المحتويات
زيارة الامام محمد الجواد يوم استشهاده
ولادته (عليه السلام): الإمام أبو جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ، ولد في يوم الجمعة العاشر من شهر رجب سنة (195هـ) في المدينة المنورة . ووردت في دعاء الناحية المقدّسة إشارة إلى أن ولادته في رجب: (( اللهم إنّي أسألك بالمولودَين في رجب ؛ محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمّد المنتجب ))(1).
اسمه الكريم : محمّد ، وكنيته المشهورة أبو جعفر ، وألقابه : التقي والجواد ، وقيل أيضاً : المختار والمنتجب والمرتضى والقانع والعالم وغيرها .
والده الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، ووالدته اُمّ ولد اسمها : سبيكة ، وسمّاها الإمام الرضا (عليه السلام) خيزران . وكانت من أهل النوبة ومن قبيلة مارية القبطية أُم إبراهيم ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكانت أفضل نساء زمانها ، وقد أشار إليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقوله: (( بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيّبة ))(2).
وأمّا كيفية ولادته (عليه السلام) فترويها حكيمة بنت الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) أنها قالت : لمّا حضرت ولادة خيزران اُمّ أبي جعفر (عليه السلام) ، دعاني الرضا (عليه السلام) فقال لي: (( ياحكيمة إحضري ولادتها ، وادخلي وإيّاها والقابلة بيتاً )) . ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا ، فلمّا أخذها الطلق طفي المصباح وبين يديها طست ، فاغتممت بطفي المصباح ، فبينما نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست ، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتّى أضاء البيت ، فأبصرناه ، فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء ، فجاء الرضا (عليه السلام) ففتح الباب وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه في المهد وقال لي: (( يا حكيمة ، إلزمي مهده )) .
قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر إلى يمينه ويساره ، ثم قال: (( أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله )). فقمت ذعرة فزعة ، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجباً ! فقال: (( وما ذاك؟ )) فأخبرته الخبر فقال: (( يا حكيمة ، ما تروى من عجائبه أكثر ))(3).
وروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (( قد وُلد شبيه موسى بن عمران فالق البحار ، فيبكي عليه أهل السماء ، ويغضب الله تعالى على عدوّه وظالمه فلا يلبث إلاّ يسيراً حتّى يُعجّل الله به إلى عذابه الأليم وعقابه الشديد ))(4).
والمشهور أنّ الإمام الجواد (عليه السلام) شديد الأدَمة(5) . وقيل : أبيض معتدل(6).
تاريخ استشهاد الامام الجواد
• روى العيّاشي عن زرقان صاحب ابن أبي داود و صديقه الحميم قال :
( رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم ، و هو مغتمّ فقلت له في ذلك ، فقال : وددت اليوم ، أنّي قد متُّ منذ عشرين سنة ، قال : قلت له: و لمَ ذاك ؟ ، قال: لما كان من هذا الأسود ، أبا جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم ، قال: قلت له: و كيف كان ذلك ؟ ، قال: إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسّرقة ، و سأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه ، وقد أحضر محمد بن عليّ (عليه السلام) ، فسألنا عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع ؟ ، قال: فقلت: من الكرسوع ، ( 2) ، و ما الحجّة في ذلك؟ ، قال: قلت: لأنّ اليد هي الأصابع و الكفّ إلى الكرسوع ، لقول الله في التيمّم : ﴿ فامسحوا بوجوهكم و أيديكم ﴾ ، و اتّفق معي على ذلك قوم.
و قال آخرون : ( بل يجب القطع من المرفق ، قال : و ما الدليل على ذلك؟ ، قالوا : لأنّ الله لما قال: ﴿ وأيديكم إلى المرافق ﴾ في الغسل دلّ ذلك على أنّ حدّ اليد هو المرفق.
قال : فالتفت إلى محمد بن عليّ (عليه السلام) ، فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ ، فقال : قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين ، قال : دعني ممّا تكلّموا به أيّ شيء عندك ؟ ، قال: أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين ، قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه ، فقال: أمّا إذ أقسمت عليّ بالله أنّي أقول : إنّهم أخطأوا فيه السنّة ، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكفّ ، قال: و ما الحجّة في ذلك؟ ، قال: قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله و سلّم) : ( السجود على سبعة أعضاء : الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين ) ، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، و قال الله تبارك و تعالى: ﴿و إنّ المساجد لله ﴾ ، يعني به هذه الأعضاء السبعة ، التي يسجد عليها ﴿ فلا تدعواْ مع الله أحداً ﴾ ، و ما كان لله لم يقطع ، قال : فأعجب المعتصم ذلك ، و أمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ ، قال ابن أبي داود: قامت قيامتي ، و تمنّيت أنّي لم أكُ حيّاً.
احاديث الامام الجواد
روى العلاّمة المجلسي وغيره أنّه كان عمرُ الإمام الجواد (عليه السلام) عند وفاة أبيه (عليه السلام) تسع سنين ، وقيل : سبع سنين . ولمّا استُشهد أبوه كان في المدينة ، وشكّ بعضُ الشيعة في إمامته ؛ لصغر سنّه حتّى حجّ العُلماء والأفاضل والأشراف وأماثل الشيعة في أطراف العالم ، ثم جاؤوا إلى الإمام (عليه السلام) بعد إتمام مناسكهم ، فزالت شبهاتهم وشكوكهم بعد ما رأوا غزارة علمه وكثرة معاجزه وكراماته ، وأقرّوا بإمامته.
وقد رُوي أنه (عليه السلام) أجاب عن ثلاثين ألف مسألة غامضة في مجلسٍ واحد أو مجالس متوالية(7).
وأراد المأمون ـ بعد أن أخذ الناس بلومه والطعن عليه ؛ لقتله الإمام الرضا (عليه السلام) ـ أن يدفع تهمة الخطأ والجرم عنه ، فكتب ـ بعدما جاء من خراسان إلى بغداد ـ الى الإمام محمد الجواد (عليه السلام) يدعوه بإعزاز وإكرام ، فلمّا وصل الإمام الجواد ، خرج المأمون يوماً للصيد قبل أن يلقى الإمام ، فاجتاز بطرف البلد ، وهناك صبيان يلعبون ومحمد الجواد (عليه السلام) واقف عندهم ، فلمّا أقبل المأمون فرَّ الصبيان ووقف محمّد الجواد (عليه السلام) وعُمره إذ ذاك تسع سنين ، فلمّا قرُب منه الخليفة نظر إليه ـ وكان الله تعالى ألقى في قلبه مسحة القبول ـ فقال له: ياغلام ما منعك أن لا تفرّ كما فرَّ أصحابُك ؟ فقال له محمّد الجواد (عليه السلام) مُسرعاً: (( يا أمير المؤمنين ، فرَّ أصحابي خوفاً ، والظنّ بك حسن . إنّه لا يفرُّ مِنك مَن لا ذنب له . ولم يكن بالطريق ضيقٌ فانتهي عن أمير المؤمنين )). فأعجب المأمون كلامه وحسن صورته ، فقال: ما اسمُك ياغلام ؟ فقال: (( محمّد بن عليّ الرضا )) . فترحَّم الخليفة على أبيه ، وساق جواده إلى ناحية وجهته(8).
وروى الطبري عن الشلمغاني أنّه قال : حجّ إسحاق بن إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر (عليه السلام) . قال إسحاق : فأعددتُ لي في رقعةٍ عشر مسائل لأسأله عنها ، وكان لي حمل . فقلتُ: إذا أجابني عن مسائلي سألتُه أن يدعو الله لي أن يجعله ذكراً ، فلمّا سأله الناس قمت والرقعة معي لأسأله عن مسائلي ، فلمّا نظر إليَّ قال لي : (( يا أبا يعقوب سمّه أحمد )) . فولد لي ذكر وسمّيته أحمد ، فعاش مُدّةً ومات(9).
معاجز الامام الجواد
ومن معاجزه (عليه السلام) ما رواه الشيخ الكليني وغيره عن محمّد بن أبي العلاء أنّه قال : سمعتُ يحيى بن أكثم ـ قاضي سامراء ـ بعدما جهدت به وناظرتُه وحاورتُه ، وواصلتُه وسألته عن عُلوم آل محمّدٍ (ص) فقال : بينا أنا ذات يوم دخلتُ أطوف بقبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فرأيتُ محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) يطوف به ، فناظرتهُ في مسائل عندي فأخرجها إليّ . فقلتُ له : والله إنّي اُريد أن أسألك مسألة ، والله لأستحي من ذلك . فقال لي : (( أنا اُخبرك قبل أن تسألني ، تسألني عن الإمام ؟ )) فقلت: هو والله هذا . فقال : (( أنا هو )) . فقلتُ : علامة ؟ فكان في يده عصا فنطقت وقالت: إنّ مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجّة(10).
وروى أيضاً بهذا المعنى عُمارة بن زيد أنه قال: رأيت محمّد بن علي (عليهما السلام) فقلت له: يابن رسول الله ما علامة الإمام؟ قال: (( إذا فعل هكذا ، ووضع يده على صخرةٍ فبان أصابعُه فيها ، ورأيتُه يمدّ الحديدة بغير نارٍ ويطبع على الحجارة بخاتَمه))(11) .
زيارة الامام الجواد مكتوبة المكتبة الحسينية
|