المحتويات
التسمية الاكثر انتشارا للصيدلية في الحضارة العربية الاسلامية
في تاريخ الطب، يشار بمصطلح الطب الإسلامي أو الطب العربي أو طب العرب إلى الطب الذي تطور في العصر الذهبي للإسلام، وكتب بلغة عربية، والتي كانت لغة التواصل المشترك في زمن الحضارة الإسلامية. نشأ الطب الإسلامي كنتيجة للتفاعل الذي حدث بين الطب التقليدي العربي والمؤثرات الخارجية. كانت الترجمات الأولى للنصوص الطبية، عاملاً أساسيًا في تكوّن الطب الإسلامي. كما كان للترجمات اللاتينية للأعمال العربية أثرها البالغ في تطور الطب في نهاية العصور الوسطى وبداية عصر النهضة.
ما هو الاسم الأكثر انتشارا للصيدلية في الحضارة العربية الاسلامية
وفي الوقت الذي كانت فيه الكنيسة الغربية تحرم صناعة الطب، لأن المرض عقاب من الله لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن يستحقه، وهو الاعتقاد الذي ظل سائدًا في الغرب حتى القرن الثاني عشر. بدأ المسلمون في القرن التاسع الميلادي في تطوير نظام طبي يعتمد على التحليل العلمي. ومع الوقت، بدأ الناس يقتنعون بأهمية العلوم الصحية، واجتهد الأطباء الأوائل في إيجاد سبل العلاج. أفرز الإسلام في العصور الوسطى بعض أعظم الأطباء في التاريخ، الذين طوروا المستشفيات، ومارسوا الجراحة على نطاق واسع، بل ومارس النساء الطب، حتى أنه كانت هناك طبيبتان من عائلة ابن زهر خدمتا في بلاط الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور في القرن الثاني عشر الميلادي. وقد ورد ذكر الطبيبات والقابلات والمرضعات في الكتابات الأدبية لتلك الفترة.
ويعد أبو بكر الرازي وابن سينا أعظم هؤلاء الأطباء، وظلت كتبهم تدرّس في المدارس الطبية الإسلامية لفترات طويلة، كما كان لهم وبالأخص ابن سينا أثرًا عظيمًا على الطب في أوروبا في العصور الوسطى. خلال العصور سالفة الذكر، كان المسلمون يصنفون الطب أنه فرع من فروع الفلسفة الطبيعية، متأثرين بأفكار أرسطو وجالينوس. وقد عرفوا التخصص، فكان منهم أطباء العيون ويعرفون بالكحالين، إضافة إلى الجراحين والفصادين والحجامين وأطباء أمراض النساء.
ازدهار علم الطب
لم يَقف المسلمون عند حدود الطبّ النبوي وما جاء فيه من وسائل علاجية ووقائية -مع يقينهم بنَفْعه وبَرَكته- بل أدركوا منذ وقت باكر أن علم الطب والصيدلة يحتاج إلى دوام البحث والنظر، وإلى الوقوف على ما عند الأمم الأخرى منه.. ودفَعهم إلى ذلك دعوةُ الإسلام للاستزادة من كل ما هو نافع ومفيد، والبحث عن الحكمة أنى وُجدتْ. واشتهرتْ طائفة من علماء المسلمين بترجمة الكتب المتخصصة بعلوم الطب، ومصادر الأدوية النباتية وخصائصها وطرق تركيبها. ومما تمّت ترجمته كتب “أرسطو” (Aristotle) وتلميذه “ثيوفراستس” (Theophrastus) المعروف بأبي علم النبات.
وأعقب ذلك مرحلة جديدة تناولت التعليقَ على تلك الكتابات المترجمة، ونقْدها وشرحها ودراستها، ليتم بعدها في خطوة تالية إقرار صوابها وتصويب خطئها. وما هي إلا مدة وجيزة، حتى انتقل المسلمون نحو أفقٍ آخر سامٍ من الازدهار العلمي والفكري، وولّوا وجوههم شطر الأصالة والتأليف والإبداع، فأضافوا الجديد والمفيد إلى علمَي الطب والصيدلة، تَدْفعهم حماستهم التي استشعروا بها التقربَ إلى الله تعالى بطلب العلم، وقد عُرفتْ كتبهم تلك في حينها بـ”الأقرباذِينات”.
وكان أبو حنيفة الدينوري أول مَن ألّف كتابًا عن النباتات التي أولاها المسلمون عناية خاصة لما علموا أنها مصدر رئيس لحاجتهم من الأدوية. وعُرف مصنَّف الدينوري هذا باسم “كتاب النبات”، وقد أتى فيه على ذِكْر أكثر من ألف نبتة من النباتات الطبية في الجزيرة العربية. واشتهر أبو بكر الرازي بالكتابة في علم الصيدلة ووصْف الأدوية، وألّف الكثير من الأقرباذينيات التي عُدَّتْ مراجع أصيلة في مدارس الغرب والشرق على حد سواء. ومن أطباء المسلمين وصيادلتهم أيضًا البيروني صاحب كتاب “الصيدلة في الطب”، وابن الصّوري صاحب “الأدوية المفردة”، وابن العوّام الإشبيلي صاحب “الفِلاحة الأندلسية”. أمّا ابن البيطار فقد ارتحل إلى مالَقة، ومرّاكش، ومصر، وسورية، وآسيا الصغرى، بحثًا عن النباتات الطبية.. فكان يراها بنفسه، ويجري عليها تجاربه، ويَذْكرها في كتابه “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية” الذي كان المرجع الرئيس للصيادلة زمنًا طويلاً. وقد جاء فيه ذِكْر أكثر من ألف وأربع مائة دواء من أصل نباتي، منها أربع مائة عقار لم يَسْبقه أحدٌ إلى وَصْفها.
من العلماء المسلمين أسس علم الصيدلة؟
أبدع أطباء المسلمين وصيادلتهم في تحضير العقاقير المختلفة وتركيبها، واستخدموا في ذلك طرقًا مبتكرة عديدة، منها طريقة التقطير لفَصْل السوائل، وطريقة التنقية لإزالة الشوائب، وطريقة التصعيد لتكثيف المواد المتصاعدة، وطريقة الترشيح لعَزْل الشوائب والحصول على محلول نقي.
وكان من ابتكارات صيادلة المسلمين مَزْجُهم للأدوية بالعسل أو بالسكر أو بعصير الفاكهة، وإضافة مواد محبّبة كالقرنفل، ليصبح طعم الدواء مستساغًا، وجعْلهم الكثير من الأدوية في صورة أقراص مُغَلّفة، وتحضير أقراص الدواء عبر كبْسها في قوالب خاصة، وإخضاع الدواء الجديد للتجربة على الحيوان قبل وصْفه للمريض للتأكد من سلامته وأمانه.
يقول الدكتور “جورج سارتون” (George Sarton): “إن بعض الغربيين الذين يَستخفّون بما أسداه الشرق إلى العمران، يصرّحون بأن العرب والمسلمين نقلوا العلومَ القديمة ولم يضيفوا إليها شيئًا، وهذا الرأي خطأ؛ فلو لم تنتقل إلينا كنوزُ الحكمة اليونانية، ولولا إضافات العرب الهامة إليها، لتوقّف سَيْر المدنية بضعة قرون”.
كما اهتم صيادلة المسلمين بزراعة النباتات الطبية، والأعشاب العلاجية في مزارع وُضعتْ بجوار ما بَنَوا من بيمارستانات مُدُن الدولة المختلفة، واهتموا بجلب بذور تلك النباتات من كل حدب وصوب. وخُصّصتْ لكل بيمارستان منها صيدلية تُقدّم ما يصفه الطبيب للمريض من أشربة وأدوية. يقول عبد الله الدفّاع في كتابه “أعلام العرب والمسلمين في الطب”: “وَضَع العلماء المسلمون في كل مستشفى صيدلية منذ القرن الثاني عشر الميلادي. وهكذا فإن فيرال إنشاء صيدلية داخل المستشفى، هي فيرال نقَلها العالَم عن الحضارة العربية الإسلامية التي طبّقتها قبل أكثر من ثمانية قرون”.