تأسست الإمبراطورية البرتغالية في القرن الخامس عشر، وامتدت من الأمريكتين إلى اليابان. ومع أنها كانت غالبًا خطًا من مراكز التجارة الساحلية مع تحصينات دفاعية، وُجدت مناطق استعمارية أكبر مثل البرازيل وأنغولا وموزمبيق. سيطر الأوروبيون البيض على التجارة والسياسة والمجتمع، مع نسبة معتبرة من اختلاط الأعراق، وفي عدة أماكن ارتقى أناس من نسل مختلط إلى مراكز النفوذ والثراء في المستعمرات.
بدأت الإمبراطورية البرتغالية بمحاولة الوصول إلى الذهب غرب إفريقيا ثم إلى مجال التجارة في المشرق. كانوا يأملون وجود دول مسيحية في آسيا قد تصبح حليفًا مفيدًا في حرب المسيحية المستمرة مع الخلافة الإسلامية. أراض جديدة للزراعة، ثروات ومجد للمستكشفين الاستعماريين، وطموحات العمل التبشيري كانت حوافز أخرى لبناء الإمبراطورية البرتغالية.
أوجدت سفن «الكاراك» شبكة بحرية ربطت بين لشبونة وكل مستعمراتها في الغرب و«ولاية الهند» في الشرق، وهي التسمية التي عُرفت بها المستعمرات في منطقة شرق رأس الرجاء الصالح. بضائع مثل الذهب والعاج والحرير وخزف مينغ الصيني والتوابل نُقلت وبيعت حول العالم. ووُجدت تجارة مهمة أخرى هي تجارة العبيد، الذين أُخذوا من غرب إفريقيا وجنوبها، واستُعملوا قوةً عاملة في المزارع في جزر شمال الأطلسي والأمريكتين.
المحتويات
أهم المستعمرات في الإمبراطورية البرتغالية:
- ماديرا (تأسست عام 1420)
- جزر الأزور (1439)
- الرأس الأخضر (1462)
- ساوتومي وبرينسيب (1486)
- كوشين (1503)
- موزمبيق (1506)
- جوا (1510)
- ملقا (1511)
- هرمز (1515)
- كولومبو (1518)
- البرازيل (1532)
- ماكاو (1557)
- ناغازاكي (1571)
- أنغولا (1571).
جزر شمال الأطلسي:
كان البرتغاليون بحارة جسورين، لذا ليس من الغريب أن أولى مستعمراتهم كانت جزرًا نائية نسبيًا. بحثًا عن موارد جديدة وأراض تغطي النقص في متطلبات البرتغال من القمح، أبحر الملاحون إلى وسط المحيط الأطلسي المجهول. تمكن المستكشفون البرتغاليون من إطلاق هذه البعثات بفضل داعمين أقوياء وأثرياء مثل الأمير هنري الملاح. ميزة هائلة أخرى كانت تصميم السفن المبتكرة والشراع اللاتيني المثلث.
كانت أول مجموعة جزر استعمرتها الإمبراطورية البرتغالية: أرخبيل ماديرا البركاني غير المأهول بالسكان. نظرًا إلى تربتها البركانية، ومناخها المعتدل، وأمطارها الغزيرة، استُعملت هذه الجزر لزراعة القمح والنبيذ وقصب السكر. بطرق متعددة، أسس الاستعمار البرتغالي لماديرا نموذجًا نسخته كل المستعمرات الأخرى.
قسم العرش البرتغالي الجزر وقدم قبطانيات جزءًا من النظام الإقطاعي المصمم لتشجيع النبلاء لتمويل الفلاحة وتطوير التجارة. احتفظ العرش بالملكية العامة، ومُنح كل قبطان امتيازات مالية وقانونية، وأعطى في المقابل قطعًا أصغر من الأرض لتابعيه الذين عليهم أن يبدؤوا بزراعتها خلال عدد من السنوات. أصبحت القبطانيات مورثة في كثير من الحالات. وانجذب المستوطنون آملين في حياة أفضل، لكن مثلما يوجد في المستعمرات المستقبلية، وُجد مهاجرون غير مرغوب فيهم. وهم أشخاص لا تريدهم السلطات في البرتغال ونُقلوا بالقوة إلى المستعمرات، مثل المجرمين والمتسولين وبائعات الهوى السابقات واليتامى واليهود والخارجين عن الديانة.
أصبحت ماديرا نموذجًا استعماريًا في جانب آخر، وهو مزارع قصب السكر التي تأسست منذ 1455. نجاح هذا المحصول واحتياجه الكبير إلى الأيدي العاملة أدى إلى جلب العبيد من غرب إفريقيا للعمل. أصبح نظام المزارع القائمة على العبودية جزءًا مهمًا من الاقتصاد في العالم الجديد، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الإتجار بالبشر، ما عُرف لاحقًا بتجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي.
بعد ماديرا، تبع الاستعمار البرتغالي لجزر أزور والرأس الأخضر النهج ذاته. أصبحت هذه المستعمرات محطات اتصال مهمة للسفن المبحرة من الهند والأمريكتين. لم يكن البرتغاليون بلا منافس في هذه المستعمرات، إذ تنازعت البرتغال وإسبانيا على ملكية جزر الكناري، لكن معاهدة ألكافوكاس-توليدو عام 1479، ومعاهدة تورديسيلاس، أسستا لمنطقتي نفوذ أحاطتا بكامل الكوكب. لكن عدم وضوح هذه الاتفاقيات سبّب مشكلات لاحقة، مثل الخلاف حول حق البرتغال في اكتشافات مستقبلية في إفريقيا، وحق إسبانيا في ما وراء جزر الكناري. حددت هذه المصالح لاحقًا مستقبل الكاريبي وحتى الأمريكتين.
استغل البرتغاليون جزر شمال الأطلسي للوصول إلى الذهب في غرب إفريقيا، متجنبين الدول الإسلامية شمال إفريقيا. كان «رأس بوجادور» من العوائق المهمة إذ كان يمنع السفن من الذهاب جنوبًا ثم العودة إلى أوروبا. وضعت جزر الأطلسي مسارًا واضحًا بعيدًا عن الساحل الإفريقي، باستعمال الرياح والتيارات ومناطق الضغط العالي مثّل ذلك حلًا. استطاع البحارة البرتغاليون أن يبحروا بأمان، وكانت النتيجة انفتاح آسيا للسفن الأوروبية.
الإمبراطورية البرتغالية في غرب إفريقيا والعبودية
أسس البرتغاليون الراغبون في الوصول إلى تجارة الذهب والملح في غرب إفريقيا مستوطنات تجارية محصنة على طول الساحل الجنوبي -غانا حاليًا- مثل مستوطنة إلمينا عام 1482. أدت الأوبئة الاستوائية ونقص الأيدي العاملة وتردد الحكام المحليين في تصدير العبيد الذكور إلى محدودية الأرباح على الأقل في البداية. كان الحكام الأفارقة متحمسين لتجارة الأسلحة النارية، لكن البرتغاليين لم يمكنوهم منها. كانت الإستراتيجية الأنجح في جزر ساوتومي وبرينسيب، قرب الساحل الجنوبي لغرب إفريقيا، واستُعمرت منذ 1486. أصبحت الجزيرتان جزءًا من تجارة العبيد واستُعمل نموذج القبطانية للتنمية مثلما حصل في شمال الأطلسي.
رُخص للمستوطنين في الجزيرتين التجارة مع المجتمعات في غرب إفريقيا وأظهروا نجاحًا أكبر من المحاولات السابقة. تأسست مستوطنات في القارة بلغت حتى جنوب لواندا -أنغولا حاليًا- للاستفادة من التجارة المنظمة في إفريقيا، إذ نُقلت البضائع من الداخل عبر الأنهار الرئيسية في غامبيا والسنغال حتى الساحل. تضمنت البضائع الذهب والعاج والفلفل وشمع العسل والصمغ.
جُلب العبيد رجالًا ونساءًا من مملكتي الكونغو وبنين التي تحمس حكامها لتجارة البضائع الأوروبية مثل القطن والمرايا والخناجر والخرز الزجاجي. مثلت الجزر نقاط تجميع للعبيد وتزويد للسفن بالحمولة البشرية. واحد من كل خمسة من العبيد ماتوا على هذه السفن، واثنين من كل خمسة ماتوا من لحظة أسرهم حتى الوصول إلى وجهتهم. انتهت تجارة العبيد عبر الأطلسي في منتصف القرن التاسع عشر، لكن حتى بعد ذلك استمر جلب العبيد إلى جزر ساوتومي وبرينسيب حتى حُظر ذلك عام 1908. استُبدل بالعبيد العمال الأفارقة الذين أُعيدوا إلى موطنهم بعد سنوات، وكانت ظروف معيشتهم أفضل حالًا مقارنةً بمعاناة أسلافهم العبيد.
لم توجد محاولات كثيرة لغزو الأراضي غرب إفريقيا، إذ كانت التجارة مزدهرة ولم يكن لدى الأوروبيين الموارد لاتباع هذه السياسة. حُصنت بعض المستعمرات، لكن بإذن من زعماء القبائل المحليين. حصلت زيجات بين الأوروبيين والأفارقة المستوطنين في جزر مثل الرأس الأخضر، ونشأت ثقافة أفرو-برتغالية تأثرت كثيرًا بالديانات والفنون الإفريقية. غالبًا كان سكان الرأس الأخضر من هذا العرق المختلط الذي استوطن مراكز التجارة على الساحل الإفريقي.
حدثت محاولات لإقصاء الزعماء الأفارقة والحصول على العبيد مباشرةً من الداخل، لكن هذه السياسة أدت إلى تدهور العلاقات مع الكونغو. وتدهورت الأمور أكثر بعد ردة الفعل ضد المبشرين المسيحيين، إذ تأثرت النشاطات الثقافية التقليدية والولاءات القبلية. أُجبر الأوروبيون على الارتحال جنوب الساحل إلى منطقة ندونغو، إذ أدى تدخلهم إلى سلسلة من الحروب في منطقة ستُعرف لاحقًا بأنغولا البرتغالية.
الإمبراطورية البرتغالية في شرق إفريقيا
عام 1498 أبحر المستكشف البرتغالي فاسكو دي غاما (1469-1524) حول رأس الرجاء الصالح إلى المحيط الهندي، استطاع البرتغاليون الوصول إلى شبكة تجارة جديدة تضمنت الأفارقة والهنود والعرب. استمر ذلك قرونًا، لكن بعد مقدم البرتغاليين اتسمت التجارة بالعنف. استعمل البرتغاليون سفنًا ومدافع متفوقة لتفجير السفن المنافسة وأسر طاقمها أو قتلهم ومصادرة بضائعهم. ولأن أكثر التجار في تلك المناطق كانوا من المسلمين، مثّل ذلك دافعًا إضافيًا للأوروبيين لقتالهم، إذ كانوا ما زالوا متأثرين بأفكار الحروب الصليبية.
لم تجلب هجمات البرتغاليين على مدن التجارة المستقلة على ساحل شرق إفريقيا ومملكة موتابا جنوب زامبيا/زيمبابوي منافع واضحة، إذ انتقل التجار شمالًا أو تفادوا الهجمات. عندما استولى البرتغاليون وحصنوا مدنًا مثل ماليندي ومومباسا وبيمبا وسوفالا وكيلوا، اكتشفوا أنهم خسروا الشركاء التجاريين لهذه المدن. ثم أتى العمانيون راغبين في الحفاظ على طرق تجارتهم في البحر الأحمر وإعادة شبكات التجارة القديمة، فانتقلوا إلى ساحل شرق إفريقيا وسيطروا على مدن عديدة منها مومباسا البرتغالية عام 1698. أدى هذا التعثر إلى انتقال البرتغاليين جنوبًا إلى موزمبيق، وأصبحوا أكثر اهتمامًا بمنطقة مكتشفة حديثًا: الهند.
الإمبراطورية البرتغالية والهند والتوابل
كان أحد أهم أهداف فاسكو ديغاما إيجاد طريق بحري إلى آسيا، تتمكن عبره البرتغال من الوصول إلى تجارة التوابل المربحة. التوابل مثل الفلفل والزنجبيل والقرنفل وجوزة الطيب والقرفة كانت أسعارها مرتفعة في الأسواق من إنكلترا حتى الصين. وعندما وصل دي غاما إلى شاطئ مالابار في الهند وجد تجارةً مربحة. كانت مدينة كاليكوت معادية، لكن المزيد من البعثات البرتغالية توالت، وبدت مدينة كوتشين مبشرة أكثر. عُقدت صفقة مع الحاكم المحلي وشُيدت قلعة عام 1503، استقر البرتغاليون وبدؤوا بإدارة أعمال كبرى. لكن واجهتهم مشكلة كبيرة: عدد ضئيل من الناس كانوا مهتمين بالبضائع الأوروبية. انتهج البرتغاليون نفس استراتيجيتهم في ساحل شرق إفريقيا: استُعملت سفن ومدافع متفوقة للاستيلاء على شبكة التجارة في المحيط الهندي بالقوة واحتكار تجارة التوابل. مدن أخرى تأسست أو احتُلت، أهمها غوا التي حلت محل كوتشين عاصمةً لولاية الهند عام 1530.
كانت مدينة «غوا» مقرًا لنائب الملك البرتغالي، الذي يمثل قمة هرم السلطة الذي تأسس للتحكم في التجارة أساسًا. كان نائب الملك الحاكم العسكري والمدني للهند البرتغالية ومسؤولًا أمام ملك البرتغال مباشرةً. في لشبونة، نصح مجلس ما وراء البحار الملك في ما يخص شؤون المستعمرات، في حين كان «بيت الهند» الوكالة الملكية التي أشرفت على التواصل والتجارة في آسيا.
في غوا وغيرها من المستعمرات، تأسس مجلس يبت في الشؤون المحلية مثل الضرائب. أما الشؤون الدينية فيديرها كبير الأساقفة، وقدمت الإرساليات الخدمات الاجتماعية الأساسية للفقراء. أما الشؤون القانونية فكانت مسؤولية المحكمة العليا في غوا والمحاكم المحلية في المستعمرات. يقود القبطان القوات العسكرية التي تتخذ عادةً من قلعة مقرًا لها، وتُعد عاملًا مهمًا في التجارة الملكية وتحصيل الجمارك على الأنشطة التجارية، وطُبق هذا النموذج في أغلب المستعمرات.
قام البرتغاليون بمحاولات جدية لاحتكار تجارة التوابل بين آسيا وأوروبا، وفي آسيا ذاتها. لم تعد البحار مجالًا مفتوحًا، إذ اعتُقل التجار دون رخصة، وأُعدموا وصودرت ممتلكاتهم. وقُيدت بعض المواني وأجبرت السفن أن تحمل جوازات سفر برتغالية وتسافر في قوافل تحت حماية البرتغال. فُرضت الجمارك في المواني ومثلت 60% من دخل البرتغال في المشرق. تجنب ذلك كثير من التجار الأوروبيين، ودعمت بعض المدن المقاومة المسلحة، كانت الإمبراطورية البرتغالية شاسعة مقارنةً بالأيدي العاملة المتاحة، فلم تستطع حفظ النظام في أنحاء مجال التجارة الآسيوية. حدت هذه العوامل من طموح البرتغاليين لاحتكار التجارة مع نمو الإمبراطورية البرتغالية.
الإمبراطورية البرتغالية في الشرق الأقصى
استراتيجية أخرى اعتمدها البرتغاليون للتحكم في التجارة كانت إيجاد مصدر التوابل الثمينة. كثير من التوابل أتت من مجموعة جزر صغيرة في إندونيسيا، تُسمى جزر التوابل أو جزر «مالوكو». معظم التوابل الآتية من هذه الجزر نُقلت إلى ملقا في الساحل الجنوبي الغربي لشبه جزيرة الملايو، التي تحكمت في مضيق الملايو، الذي يربط بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي. استولى أسطول برتغالي بقيادة ألفونسو دي ألباكيركي (1453-1515)على ملقا عام 1511، وحصل على خشب الصندل من المستعمرات غير الرسمية في تيمور منذ 1512.
رغب البرتغاليون في الوصول إلى سوق الحرير الصيني المربح، فأسسوا ماكاو البرتغالية على شبه جزيرة في دلتا نهر اللؤلؤ جنوب الصين قرب غوانزو (كانتون). وتأسست مستعمرة ناكازاكي البرتغالية على الساحل الشمالي الغربي لجزيرة كيوشو اليابانية عام 1571، وسهّل ذلك الوصول إلى البضائع التجارية ومن أهمها الفضة. أبحرت السفن البرتغالية محملة بالبضائع بين لشبونة وملقا وغوا ومكاو وناكازاكي، مستعمرتهم في أقصى الشرق. طردت الحكومة اليابانية كل الغرباء من البر الرئيسي عام 1639 جزءًا من سياستها الانعزالية، وفي ردة فعل لانتشار المسيحية، فاضطر البرتغاليون للتخلي عن ناكازاكي.
الإمبراطورية البرتغالية في البرازيل
اكتشف البرتغاليون البرازيل عام 1500 وأصبحت أهم مستعمراتهم. كانت البرازيل غنية بالموارد الطبيعية كالأخشاب والألماس والذهب المستخرج من منطقة ميناس جيرايس. مُنحت القبطانيات وكانت ساو فيسينتي أول مستوطنة برتغالية عام 1532. عُين أول حاكم للبرازيل عام 1549 وأصبحت البرازيل مستعمرة رسمية تابعة للعرش. اختيرت «سلفادور دا باهيا» عاصمةً -استُبدل بها لاحقًا ريو دي جانيرو عام 1763- وعُين نائب الملك عام 1572.
اعتُمد نموذج المزارع الاستعماري والعاملين من العبيد الأفارقة والهنود الحمر على مقياس أكبر من أي مكان آخر، وأصبحت البرازيل أكبر مصدر للسكر ثم التبغ في العالم. وفي الربع الأول من القرن السابع عشر، جُلب 150 ألف من العبيد الأفارقة إلى أمريكا الجنوبية عبر الأطلسي. بعد استقلالها، حظرت البرازيل تجارة الرقيق عام 1853، ما وضع حدًا للتجارة عبر المحيط الأطلسي.
ضحية أخرى للاستعمار كانت الهنود الحمر في «توبي غواراني» الذين دُمرت ثقافتهم وقراهم تدميرًا ممنهجًا، ما أجبر الباقين منهم على الفرار إلى داخل الغابات المطيرة، ولم يعترف بهم رعايا أحرار للعرش البرتغالي حتى عام 1755.
في البرازيل، كان المجتمع الاستعماري متعدد الطبقات مثل أماكن أخرى. كان للأوروبيين المكانة الأعلى وكانوا يستعرضونها بالملابس الفاخرة وعدد الخدم والعبيد والجنود الذين يقودونهم. قسم الأوروبيون أنفسهم إلى ثلاث طبقات: الأوروبيون، والأوروبيون المولودون في المستعمرات، والأوروبيون من عرق مختلط، ووُجد عدد قليل من النساء الأوروبيات في أي مستعمرة.
وُجدت أربع طبقات قائمة على أساس الانتماء إلى النبلاء ورجال الدين والجيش وما سوى ذلك، ينقسمون بدورهم إلى متزوجين وغير متزوجين. كان هناك أيضًا الأوروبيون الزوار مثل التجار البحريين والتجار المحليين من مناطق أوسع. يليهم السكان المحليون وهم عادةً الأغلبية في أي مستعمرة، ويمكن تقسيمهم إلى رتب اجتماعية حسب عوامل منها اعتناقهم للمسيحية. وفي أدنى طبقة من المجتمع الاستعماري يوجد العبيد.
الإمبراطورية البرتغالية في جنوب إفريقيا
كانت منطقة أنغولا تحت الاستعمار البرتغالي منذ 1571، وأصبحت أول مستعمرة أوروبية إقليمية في إفريقية، خلافًا للمدن/الدول والمستوطنات الساحلية. انهارت مملكة «ندونغو» -تأسست عام 1500- بعد أن استُخدمت حليفًا ضد الكونغو في الشمال. كان لدى الأوروبيين ميزة الأسلحة النارية، وهكذا بدأت غزوات البرتغال الإقليمية، وكانت بداية مشؤومة لما سيحدث في إفريقيا في القرون التالية.
اختلط المستوطنون البرتغاليون بالشعوب المحلية في منطقة أنغولا وخلقوا مزيجًا عرقيًا يسمى «لوزو-إفريقي». المستوطنون وأحفادهم المستقرون في لواندا وعدة مستوطنات ساحلية، وجدوا صعوبةً في السيطرة على المناطق الداخلية من أنغولا حيث كانت مملكة موتابا الجديدة مزدهرة. تلا ذلك قرن من النزاع عُرف بالحروب الأنغولية، وأصبحت المستعمرة خيبة أمل للبرتغال، إذ وجدوا أن مناجم الفضة التي كثر الحديث عنها مجرد أسطورة. كانت الموارد محدودة، واتضح أن طموح نشر المسيحية كان مبالغًا فيه.
ازدهر حال بعض المستوطنين والتجار الذين حافظوا على استمرارية التجارة الأساسية للمستعمرة: العبيد. في أواخر القرن السادس عشر، صُدر نحو 10 آلاف عبد سنويًا من أنغولا، نُقلوا من لواندا إلى البرازيل وأماكن أخرى في الأمريكتين. أضرت تجارة العبيد بالمجتمعات في أنغولا، التي عانت أيضًا الجدري وغيره من الأمراض التي جلبها الأوروبيون.
على الجانب الآخر من جنوب إفريقيا، أسس البرتغاليون مستعمرة إقليمية أكبر: موزمبيق، وكانت تُسمى شرق إفريقيا البرتغالية في القرن التاسع عشر. قدم أول المستوطنين البرتغاليين إلى موزمبيق عام 1506، عندما تأسست قبطانية هناك. لم تكن موزمبيق غنية بالذهب كما كانوا يأملون، لكنهم وجدوا العاج والعبيد. أصبحت موزمبيق جزءًا من ولاية الهند منذ 1571، وبدأت سفن الكاراك بالتجارة مباشرة مع «غوا» جزءًا من الطريق المعروف بالمسار إلى الهند.
أما في الداخل فتطور نظام يعرف بالحد الأقصى، إذ منح الزعماءُ الأفارقة البرتغاليين والبرتغاليين/الأفارقة الأرض والجمارك وحقوق التجارة، ضمن ترتيب اعترف به العرش البرتغالي. بالمقابل عُين موظف للتحقق من سير العدالة في المنطقة، والإشراف على الطقوس التقليدية والموافقة على حكام القرى الأصغر في نطاق سيطرته. للحفاظ على مواقعهم، كان لهؤلاء الموظفين جيش خاص من الخدم الذين قد يصل عددهم إلى عدة آلاف. عام 1637 وُجد على الأقل 80 قسمًا، أكثرها يعمل باستقلالية عن الإدارة البرتغالية الضعيفة في العاصمة مابوتو.
ثم ترك العرش البرتغالي المستعمرة تستغلها الشركات الخاصة مثل شركة موزمبيق وشركة «نياسا». وضع ضعف الإدارة المركزية ونجاح البريطانيين جنوب إفريقيا حدًا لحلم الربط بين المستعمرتين الإفريقيتين أنغولا وموزمبيق.
الإمبراطورية البرتغالية: الانحدار ونهاية الاستعمار والإرث
إضافةً إلى التهديد القائم من الحكام المحليين، واجه البرتغاليون منافسة شديدة من القوى البحرية الأوروبية الأخرى التي بدأت تراقب الإمبراطورية بطمع. أضف إلى ذلك التهاون في صيانة الحصون البرتغالية وانعزال المدن الساحلية المتفرقة التي لم يدعمها السكان المحليون. هاجم القراصنة الإنجليز والفرنسيون السفن البرتغالية عبر البحار. تهديد رئيسي آخر تمثل في المستكشف البرتغالي فرديناند ماجلان (1480-1521) الذي كان في خدمة إسبانيا (1519-1522) وأبحر حول الطرف الجنوبي لأمريكا الجنوبية واكتشف طريقًا بحريًا عبر المحيط الهادي إلى شرق آسيا. أبحرت البعثة حول الكوكب، وكان الوصول إلى تجارة التوابل منافسةً مصيرية. اتبعت بلدان أوروبية أخرى خطى ماجلان وتوارت آمال البرتغاليين في احتكار التجارة شرقًا.
التهديد الأكبر كان من الهولنديين، الذين هاجموا موزمبيق في العقد الأول من القرن السابع عشر، ثم مكاو عام 1622، وأنغولا عام 1641. في عشرينيات وثلاثينيات القرن السابع عشر، هاجم الهولنديون واحتلوا أجزاءً من شمال البرازيل. واستولوا على ملقا عام 1641 وكولومبو عام 1656 وكوتشين عام 1663. وتنامى التهديد البريطاني إذ ساعدوا العرب على استعادة مضيق هرمز عام 1622.
في القرن 18 أُجبر البرتغاليون في البرازيل على منح حقوق تجارة مرضية للقوى البحرية الأكثر تفوقًا مثل بريطانيا وفرنسا وهولندا. واحتل البريطانيون غوا من 1799 إلى 1815. وُجدت تهديدات أخرى داخلية، ففي البرازيل أراد الناس حقوقًا متساوية لكل المواطنين وحصلوا على الاستقلال عام 1822. ثم أعلنوا بيدرو الأول (1822-1831) أول إمبراطور للبرازيل. كان بيدرو ابن جواو السادس ملك البرتغال (1816-1826) وحافظ البَلدان على صلة وثيقة منذ ذلك الحين.
مع حلول القرن العشرين، خسرت البرتغال العديد من مستعمراتها لصالح القوى المنافسة أو بسبب الحروب الداخلية. ومن بين تلك المستعمرات بقيت ماديرا وجزر أزور مناطق حكم ذاتي تابعة للبرتغال، وأصبحت غوا جزءًا من الهند عام 1962. الحكومة البرتغالية التي كانت في ذلك الوقت ديكتاتورية عسكرية تحت حكم أنطونيو دي أوليفيرا سالازار (1932-1968) ظلت متمسكة بمقاومة حركات الاستقلال الإفريقية، واندلعت حروب دامية في أنغولا وموزمبيق. نالت جزر الرأس الأخضر وساوتومي وبرينسيب وشرق تيمور وأنغولا وموزمبيق الاستقلال من البرتغال عام 1975، واستعادت الصين مكاو عام 1999.
جلبت الإمبراطورية البرتغالية الاستعمارية العديد من الكوارث للسكان الأصليين: العبودية والحروب وتعطيل شبكات التجارة، ومحاربة الثقافة التقليدية، وإزالة الغابات، والأوبئة وغيرها. من النتائج الأخرى هيمنة اللغة البرتغالية والديانة الكاثوليكية في العديد من أنحاء العالم اليوم. تسبب البرتغاليون كذلك في نشر النباتات والحيوانات حول العالم، أدى ذلك أحيانًا إلى تأثيرات كارثية على النظام البيئي المحلي، وأيضًا بعض النجاحات في الزراعة مثل انتشار محاصيل الذرة وقصب السكر وغيرها، في أماكن جديدة تمامًا. أخيرًا، كان البرتغاليون أول من بنى إمبراطورية عالمية بالفعل عبر عدة قارات وإن كانت متفرقة ومتزعزعة. ربما كان إرثهم الأهم إدراك القوى الأوروبية الأخرى إمكانيات الإمبريالية وشروعهم في استغلال الشعوب حول العالم إلى درجة أكبر، إذ لم يعد الاستعمار متعلقًا بالتحكم في التجارة فقط، بل التحكم في الأراضي والموارد والشعوب.
اقرأ أيضًا:
الإمبراطورية الرومانية: كل ما تود معرفته
الإمبراطورية البيزنطية
ترجمة: زياد نصر
تدقيق: أكرم محيي الدين
#كل #ما #تود #معرفته #عن #الإمبراطورية #البرتغالية