المحتويات
لماذا انتشر اللهو والمجون في العصر العباسي
من أسباب اللّهو والمجون في العصر العباسي
تأثر العرب بالفرس الذين وسع نفوذهم فى الدولة، ولقد عرف الفرس بحبهم لحياة البذخ، فقلدهم العرب فى احتفالاتهم وفى لبسهم ومظهرهم
ميل بعض الحكام إلى حياة اللهو والبذخ
حب الشعب للغناء، أدى إلى رغبتهم فى اقتناء الجوارى لتعليمهم الغناء، مما أدى إلى انتشار الجوارى .
تطورت وسائل الأدب ومعانيه بسبب الانفتاح على الشعوب الأخرى، وانتشار الجوارى الذى أدى إلى فتح مجالات جديدة فى الأدب كالأشعار الرقيقة
كان لظهور الجوارى دوراً كبيراً فى انتشار المجون واللهو، بسبب اتقانهم للغناء وقيامهم بحفلات لهو ومجون
تعريف غرض اللّهو و المجون
ومن أسباب اللهو التي فتن بها الخلفاء (الصيد) وهو عادة قديمة عند العرب ،ومن الخلفاء الذين أولعوا به المهدي حيث يقول في ذلك أبو دلامة:
– قد رمى المهدي ظبياً شكّ بالسهم فؤاده
– وعــــليّ بـــن سليمـا ن رمى كلباً فصاده
ومن الملاهي ألعاب كثيرة مثل سباق الخيل والحمام الزاجل والصولجان والشطرنج .
وكان للعامة ملاهيهم وفي مقدمتها الفرجة على القرادين ، وكانوا يجتمعون حول قصّاص يطرفونهم بحكايات خيالية .
كما أولع العامة والخاصة بفن الغناء الذي بلغ ذروته في ذلك العصر حيث اعتبروه مصدر ابتهاجهم وسعادتهم.
المجون:
ورث المجتمع العباسي كل ما كان في المجتمع الساساني الفارسي من أدوات لهو ومجون وساعد على ذلك ما دفعت إليه الثورة العباسية من حرية مسرفة ،حتى أن الإدمان على شرب الخمرة أصبح ظاهرة عامة على الرغم من أن القرآن نهى عنها ،
وكان من أسباب انتشارها اجتهاد بعض فقهاء العراق إلى تحليل بعض الأنبذة كنبيذ التمر والزبيب المطبوخ فشربها الخلفاء والناس .
ومن المعروف أن المهدي أول خليفة عباسي أغري بالخمر ولحقه الرشيد ومن بعده .
وقد تفنن الشعراء في وصف نشوتها وآثارها في الجسد والعقل ووصف دنانها وكؤوسها ومجالسها وندمانها وسقاتها
وكانوا عادة من النصارى والمجوس واليهود …، وفي ذلك يقول
أبو نواس ( خمريته ) :
– ودار ندامى عطّلوها وأدلجوا بها أثر منهم جديد ودارس
– تُدار علينا الرّاح في عسجدية حبتها بألوان التصاوير فارس
– فللخمر ما زرّت عليه جيوبها وللماء ما دارت عليه القلانس
ومنذ أول العصر نجد الخمر تقترن بالغناء والرقص ،إذ تحول المُقينون في كرخ بغداد والبصرة والكوفة بدورهم إلى حانات كبيرة للشرب ،
وكان الشعراء يؤمونها للشراب على غناء القيان وضرب الطبول والدفوف ، وكانت البساتين في ضواحي بغداد تمتلئ بالحانات ،
وكذلك الأديرة كانت تقدم لروادها الخمر المعتقة وقد استحالت قاعات شرابها إلى مجتمعات لطلب الخمر والمجون وكانت متناثرة في ضواحي بغداد ،
ونرى الشعراء الماجنين يذكرون سكرها ونشوتها ورهبانها من مثل قول أبي نواس :
– يا دير حنّة من ذات الأُكيراح من يصحُ عنك فإني لست بالصاحي
– رأيتُ فيك ظباء لا قرون لها يلعـبن منـا بألــبــاب وأرواح
وكثير من دور الشعراء أنفسهم في بغداد تحولت إلى مقاصف للهو والعبث على نحو دار بشار وأبي نواس.
وكان هناك أيام على مدار السنة يخرجون فيها للهو والمجون وهي أيام الأعياد للفرس والنصارى والإسلام ،
وقد قال والبة بن الحباب في عيد هرمزد إله الخير الفارسي:
– قد قابلتنا الكؤوس ودابرتنا النحوس
– واليوم هرمزد روزٍ قد عظمته المجوس
وكذلك عيد النيروز وهو عيد الربيع وفيه يقول أبو نواس:
– أما ترى الشمس حلّت الحمل وقام وزن الزمان فاعــتــدلا
– وغنّت الطير بعد عجمتهـــــا واستوفت الخمر حولها كمـــــلا
– فاشرب على جدّ الزمان فقد أصبح وجه الزمان مقـــــتبلا
تيار اللهو والمجون
ظل كثيرون من الشعراء ينغمسون في اللهو والمجون كما انغمس أسلافهم في العصر الماضي وكان بعض هذا الانغماس يرجع إلى تحلل في الأخلاق يرجع إلى الهروب من الحياة والتخفيف من أعبائها الثقيلة
وساعد على ذلك اختلال في الموازين وفساد في القيم شاعا في حياة الدولة وحياة الناس وكان الشك يتسلط على نفوس الكثيرين وكان الكرخ مليئا بالحانات وبدور النخاسين والشعراء المجان يغدون ويروحون ليل نهار فكانت البساتين حول سامراء وبغداد تمتلئ بحانات الخمر والسماع
وبدأ الشعراء والناس يختلفون إليها وقد يختلون بأنفسهم إلى زاوية بستان ويتخذون منها لأنفسهم حانة يشربون فيها على أزهار الرياض وأبصارهم تمتلئ بجمال الجواري وأذانهم تتمتع بالسماع كما هو الحال عند شاعرنا البحتري حيث قال:
اشرب على زهر الرياض يشوبه زهر الخدود وزهرة الصهباء
من قهوة تغشي الهموم وتبعث ال شوق الذي قد ضل في الأحشاء
كما نظر الشعراء إلى الدنيا نظرة عابثة فلم يرى فيها إلا جانب اللذة والمتعة ومن هؤلاء الشعراء
بشار بن برد الذي كان شديد الولوع بمتع الحب يسعى إليها بإلحاف ويتلف ماله في سبيله
فيتناول وصف مجلس من مجالس الغناء التي شاعت عصره
فلا يرى من المجالس إلا جمال المغنية وسحر صوتها فهي كالبدر صورة و كالشمس سطوعا فيقول :
وذات دل كأن البدر صورتها باتت تغني عميد القلب نشوانا
وبهذا يوضح لنا الشاعر جمال المغنية التي كالبدر في جمالها وحسن صوتها وقد اختار الشاعر إطاراً ناجحاً لقصيدته إذ يبنيها على قصيدة لجرير يضمنها أبياته ويقيم حواراً بينه وبين المغنية فتندمج القصيدتان معاً في تركيب غريب لا يخلو من تجديد وطرافة حتى ليصعب على القارئ أن يميز بين المقتبس والمبتدع , فيقول جرير :
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانـــــا
يا حبذا جبل الريان من جبل وحبذا ساكن الريان من كانا
وهنا يصف لنا جرير جمال عيون المحبوبة السوداوين اللتين قتلتاه بجمالها الأخاذ ويصف مكان سكنها الذي هو أحب إليه من أي مكان آخر
وأيضاً من الشعراء من وقفوا على الأطلال المهجورة
وكان أبو نواس من الذين اتخذوا من الأطلال مجلس لهو له فيقف عليها ويذكر مجالس لهوه فيها بقوله:
ودار ندامى عطّلوها و أدلجوا بها أثر منهم :جــديد ودارس
فللخمر ما زرت عليه جيوبهــا وللماء ما دارت عليه القلانس
وفي بعض البلاد قد حوّلوا الأديرة إلى دور للخمر واللهو والمجون
وأكثروا من التغني بها ووصفوا متاعهم بخمورها ونشوتها وسقاتها من الرهبان والراهبات
وبذلك يذكر ابن المعتز لياليه بالمطيرة إحدى خمّارات سامراء بالكرخ وحاناته وبدير السوسى وراهباته فيقول:
يا ليالـــي بالــمــطـيرة والـكر خ ودير السوسى بالله عودي
كنت عندي أنموذجات من الجن ة لــكـنـها بــغـيـر خـلــود
وبهذه الأبيات يصف لنا تلك الليالي التي كان يقضيها بدير السوسى
ويرجو الله أن تعود ثانية فإنها كانت عنده كالجنة لكنها بغير باقية ولا خالدة .