المحتويات
ما قطعتم من لينة
بث بنو النضير شبهة أن الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه خربوا الديار وقطعوا بعض النخيل وزعموا أن هذا من الفساد, ولم ينظروا إلى خيانتهم ولم يدركوا أن ما حدث إنما هو بأمر الله الذي باعوا دينه وحرفوه وكفروا برسوله وغدروا به وادعوا على الله من دعايات النقص والفساد ما الله به العليم فهم من قالوا : يد الله مغلولة. فبين الله تعالى أن الغزوة ما كانت إلا بامر الله وأن الجيش المسلم لم يتحرك إلا بأمر الله ولم يقطع شيئاً إلا بإذنه فهم جند الله ليخزي الله على أيديهم من كفروا به وغدروا برسوله صلى الله عليه وسلم. وما أنعم الله على رسوله به من الفيء الذي عاد على المسلمين بالخير إنما هو عطاء الله يودعه من يشاء من عباده والرسول مبلغ عن ربه منفذ لأوامره. وفي هذا تذكرة للمؤمنين بنعمة الله التي حصلوها دون تعب ولا قتال فالله تعالى قذف في قلوب اليهود الرعب فصالحوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الجلاء خوفاً من الهلكة المحققة, والله تعالى يسلط رسله وجنده على من يشاء , والله على كل شيء قدير. قال تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5) وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(6)} [الحشر]
تفسير ما قطعتم من لينة
القول في تأويل قوله تعالى : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
يقول تعالى ذكره: ما قطعتم من ألوان النخل، أو تركتموها قائمة على أصولها.
اختلف أهل التأويل في معنى اللينة، فقال بعضهم: هي جميع أنواع النخل سوى العجوة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أَبي هند، عن عكرِمة: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخلة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا ) قال: اللينة: ما دون العجوة من النخل.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: اللينة ما خالف العجوة من التمر.
وحدثنا به مرة أخرى فقال: من النخل.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخل كله ما خلا العجوة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ )، واللينة: ما خلا العجوة من النخل.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ): ألوان النخل كلها إلا العجوة.
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أَبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخلة دون العجوة.
وقال آخرون: النخل كله لينة، العجوة منه وغير العجوة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخلة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: نخلة. قال: نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل، وقالوا: إنما هي مغانم المسلمين، ونـزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإثم، وإنما قطعه وتركه بإذنه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن أَبي بكير، قال: ثنا شريك، عن أَبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: النخلة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: اللينة: النخلة؛ عجوة كانت أو غيرها، قال الله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: الذي قطعوا من نخل النضير حين غدرت النضير.
وقال آخرون: هي لون من النخل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أَبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أَبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) قال: اللينة: لون من النخل.
وقال، آخرون: هي كرام النخل.
ما قطعتم من لينة تفسير السعدي
قال السعدي في تفسيره: لما لام بنو النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين في قطع النخيل والأشجار، وزعموا أن ذلك من الفساد، وتوصلوا بذلك إلى الطعن بالمسلمين، أخبر تعالى أن قطع النخيل إن قطعوه أو إبقاءهم إياه إن أبقوه، إنه بإذنه تعالى، وأمره { {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} } حيث سلطكم على قطع نخلهم، وتحريقها، ليكون ذلك نكالا لهم، وخزيا في الدنيا، وذلا يعرف به عجزهم التام، الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم، الذي هو مادة قوتهم. واللينة: اسم يشمل سائر النخيل على أصح الاحتمالات وأولاها، فهذه حال بني النضير، وكيف عاقبهم الله في الدنيا. ثم ذكر من انتقلت إليه أموالهم وأمتعتهم، فقال: { {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} } أي: من أهل هذه القرية، وهم بنو النضير. { فـ } إنكم يا معشر المسلمين { {ما أَوْجَفْتُمْ} } أي: ما أجلبتم وأسرعتم وحشدتم، { {عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} } أي: لم تتعبوا بتحصيلها، لا بأنفسكم ولا بمواشيكم، بل قذف الله في قلوبهم الرعب، فأتتكم صفوا عفوا، ولهذا. قال: { {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } } من تمام قدرته أنه لا يمتنع منه ممتنع، ولا يتعزز من دونه قوي. وتعريف الفيء في اصطلاح الفقهاء: هو ما أخذ من مال الكفار بحق، من غير قتال، كهذا المال الذي فروا وتركوه خوفا من المسلمين، وسمي فيئا، لأنه رجع من الكفار الذين هم غير مستحقين له، إلى المسلمين الذين لهم الحق الأوفر فيه.