«دم الغزال» فيلم مفتعل افتقد فيه المخرج البوصلة * أحمد طمليه
لم يكتف المؤلف وحيد حامد بكتابة قصة فيلم «دم الغزال» بل تحمس لإنتاجه على حسابه الخاص ، ودعا للمشاركة فيه عدداً من النجوم: نور الشريف ، يسرا ، منى زكي ، صلاح عبدالله ، وفوق ذلك تكبد مبالغ طائلة لغايات الدعاية والاعلان ، لدرجة ظن فيها المتابع أن الفيلم سيحطم الأرقام القياسية في الحضور ، وسيطغى على كل الأفلام التي تنافسه في دور العرض ، بما في ذلك فيلم «عمارة يعقوبيان» الذي أخرجه ابنه مروان حامد في وقت متقارب مع فيلم «دم الغزال». غير أن من يشاهد الفيلم يستغرب سر الحماسة وراء انتاجه ، فالفيلم ، والمقصود دم الغزال ، مقطع الاوصال ، تطغى فيه المباشرة على السرد المنسجم مع سياق الفيلم ، والاهم من ذلك أن الأحداث غير مترابطة ، والتجانس بين شخصيات الفيلم معدوم ، والخيط الدرامي مقطوع ، وكأن كل ممثل يؤدي دوره في واد منفصل ، وفي سياق مستقل.
يبدأ الفيلم بعرس حنان (منى زكي) وهي فتاة مسكينة مغلوبة على أمرها ، توفي والدها وسلّم أمانتها للرجال الطيبين في الحي ، وها هي اليوم تتزوج من (حشاش) في الحي ما تلبث الشرطة أن تقبض عليه وهو يجلس إلى جوار عروسه فتقتاده إلى السجن ، وتبقى حنان عذراء في ليلة دخلتها. يتداخل مع هذا المشهد ، مشهد للطبال (محمود عبد الغني) وهو يكن مشاعر لحنان ، إضافة إلى وجود البلطجي (عمرو واكد) الذي ينافس الطبال على حب حنان ، ومن باب استعراض عضلاته يقوم البلطجي بمغازلة الراقصة التي من المفروض أن تكون في حماية الطبال ، فينشأ شجار بينهما يحسم لصالح البلطجي الذي يمعن في إذلال الطبال على مرأى من الجميع ، وتكون هذه الاهانة المغموسة بالمرارة بداية التحول في شخصية الطبال الذي ينضم إلى الإسلاميين ويتطور موقفه بينهم إلى أن يصبح أميراً لهم في الحي.
في هذه الأثناء يحكي لنا الفيلم أن العريس السجين يقوم بطلاق زوجته حنان ، فلا تجد سوى صديق والدها (نور الشريف وصلاح عبدالله) للعناية بها والبحث لها عن عمل يجدانه لدى ناد رياضي تديره سيدة ارستقراطية (يسرا).
ما حاول أن يقدمه وحيد حامد في فيلمه هو شرائح اجتماعية كل منها مسكون بهمومه الخاصة ، فهذا عميش (نور الشريف) يقوم باصطياد سيارات الأثرياء حيث يرمي نفسه أمام السيارة ثم يأخذ تعويضاً من السائق ويعود أدراجه إلى الحي ، ويستمر في هذه اللعبة إلى أن تدهمه سيارة ، ذات مرة بقوة شديدة فيلقى حتفه. أما يسرا صاحبة النادي الرياضي فهي امرأة ثرية يستشعر المشاهد أن لديها أزمة مع زوجها الذي يأتيها مهدداً في أحد المشاهد فينشب بينهما شجار وتشارك به حنان ويخرج الزوج مهزوماً من استشراس فتاتين عليه. أما البلطجي فإنه يظل بلطجياً إلى أن يقع بين يدي الطبال الذي أصبح أميراً للإسلاميين فيكون جزاؤه بتر يده بالسيف.
الفيلم الذي أخرجه محمد ياسين ، وقدم الموسيقى له عمر خيرت ، يتضمن مبالغات شديدة ، فالشخصيات مشدودة ، مثقلة بهموم غير مبررة ، ودم الغزال وهو الدم الذي من المفترض أن يكون بريئاً والذي تعبر عنه الفتاة الفقيرة حنان المستباحة وسط الجحيم البشري الذي يحاول أن ينال منها. ثم هناك التحولات الجذرية في الأحداث فبعد أن كنّا نتابع أحداثاً لأشخاص بسطاء في حي فقير من أحياء القاهرة وهو حي (إمبابة) صرنا نتابع عنف الجماعات الإسلامية بعد أن تحول الطبال إلى أمير ، وبدا الفيلم وكأنه يناقش عنف الجماعات الإسلامية مع العلم أن هذا الأمر لم يصغ بشكل يصل إلى المشاهد. وإذا سئلت شخصياً ما الذي يريد أن يقوله الفيلم فسأقول لا شيء ، فالفيلم صنع بطريقة بدا فيها وكأنه يوحي بقول شيء ، ولكن في واقع الأمر لا شيء محددا يمكن أن يستشفه المشاهد من الفيلم.
لقد أخفق وحيد حامد ومعه المخرج محمد ياسين في إيصال الفيرال بسبب المبالغة في رسم الشخصيات ، وأخفقت يسرا ومعها نور الشريف ومنى زكي وباقي الممثلين في تقمص الشخصية ، لسوء العناية في تحديد ملامح الشخصيات فكانت النتيجة لغوا على الشاشة ، وإيقاعا بطيئا غير مترابط نتج عنه فيلم هزيل لا يستحق الصيت الذي سبقه ولا الحملات الإعلامية التي صرفت عليه.
ويبقى ما كتب وأثير حول الفيلم باعتباره فيلماً يصور عنف الجماعات الإسلامية في مصر ، وهو قول غير دقيق ، أو بالأحرى إن تصوير واقع الجماعات الإسلامية في مصر ليس دقيقاً ، فلا يمكن أن تظهر مثل هذه الجماعات المتعصبة بهذه القدرة على العمل في الخفاء في ظل تغييب الجانب الأمني في البلد الذي تقيم فيه ، اللهم إلا في نهاية الفيلم عندما يظهر الأمن فجأة ويسيطر على الوضع. وهذه ليست مسألة جديدة في السينما المصرية الحديثة ، فمنذ عقود كثرت الأفلام التي تصور الجماعات الإسلامية المتطرفة في مصر على نحو كاريكاتيري ، لا ينقل واقع الحال فعلاً بقدر ما يظهر وجهة نظر المخرج أو المؤلف في هذه المسألة ، وهذا ما لمسناه في فيلم «الإرهابي» و«الإرهاب والكبابش ، و «طيور الظلام» وغيرها من الأفلام التي شارك بها وحيد حامد عادل إمام وشكلا ثنائياً في التطرق لهذه المسألة وهاجما ما ادعيا أنها جماعات إسلامية دون وجه حق في كثير من الأحيان.
ما يثيره الفيلم في النفس أيضاً أن الطاقة الإبداعية إذا لم يحسن توظيفها تتحول إلى عبء على الفيلم ، وهذا ما لمسناه في أداء الممثلة يسرا ، فهي طاقة غير موظفة ، مقزمة في دور أصغر منها بكثير مما انعكس بشكل واضح على أدائها. وهذا ما قد ينسحب على أداء نور الشريف أيضاً فرغم محاولاته الانسجام مع دوره إلا أن هذا لم يشفع له الخروج من الطوق الضيق الذي حوصر به. أما منى زكي فقد ضاعت بين النص المكتوب ورؤية المخرج أثناء تحولها من فتاة مسكينة مغلوبة على أمرها إلى فتاة تحاول أن ترقص باليه في النادي الرياضي ، فقد غلب الافتعال على الأداء وكانت النتيجة الاخفاق.
عموماً ، يبدو أن القائمين على الفيلم أدركوا حجم الاخفاق الذي اقترفوه فبدل أن يستمر عرض الفيلم في دور السينما كما كان متوقعاً له وجدناه يتسلل إلى بعض القنوات الفضائية العربية ويعرض على الشاشة الصغيرة قبل الأوان ضمن صفقات تهدف إلى الخروج من مأزق فيلم «دم الغزال» بأقل الخسائ