وقيل عن حَجِّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فإنَّه قد حَجَّ خمسة وعشرين حجَّةً ماشياً على قدميه ، وكان ( عليه السلام ) يقول : ( إني لأستحي من ربي أن ألقاهُ ولَمْ أمشِ إلى بيته ) و قد استغرق الوقت في إحدى سفراته إلى البيت عشرين يوما .
و حج (عليه السلام) على ناقته عشرين حجة و كان يرفق بها كثيرا و يقول المؤرخون: أنه ما قرعها بسوط و قال إبراهيم بن علي: حججت مع علي بن الحسين فتلكأت ناقته فأشار إليها بالقضيب ثم رد يده و قال: آه من القصاص و تلكأت عليه مرة أخرى بين جبال رضوى فأراها القضيب و قال: لتنطلقن أو لأفعلن ثم ركبها فانطلقت لقد سمت نفسه إلى هذا المستوى من الرحمة و الرأفة و الرفق بالحيوان فلم يقرع ناقته بسوط و لم يفزعها و يرى أن الاعتداء على الحيوان يتبعه قصاص و مسؤولية في دار الآخرة.
كان الإمام (عليه السلام) إذا أراد السفر إلى بيت اللّه الحرام احتف به القراء و العلماء لأنهم كانوا يكتسبون منه العلوم و المعارف و الحكم و الآداب يقول سعيد بن المسيب أن القراء كانوا لا يخرجون إلى مكة حتى يخرج علي بن الحسين فخرج و خرجنا معه ألف راكب و كانوا يتعلمون منه مسائل الحج و أحكام الدين و سائر شؤون الشريعة الإسلامية إذ لم يكن في عصره من هو أعلم منه بأحكام الكتاب و السنة .
كان الإمام (عليه السلام) يستعد أحسن استعداد و أكمله في سفره إلى الحج أو العمرة فكان يتزود من أطيب الزاد و أثمره من اللوز و السكر و السويق المحمض و المحلى و قد صنعت له في إحدى سفراته أخته السيدة الزكية سكينة زادا نفيسا انفقت عليه ألف درهم إلا أنه لما كان بظهر الحرة أمر بتوزيعه على الفقراء و المساكين فوزع عليهم ؛ إذا انتهى الإمام إلى احدى المواقيت التي يحرم منها كمسجد الشجرة الذي هو ميقات المدنيين و من يجتاز عليه فيأخذ بعمل سنن الاحرام من الغسل و غيره و إذا اراد التلبية عند عقد الإحرام اصفر لونه و اضطرب و لم يستطع أن يلبي فقيل له: ما لك لا تلبي؟ .
فيقول: و قد أخذته الرعدة و الفزع من اللّه: أخشى أن أقول: لبيك فيقال لي: لا لبيك .
و إذا لبى غشي عليه من كثرة خوفه من اللّه و يسقط من راحلته و لا يزال تعتريه هذه الحالة حتى يقضي حجه و روى مالك أن زين العابدين لما أراد أن يقول: لبيك أغمي عليه حتى سقط من ناقته فهشم لقد عرف اللّه معرفة كاملة فهام بحبه و فزع من عقابه و اتجه نحوه بمشاعره و عواطفه شأنه في ذلك شأن آبائه الذين هم سادة المتقين و المنيبين إلى اللّه.