المحتويات
متى كانت غزوة بني النضير
غزوة بني النضير حدثت في السنة الرابعة للهجرة في ربيع الأول في منازل بني النضير جنوب المدينة المنورة بين قوات المسلمين في المدينة ويهود بني النضير الذين بلغ عددهم 1500. أتت هذه الغزوة بعد محاولة يهود بني النضير محاولة اغتيال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إذ جائهم طالباً مساعدتهم في دية قتيلين. بعد ذلك عاد إلى المدينة وأرسل إليهم طالباً منهم الخروج من المدينة، فتحصنوا وحاصرهم عدة ليالي وبعد الحصار طلبوا إجلائهم عن المدينة فوافق الرسول محمد ﷺ شرط أن يأخذوا فقط ما تحمله الإبل من دون السلاح.
سبب الغزوة
بعد ما وقع للمسلمين في غزوة أحد تجرأ اليهود على المسلمين، وبدوْا يكاشفونهم بالغدر والعداوة، ويتصلون بالمشركين والمنافقين ويعملون لصالحهم ضد المسلمين، و محمد ﷺ صابرٌ متحملٌ لأذاهم وجرأتهم، وخاصة بعد وقعة الرجيع ومأساة بئر معونة التي قُتل فيها سبعون رجلاً من أفاضل الصحابة في كمين غادر للمشركين وحلفائهم اليهود، وقد تألم النبي ﷺ لهذه المأساة التي قُتل فيها سبعون من أصحابه تألمًا شديدًا.
وفي يوم من الأيام خلا اليهود بعضهم إلى بعض وسوَّل لهم الشيطان أعمالهم، فتآمروا على قتل الرسول ﷺ، وقالوا: «“أيكم يأخذ هذه الرحى فيصعد بها فيلقيها على رأس محمد فيشدخ بها رأسه؟ فقال أشقاهم عمرو بن جحاش: أنا. فقال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا، فوالله ليُخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه”».
ولكنهم أصروا وعزموا على تنفيذ هذه الخطة الخبيثة، فلما جلس النبي ﷺ إلى جنب جدار بيت من بيوتهم وجلس معه أبو بكر وعمر وعلي وطائفة من أصحابه، صعد المجرم على سطح المنزل لينفذ فعلته المشئومة، ولكنّ الله -سبحانه وتعالى- أرسل جبريل إلى رسول الله ﷺ ليُعلِمه بما همُّوا به، فأخبره جبريل، فنهض النبي ﷺ مسرعًا وتوجَّه إلى المدينة، فلحقه أصحابه فقالوا: نهضت ولم نشعر بك. فأخبرهم بما همَّ به اليهود.
وما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعث محمد بن مسلمة إلى يهود بني النضير يقول لهم: «“اخرجوا من المدينة ولا تساكنوني بها، وقد أجلتكم عشرًا، فمن وجدته بعد ذلك منكم ضربت عنقه”». فلم يجد اليهود مناصًا من الخروج، فأقاموا أيامًا يتجهزون للرحيل والخروج من المدينة، غير أن رئيس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول بعث إليهم أن اثبتوا وتمنَّعوا ولا تخرجوا من دياركم؛ فإنَّ معي ألفي رجل يدخلون معكم حصونكم، يدافعون عنكم ويموتون دونكم. فأنزل الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .
وهناك عادت لليهود ثقتهم، وطمع رئيسهم حيي بن أخطب فيما قاله رئيس المنافقين، فبعثوا إلى محمد ﷺ يقولون له: «إنّا لن نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك».
متى وقعت غزوة بني النضير، وأين؟
ربيع الأول سنة ٤ هــ، أغسطس ٦٢٥ م ، وقد وقعت بمنازل يهود بني النضير جنوبي المدينة المنورة.
من قائد غزوة بني النضير، ومن حمل اللواء؟
قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل لواءها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وفي المقابل كان حيي بن أخطب سيد بني النضير المتحصنين ضد المسلمين، وهو والد صفية أم المؤمنين رضي الله عنها.
أسباب غزوة بني النضير
ردًا على مكيدة يهود بني النضير بالمدينة؛ حين نقضوا عهدهم مع المسلمين، وتآمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما كان وأصحابه يجلس بينهم للاتفاق على أداء دية رجلين قتلهما صحابي ظنًا أنهما من الأعداء بعد سرية بئر معونة.
أحداث غزوة بني النضير
كان يهود بني النضير قد كاشفوا المسلمين بعدائهم، بعد غزوة أُحد وما تبعها من وقائع مؤلمة للغدر بالصحابة رضي الله عنهم، وقتلهم بأيد مشركة، كما جرى بسريتي بئر معونة والرجيع.
وكان بنو النضير معروفين بحصونهم المنيعة جنوبي المدينة، وكانوا ذوا بأس، ولكنهم فضلوا الدسيسة وافتعال الضرر بالمسلمين على قتالهم وجهًا لوجه، خاصة وقد كانوا خائفين من تكرار وقعة بني قينقاع حيث تم طرد اليهود ثم قتل الحبر كعب بن الأشرف، ولهذا فضل بنو النضير التواصل مع رؤوس الشرك في مكة، وتناسوا مواثيقهم وعهودهم مع المسلمين.
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم في نفر من أصحابه، وكلمهم أن يعينوه في دية رجلين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، وقد كانت المعاهدة تقتضي بدفعهم الدية لمن يُقتل، وبالفعل تظاهر اليهود بموافقتهم تدبير الدية، وأجلسوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبينهم أبوبكر وعلي وعمر، إلى جنب جدار من بيوتهم ينتظرون وفاءهم مما وعدوا، فلما خلوا لبعضهم، تآمروا على إلقاء حجر ضخم من أعلى البيت لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تصدى للمؤامرة عمرو بن جحاش، أحد رؤوس اليهود من بني قريظة المعروفين بعدائهم الصريح للمسلمين، ولم يستمع لنصح سلام بن مشكم بالامتناع، حين قال لهم : لا تفعلوا، فو الله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.
معجزة إنقاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبينما صعد اليهودي التعس، لإلقاء الحجر، نزل ملك الوحي جبريل عليه السلام، من عند رب العالمين على رسوله صلى الله عليه وسلم يعلمه بما هموا به، فنهض مسرعا، وتوجه إلى المدينة، ولحقه أصحابه فقالوا : نهضت ولم نشعر بك، فأخبرهم بما همت به يهود.
وبعد علمه بخيانتهم، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصحابي محمد بن مسلمة إلى بني النضير، يأمرهم بالخروج من المدينة، ويمهلهم عشرة أيام لجمع أمتعتهم، فمن وجد بعدها بالمدينة «ضربت عنقه»، وبينما كان اليهود مذعنين يتجهزون للرحيل، إذا برأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول يسول لهم البقاء بحجة أن معه ألفين يدخلون معهم حصنكم، فيموتون دونهم، وفي كلامه نزل قول الله عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الحشر: ١١]
وقد وعدهم ابن سلول بنصرة بني قريظة وحلفائهم من غطفان.
وقد طمع رئيس اليهود من بني النضير ويدعى حُيَي بن أخطب بالبقاء بعد وعود ابن سلول، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك.
حصار النبي ليهود بني النضير
ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بعزم اليهود على التصدي، أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير وكبَّر المسلمون لتكبيره وقال: «حاربت يهود» وتجهز للقائهم، واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وسار إليهم، وعلي بن أبي طالب يحمل اللواء، فلما انتهى إليهم فرض عليهم الحصار، وقد اختلفت الروايات ما بين ست إلى ١٥ يومًا، والتجأ بنو النضير إلى حصونهم، فأقامواا عليها يرمون بالنبل والحجارة، وكانت نخيلهم وبساتينهم عونًا لهم في ذلك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها وتحريقها، وفي ذلك يقول حسان: وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
وهو اسم لنخل بني النضير، وفي ذلك أنزل الله قوله:(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) [الحشر: ٥]
يعني أن قطع حدائق الأعداء جائز لحماية المسلمين بزمن الحرب، ولا يعد ذلك فسادًا بالأرض.
ولما رأى حلفاء بني النضير ما كان من بأس المسلمين، تخلوا عن إخوانهم، فاعتزلتهم بنو قريظة وغطفان، وانسحب ابن سلول من وعوده، فشبههم الحق سبحانه وتعالى بالشيطان حين تخلى عن الإنسان يوم الدين بعد أن ظل يغويه، يقول الحق سبحانه وتعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [الحشر: ١٦]
كان المشهد واضحًا، فقد قذف الله في قلوب اليهود الرعب، فاندحروا وتهيأوا للاستسلام ولإلقاء السلاح، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: نحن نخرج عن المدينة، فوافقهم على أن يخرجوا عنها بنفوسهم، وأن لهم ما حملت الإبل إلا السلاح، فراحوا يخربون بيوتهم بأيديهم، ليحملوا الأبواب والشبابيك، بل حتى حمل بعضهم الأوتاد وجذوع السقف، وتحملوا على ستمائة بعير.
إجلاء النبي صلى الله عليه وسلم ليهود بني النضير
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ” حَارَبَتِ النَّضِيرُ، وَقُرَيْظَةُ، فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ، وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى يَهُودَ المَدِينَةِ كُلَّهُمْ: بَنِي قَيْنُقَاعٍ، وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِ المَدِينَةِ “
نتائج غزوة بني النضير
انتصار المسلمين، ونجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكيدة قتله بمعجزة السماء
رحيل أكثر وأكابر بني النضير عن المدينة، كحيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وقد رحلا إلى خيبر، وذهبت طائفة منهم إلى الشام
أسلم من اليهود رجلان فقط يامين بن عمرو وأبو سعد بن وهب
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاح بني النضير، واستولى على أرضهم وديارهم وأموالهم، فوجد من السلاح خمسين درعًا، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفًا، وكانت أموالًا خالصة أفاءها الله على نبيه، فقسمها بين المهاجرين الأولين خاصة، إلا أنه أعطى أبا دجانة وسهل بن حنيف الأنصاريين لفقرهما، وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح عدة في سبيل الله.
كيف بدت غزوة بني النضير في القرآن؟
أنزل الله سورة الحشر بأكملها لفضح مسالك اليهود والمنافقين، وتحذير المسلمين، والثناء على المهاجرين والأنصار
وقد استهل الحق سبحانه السورة بتلك الآيات المحكمات: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ١ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ٢ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ٣ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ٤ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ٥ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٦) [الحشر : ١ـ ٦]
ما الدرس المستفاد من غزوة بني النضير؟
الله قادر على تبديل الأحوال كيفما يشاء؛ فقد كانت قوة اليهود كبيرة وحصونهم منيعة ولكنهم تركوها خربة بأيديهم؛ لثبات وعزيمة أصحاب الحق من المسلمين في مواجهتهم وقائدهم النبي الشجاع صلى الله عليه وسلم
كما يستفاد وجوب الحذر من غدر الخائنين من اليهود فقد نكثوا العهد ودبروا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المراجع:
“السيرة النبوية” لابن هشام 2/190،”زاد المعاد” لابن القيم 2/110، “صحيح البخاري” 2/574، “فقه السيرة” للغزالي ص214، “الرحيق المختوم” للمباركفوري ص 296، “السيرة الحلبية” فصل غزوة بني النضير، “المغازي” للواقدي