المحتويات
شرح قصيدة لهوى النفوس سريرة لا تعلم؟
قصيدة لهوى النفوس سريرة لا تعلم
ما هي قصة قصيدة لهوى النفوس سريرة لا تعلم
سار أبو الطيب من الرملة يريد أنطاكية ( أبي العشائر ) سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، فنزل بطرابلس في لبنان وبها أبو اسحاق الأعور إبراهيم بن كيغلغ وكان جاهلاً وكان يجالسه ثلاثة من بني حيدرة وبين أبي الطيب وبين أبيهم عداوة قديمة فقالوا له ما نحب أن يتجاوزك ولم يمتدحك وإنما يترك مدحك استصغاراً لك. وجعلوا يغرونه به فراسله وسأله أن يمدحه فاحتج أبو الطيب بيمين عليه ألاّ يمدح أحداً إلى مدة. فعاقه عن طريقه ينتظر تلك المدة فأخذ عليه الطرق وضبطها ومات الثلاثة الذين كانوا يغرونه به في مدة أربعين يوماً فقال أبو الطيب يهجوه وهو بأطربلس- قال ولو فارقته قبل قولها لم أقلها أنفة من اللفظ بما فيها- وأملاها على من يثق به. فلما ذاب الثلج وخف عن لبنان خرج كأنه يسيّر فرسه وسار إلى دمشق فأتبعه ابن كيغلغ خيلاً ورجلاً فأعجزهم ولم يلحقوه وظهرت هذه القصيدة لأبي الطيب.
شرح قصيدة لهوى النفوس سريرة لا تعلم؟
يقول المتنبي: سريرة الهوى لا تعرف، ولا يدري من أين تأتي كما قال إن المحبة أمرها عجب، تلقى عليك ومالها سبب، وقوله «عرضاً» أي فجاءة، واعتراضاً عن غير قصد، مثل قول عنترة بن شداد:
علقتها عرضا وأقتل قومها
زعماً لعمر أبيك ليس بمزعم
يقول: نظرت إليها نظرة عن فجأة وخلت اني اسلم من هواها، وقال أبو العلاء المعري في شرح هذا البيت الرائع: قوله عرضاً أي من غير قصد، فللهوى سر لا يعرف لطفه ودقته، ولا يوقف عليه إلا بعد ابتلاء به، ونظرت من غير قصد وما ظننت أن الظن يوقعني في حبائل الهوى، بل قدرت أني أسلم ولا أهلك فخاب الظن الذي ظننته «انتهى».
وعندي أيها السادة أن شرح المعري أعم وأشمل من شرح الواحدي، يقول أبوالطيب المتنبي:
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
عرضاً نظرت وخلت أني أسلم
يا أخت معتنق الفوارس في الوغى
لأخوك ثم أرق منك وأرحم
يرنو إليك مع العفاف وعنده
أن المجوس تصيب فيما تحكم
راعتك رائعة البياض بمفرقي
لو انها الأولى لراع الأسحم
لو كان يمكنني سفرت عن الصبى
فالشيب من قبل الأوان تلثّم
ولقد رأيت الحادثات فلا أرى
يققاً يميت ولا سواداً يعصم
والهمّ يخترم الجسيم نحافة
ويشيب ناصية الصبي ويهرم
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
والناس قد نبذوا الحفاظ فمطلق
ينسى الذي يولى وعاف يندم
لا يخدعنك من عدو دمعه
وارحم شبابك من عدو ترحم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
يؤذي القليل من اللئام بطبعه
من لا يقل كما يقل ويلؤم
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفة فلعلة لا يظلم
يحمي ابن كيغلغ الطريق وعرسه
ما بين رجليها الطريق الأعظم
وقد تركت البيت الأخير حفظاً لأدب الكتابة، يقول المتنبي في قصة هذه الأبيات: سرت من الرملة أريد أنطاكية سنة ست وثلاثين وثلاثمئة فنزلت بطرابلس، وبها إسحاق ابن ابراهيم بن كيغلغ وكان رجلا جاهلا يجالسه ثلاثة من بني حيدرة، بيني وبين أبيهم عداوة قديمة، فقالوا له: ما يحب أن يتجاوزك المتنبي ولم يمتدحك، وإنما يترك مدحك استصغارا لك. وجعلوا يغرونه بي، فراسلني إسحاق وسألني أن أمدحه فاحتججت بيمين علي ألا أمتدح أحداً إلى مدة، فعاقني عن سفري ينتظر انقضاء المدة، وأخذ علي الطرق، ومات أبناء حيدة الذين أغروه بي في مدة أربعين يوماً، فقلت أهجوه وأنا بطرابلس أبياتاً أمليتها على من أثق به. فلما ذاب الثلج وخف عن لبنان خرجت كأني أسير فرسي، وسرت إلى دمشق فاتبعني ابن كيغلغ خيلا ورجالا فأعجزتهم «انتهى ما قاله المتنبي» وابن كيغلغ هذا شاعر من شعراء الدولة العباسية، قال الباخزري في حقه: في الطبقة من أبناء عصره وفي الدرجة من أفراد دهره وهو القائل:
لسكر الهوى أروى لعظمي ومفصلي
إذا سكر الندمان من لذة الخمر
وأحسن من قرع المثاني ونقرها
تراجيع صوت الثغر يقرع بالثغر
ولما دعوت الصبر بعدك والبكا
أجاب البكا طوعا ولم يجب الصبر
(وللأمانة التاريخية ذكر أن هذه الأبيات للشاعر أبوجعفر العذري)
وقد قتله غلمانه (ابن كيغلغ) بجبلة من ساحل الشام، فورد الخبر إلى أبي الطيب المتنبي، وهو بمصر فقال يهجوه:
قالوا لنا: مات إسحاق فقلت لهم
هذا الدواء الذي يشفي من الحمق
إن مات، مات بلا فقد ولا أسف
أو عاش، عاش بلا خَلق ولا خُلق
فسائلوا قاتليه كيف مات لهم
موتا من الضرب أم موتاً من الفرق
وأين موقع حد السيف من شبح
بغير جسم ولا رأس ولا عنق
لولا اللئام وشيء من مشابهة
لكان ألأم طفل لف في خرق
والظاهر أن ابن كيغلغ لم يظلمه المتنبي في هجائه له، فقد هجاه الشاعر ابن كشاجم فقال فيه وقد أفتصد:
يا فاصدا شق عرق إسحاق
أي دم لو علمت مهراق
سفكته من يد معودة
لنيل مال وضرب أعناق