ماكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده
تناولت السنة النبوية العديد من المواقف والأعمال التي تبين للناس قيماً وعبر ، واليوم نتناول أحد الموضوعات المهمة من السيرة النبوية العطرة ونشرح ما قصده حديث صحيح رواه البخاري في الصحيح يقول النبي ﷺ: ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، فمن هو النبي الذي اشتهر بأكله من عمل يده ؟
إن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام وهذا يحث على كسب الحلال والحرص على طلب الحلال من حدادة أو خرازة أو نجارة أو غير ذلك من أعمال اليد، مع النصح وأداء الأمانة في العمل، هذا كسب حلال ومن ذلك الزراعة فإنها من أعمال اليد والكتابة فإذا نصح الإنسان في ذلك وأدى ما ينبغي فهذا من أطيب الحلال. نعم.ففي باب “الحث على الأكل من عمل يده والتعفف به عن السؤال والتعرض للإعطاء” أورد المصنف -رحمه الله-:
حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي ﷺ قال: كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده، رواه البخاري.
كان دواد ملكاً فهو مع المُلك، والمال والتمكن في الأرض ومع ذلك كان لا يأكل إلا من عمل يده، وداود ألان الله له الحديد، وعلمه صنعة الدروع، وكان يأكل من هذه الصنعة؛ ولهذا قالوا: إن داود ﷺ كان حداداً مع كونه ملكاً، فهذا يدل على فضل أكل الإنسان من عمل يده، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- صاحب “أضواء البيان” وهو من العلماء الكبار في عصرنا الحاضر كان يقول لولده: يا بني إني أخرق، يعني: لا أحسن صنعة، ولولا ذلك لم آكل إلا من عمل يدي، مع أنه كان يأخذ مرتباً من الجامعة فيأخذ منه حاجته، فإذا جاء أحد يقترض منه قال له: لا حاجة برده، ليس بقرض وإنما هو هبة، ويوزع على قرابته من العجائز وغيرهم، فهذا داود كان لا يأكل إلا من عمل يده.
ما أكل أحد طعاماً قط، يعني: لا من ميراث، ولا من هبة، ولا من قِرى وضيافة، ولا غير ذلك مما يصل إلى الإنسان.
قال: خيراً من أن يأكل من عمل يده، يعني: من مهنته والعمل الذي يزاوله بيديه، والصنعة التي يقوم بها، وهذا كما أنه يدل دلالة ظاهرة واضحة فيما نحن بصدده من الكلام على المكاسب وأن الإنسان يتعفف ولا يسأل الناس ويستغني عنهم، وفيه أيضاً فائدة أخرى وهي أن ما يأكله الإنسان من عمل يده أفضل مما يصل إليه من غيره، بل هو أفضل مما يقع فيه كثير منا حيث إننا لا نأكل من عمل يدينا، وإنما من تعليمنا للناس مثلاً، هذا يُدرس في الجامعة، وهذا يُدرس في طُلاب في المراحل التعليمية الثلاث ونحو ذلك، فهذا يجوز لا إشكال فيه، وهذا المصدر في الرزق حلال بلا مرية، لكن هل هذا مثل ما يزاوله الإنسان من عمل يديه وصنعته، أن لا يأخذ على تعليمه شيئاً، أيهما خير؟.
لا شك أن الذي يُعلم الناس مجاناً أفضل من الذي يعلم بمقابل ولولا ذلك لم يُعلِّم، فكون الإنسان يعلم الناس ويبذل العلم للناس مجاناً، ويأكل من صنعة أفضل، الشيخ الألباني -رحمه الله- من علماء العصر كان يشتغل بتصليح الساعات، وكان محله الذي يصلح فيه الساعات ممتلئًا بالكتب، فكان يشتغل بالكتابة والتحقيق والتأليف والقراءة والاطلاع والبحث في محل صغير يصلح فيه الساعات، يقتات من هذا.
ونسأل الله تعالى أن يغنينا وإياكم بفضله عمن سواه، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.