ماذا يقال في جبر الخواطر؟
آيات قرآنية عن جبر القلوب
جبر القلوب هو سر سعادة البشرية وإن كان مبدأً رئيسيًا في مختلف تعاملاتنا اليومية لما كان في العالم قلب واحد يحمل داخله غل أو حقد أو كراهية، فبالرغم من بساطة الأفعال المرتبطة به إلا أن أثره عميق على النفوس فمجرد ابتسامة صغيرة كفيلة بإدخال السرور على قلب حزين، وكلمة طيبة صادقة كافية لإسعاد قلب مكسور.
قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾، فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف عليه السلام ولجبر خاطره؛ لأنه ظُلِم وأُوذِي من أخوته، والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر؛ لذلك شرَع لنا جبرَ الخواطر المنكسرة.
ومثله قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾، فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحبَّ مكةَ التي وُلِد فيها ونشأ، أُخْرِجَ منها ظُلْمًا، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفِراق الأليم – إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآنًا مؤكَّدًا بقسمٍ أن الذي فرض عليك القرآن، وأرسَلك رسولًا، وأمرَك بتبليغ شرعه، سيردُّك إلى موطنك مكة عزيزًا منتصرًا، وهذا ما حصَل.
عند مشاهدة بعض الفقراء أو اليتامى شيء من قسمة الميراث فمن الأفضل أن يخصص لهم من المال شيئا يجبر خاطرهم ويسد حاجتهم حتى لا يبقى في نفوسهم شيء، قال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}.
وفي قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} أجمل تطييب للقلوب وأرقى صورة للتعامل قال ابن قدامه -رحمه الله-: “وكان من توجيهات ربنا -سبحانه وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم، فكما كنت يتيماً يا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بل: طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك، فنهى الله عن نهر السائل وتقريعه، بل: أمر بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل النهر مع ذل السؤال”.
ومن أعظم الأمثلة التي تدل على مكانة جبر الخاطر في الإسلام هي قصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الأعمى التي ودر ذكرها في سورة عبس في قوله تعالى :”عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى”.
فانزل الله سبحانه وتعالى هذه الآيات معاتبةً لنبيه الكريم لإعراضه عن الأعمى الذي جاء يسأله في أمور الدين وهو جالس مع كبار كفار قريش يحاول هدايتهم، فكان الأعمى يلح في سؤال رسول الله دون أن يعلم انشغاله عنه بآخرين وقد ظهر على وجه النبي الكريم العبوس كما جاء في القرآن الكريم، لتنزل هذه الآيات كمعاتبة للنبي لإعراضه عن الأعمى وجبر لهذا الرجل الذي حرم من نعم البصر، وما أنزل المولى عز وجل هذه الآيات إلا موعظةً وعبرةً للعالمين.