبداً.
من هم المغضوب عليهم ومن هم الضالين
إنَّ المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى، وقد ورد ذكرهم في سورة الفاتحة في قوله تعالى: “صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ”، وقد أجمع أهل العلم على هذا التفسير ويمكن التأكيد على صحة هذا المقصد من خلال آيات قرآنية أخرى:
- المغضوب عليهم: هم اليهود، وقد ورد ذكرهم أيضًا في قوله تعالى: “فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ“، والمقصود في الآية الكريمة السابقة هم اليهود، وبذلك تأكيد على أن المغضوب عليهم في سورة الفاتحة هم اليهود.
- الضالين: وهم النصارى، وقد ورد ذكرهم أيضًا في قوله تعالى: “قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا”، وقد ذكرهم الله تعالى في سورة المائدة على أنّهم الضالين وبذلك تأكيد على أن الضالين في سورة الفاتحة هم النصارى.
ومن الجدير بالذكر أنَّ اليهود هم أسوء حالًا وأشد ظلمًا من النصارى، وهم أشد الناس عداوةً للمسلمين، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا“، وكذلك فإنَّ اليهود أكثر خُبثًا وأشدُّ كفرًا وعنادًا، وقد كفروا بنبيين من أنبياء الله تعالى وهم عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، أمّا النصارى فقد كفروا بنبي واحد وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم