المحتويات
إذا سمع المسلم الآيات التي فيها وعيد، فيسن له أن ؟
إذا سمع المسلم الآيات التي فيها وعيد، فيسن له أن ؟
يظهر لنا مما تقدم أن الوعيد في القرآن ليس لغة رمزية، وإنّما هو حقيقة وحق، والدليل العقلي قائم على ضرورة أن يُثاب الأخيار، وأن يعاقب الأشرار، لأنه مقتضى العدالة الإلهية. وإذا كنا قد اخترنا البحث في الوعيد، فذلك لأن القرآن أعطاه حيّزاً مهماً في كثير من الآيات القرآنية، سواء التي جاء فيها الوعد بمعنى الوعيد أم التي جاءت بالوعيد، حيث قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ﴾ [334] .
وقال الله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴾ [335] .
وقال الله تعالى: ﴿ قَالَ لَا تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ﴾ [336] .
وهكذا، فإن مقتضى المنهج الموضوعي، التوحيدي، أن تضم الآيات بعضها إلى بعض، وملاحظة دلالة السياق، ومن ثم ملاحظة التجربة، وبذلك نكون قد أخذنا بمنهج العلامة الطباطبائي (قده) الذي يقوم على تفسير القرآن بالقرآن، وبمنهج العلامة الصدر (رض) الذي يقوم على المنهج الموضوعي التوحيدي فيما يؤسس عليه من علاقة جدلية بين النص والتجربة، وقد سبق الكلام منّا في معنى النص والتجربة فيما يتعلق بالوعد والوعيد، والآن نبحث معنى الوعيد بما هو يوم لا بدّ بأن الإنسان لاقيه، كما قال الله تعالى: ﴿ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [337] ، وقوله تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴾ [338] .
إنّ من العجب فعلاً أن يُخفف الإنسان، سواء أكان باحثاً أم فقيهاً من حقيقة هذا الترهيب القرآني، ويسهو عما كان للوعيد من أثر في الحياة الدنيا، فإذا كان الوعيد قد لحق بالأمم والشعوب في تاريخها، فلماذا يستبعد هذا الأمر أو يُخفف منه، أو يقلّل من شأنه، أو أن يحاول بعضهم ترميزه أو تخييله [339] ، أو غير ذلك مما زعمه ابن عربي الذي لم يستوعب معنى العذاب ودوامه، وادّعى أنه لو كلّف أمر البشرية لرحمها، فكيف بربّ العالمين…!؟
هناك مقالات كثيرة تخفف وطأة هذا الوعيد، كما في مقالة البغدادي الذي سوّغ الموقف بأن الوعيد لا يكون إلاّ للكافرين والمشركين، وما تبقى من الناس فإنه ملحق بأهل اليمين [340] .
نحن نرى أن من الوعيد ما لا ينقطع، بل هو متواصل في الدنيا والآخرة، حتى في عالم البرزخ، فإنّ الله تعالى قد بيّن أنه لا ينقطع، كما قال الله تعالى: ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾ [341] ، وبما أنه لا شمس، ولا زمان في جنة الخلد، فقد بان أنَّ النار التي يعرض عليها هؤلاء هي نار متواصلة من الدنيا إلى البرزخ إلى يوم القيامة ليمكثوا فيها أبداً، كما قال الله تعالى: ﴿ مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ﴾ [342] . وعليه، فإنه لا معنى لرأفة الباحثين والعلماء في وقت هم بأمسّ الحاجة إلى أن يخففوا عن أنفسهم وطأة ما ينتظرهم، لأنه لا نجاة إلا مع عمل ورحمة…؟
فإذا قيل، ما هو الدليل على تواصل الوعيد والعذاب. قلنا: هو قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [343] . فقوله تعالى ناظر إلى أن علّة الهلاك هي الظلم والإفساد في الأرض، إذ لم يقل لنُهلِكنّهم، إشارة إلى علّة الهلاك وهي الظلم، كما أن قوله تعالى مُفيد الإنجاء للمؤمنين والإهلاك للظالمين جزاءً: ﴿ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ . أي الوقوف بين يدي الله يوم القيامة، وخاف الوعيد على ألسنة الرسل بالعذاب لمن كفر وأشرك في العبادة ومات من غير توبة، فالآية ترشد إلى الهلاك أولاً، وهو وعيد تحقق في الدنيا للظالمين، ومن أسكن الأرض لا يسعه إلا أن يخاف مقام ربه ووعيده لئلا يلحقه ما لحق الظالمين، وهذا دليل على أن تحقق الشروط سلباً أو إيجاباً لا بدّ أن يكون له تحققاته في التجربة، وقد بينّا كيف أن الوعيد قد لحق بالمشركين في بدر، وفي خيبر، وفي أكثر من تجربة إسلامية. وإذا كان الكفار قد استعجلوا العذاب، فقد أخبر الله تعالى وبالتأبيد أنه لن يُخلف وعده: ﴿ … وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [344] .
إذا سمع المسلم الآيات التي فيها وعيد، فيسن له أن ؟
الاجابة الصحيحة :
يستعيذ الله تعالى من عذابه وسخطه