المحتويات
ماذا فعل الأتراك في الجنوب
يتساءل كثير من الأفراد حول فعل الأتراك في الجنوب ومناطق الجنوب تشمل عدة أعراق تركية ، وهي منطقة نادرة جداً حول العالم تجتمع في عوامل الوفاق حيث أن عائلاتهم تعود إلى عرق واحد وأصلهم من العرب ويعتنقون الديانة الإسلامية، ولا يوجد بينهم عروق تركية ، وبقايا الأتراك في عسير، قامت الدولة العثمانية بالاستيلاء على مناطق شبه الجزيرة العربية وبشكل خاص على مدينة عسير منذ العصور القديمة، حيث قام الجيش العثماني بارتكاب العديد من الجرائم في المناطق التي استولى عليها، ولكنه في نهاية الأمر غادر المنطقة مهزوماً بفضل قوة وشجاعة رجالها والوقوف بجانب بعضهم البعض من أجل المحافظة على الوحدة وصلات القرابة التي تجمعهم.
القبائل التي حاربت الاتراك
تعتبر قبيلة زهران من القبائل التي حاربت الدولة العثمانية لمدة أربعة مرات في عصر الدولة السعودية الأولى، حيث كان قائدها بخروش بن علاس، وقد ساعدهم في هزيمة العثمانيين جبال الحجاز لأنها تحتوي على مداخل عسيرة جداً، وفي النهاية انتصرت القبيلة على الغزو العثماني أثناء القرن الثالث عشر الهجري.
بعد انقضاء موسم الحج وعودة سعود الكبير إلى الدرعية، قام الشريف غالب بن مساعد بمراسلة قوات محمد علي باشا عارضا عليهم تسليم جدة ومكة دون قتال؛ عندها وقع بعبدالله بن سعود الكبير ما أوحشه من الشريف غالب بن مساعد وأحس بغدر الأخير، فاستظهر جنوده المخلصين له بمكة وعجلوا بالخروج منها. عندها قام إمام الدولة السعودية سعود الكبير بتجريد حملتين إحداهما بقيادة ابنه فيصل بن سعود الكبير لدعم المرابطين جهة مكة الذين جَدَّ الشريف غالب في طلبهم، والذين تنقلوا بين العبيلاء والطائف (دخلها أتباع الشريف في شهر صفر) ورَنْيَة واستقروا بتْرُبَة. والأُخْرى خرج هو على رأسها من عشرين ألفاً في آخر ربيع سنة 1228هـ/1813م قاصداً جهة المدينة المنورة لمعاقبة القبائل التي غدرت به ولمحاولة قطع الطريق بين المدينة المنورة والإمدادات القادمة من ناحية مصر، فنزل الحِنَاكِية شرق المدينة المنورة وهزم حامية طوسون باشا فيها واستردها، ثم سار منها حتى بلغ جبل أحد، فأغارت عليه الخيالة العثمانية وحاولت استدراجه لأسوار المدينة المنورة وعليها أحمد بونابرت فلم تفلح، وواصل مهاجمة القبائل التي غدرت به حتى بلغ الصفراء فأحرق نخيلها، ثم سار في الحرة ونزل على أهل بلدة السوارقية فهزمهم وقطع نخيلهم. في تلك الأثناء، وفي شهر شعبان، اكتمل جمع طوسون باشا ومصطفى بيك مع الشريف غالب في مكة بعد أن وصلت السفن العثمانية جدة الساحلية من ناحية مصر محملة بالمؤن الكبيرة. خرج مصطفى بيك لاحقاً قاصداً تْرُبَة شرق الطائف؛ البلدة المحصنة التي استقر فيها المرابطة من أتباع الدرعية بعد خروجهم من مكة والتي قصدها فيصل بن سعود الكبير لدعم من استعصم بها. فحاصرها مصطفى بيك لثلاثة أيام وأخذ في ضربها بالمدافع حتى أقبل مدد من أهل بِيْشَة وغيرهم لفك الحصار، فناوشوا قواته حتى أوقعوها في أحد الكمائن وكسروها. ففر مصطفى بيك أخيرا إلى الطائف واحتمى بها. أرسل طوسون باشا إلى أبيه لاحقاً، يخبره بأمر هزيمة قواتهم في تْرُبَة، وأنه يجهل مصير الحامية في الحِنَاكِية لسيطرة سعود الكبير بن عبدالعزيز على الطرق الموصلة لها، وأنه خشي أن تنكث العربان عهودها، وتنقلب عليه. وألح على أبيه في سرعة إرسال نجدة إليه. لذا، قرر محمد علي باشا أن يتولى قيادة قواته بنفسه وسار إلى الحجاز سنة 1228هـ/1813م.
بلغت خسائر الحملة العثمانية في دورها الأول على الحجاز نحو ثمانية آلاف مقاتل نظامي، كما خسرت من مؤونتها نحو خمسة وعشرين ألف رأس من الماشية، وكلفت الحملة إلى ذلك الحين 35 مليون فرنك. في حين خسرت الدولة السعودية مناطق مهمة في الحجاز، مثل: وادي الصفراء الإستراتيجي، والطائف، وميناء جدة، وفقدت الحرمين الشريفين. كما خسرت في أقصى جنوبها الشرقي أجزاء كبيرة من عمان، إثر مقتل قائدها هناك، مطلق بن محمد المطيري، والذي قتل في بلدة الواصل عقب ثورة اندلعت أثناء انشغال الدرعية بأحداث الحجاز، كما فشلت الحملة التي بعثها إمامها سعود الكبير بقيادة عبد الله بن مزروع التميمي لوقف التراجع على الجبهة العمانية سنة 1813م، كما توفي أبرز حلفائها الشيخ حميد بن ناصر الغافري العماني، مما دفع بقواتها للتحصن في البريمي حتى سنة 1233هـ/1818م. خسرت الدولة السعودية أيضا عاملها على الحجاز، عثمان بن عبد الرحمن العدواني، حيث غُدِر به وأُسِر من قِبَل بعض العربان الذين نجح طوسون باشا في استمالتهم بالأموال قرب العبيلاء، وبتدبير الشريف غالب، فَسُلم للقوات العثمانية، وأُرْسل إلى القاهرة ومنها إلى الأستانة. وقد روى عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ المصري المعاصر لتلك الحقبة قصته، بقوله: «كان أعظم أعوانهم وهو الذي كان يحارب لهم ويقاتل ويجمع قبائل العربان ويدعوهم عدة سنين ويوجه السرايا على المخالفين ونما أمره واشتهر لذلك ذكره في الأقطار»، إلى أن قال: «واستهل شهر ذي القعدة بيوم الثلاثاء سنة 1228 وفي خامس عشره، وصل عثمان.. صحبة المتسفرين معه إلى الريدانية آخر الليل، وأشيع ذلك، فلما طلعت الشمس ضربوا مدافع من القلعة إعلاما وسروراً بوصوله أسيراً، وركب صالح بيك السلحدار في عدة كبيرة، وخرجوا لملاقاته، وإحضاره، فلما واجهه صالح بيك نزع من عنقه الحديد، وأركبه هجيناً، ودخل به إلى المدينة وأمامه الجاويشية والقواسة الأتراك، وبأيديهم العصي المفضضة، وخلفه صالح بيك وطوائفه، وطلعوا به إلى القلعة، وأدخله إلى مجلس كتخدا بيك وصحبه حسن باشا وطاهر باشا وباقي أعيانهم، ونجيب أفندي قبي كتخدا الباشا ووكيله بباب الدولة، وكان متأخرا عن السفر، ينتظر قدوم المضايفي -عثمان- ليأخذه بصحبته إلى دار السلطنة، فلما دخل عليهم أجلسوه معهم فحدثوه ساعة، وهو يجيبهم من جنس كلامهم بأحسن خطاب، وأفصح جواب، وفيه سكون وتؤدة في الخطاب، وظاهر عليه آثار الإمارة والحشمة والنجابة، ومعرفة مواقع الكلام، حتى قال الجماعة لبعضهم البعض: «يا أسفاً على مثل هذا، إذا ذهب إلى إسلامبول يقتلونه»، ولم يزل يتحدث معهم حصة، ثم أحضروا الطعام فواكلهم، ثم أخذه كتخدا بيك إلى منزله، فأقام عنده مكرماً ثلاثة حتى تمم نجيب أفندي أشغاله، فأركبوه وتوجهوا به إلى بولاق، وأنزلوه في السفينة مع نجيب أفندي، ووضعوا في عنقه الجنزير وانحدروا طالبين الديار الرومية، وذلك يوم الإثنين حادي عشرينه».
معركة القُنْفُذَة
وفي الحادي عشر من جُمَادى الأولى سنة 1229هـ/الأَوَّل من مايو سنة 1814م، مات إمام الدولة السعودية سعود الكبير بن عبدالعزيز بالدرعية، بعلة أصابته في بطنه، أثناء استعداده للمسير إلى الحجاز، ولاستنفار قواته هُنَاكْ. في حين سير محمد علي باشا بعض قواته بحراً، يرادفهم قوات على البر نحو بلدة القُنْفُذَة، فدخلوها واستولوا عليها. ما إن علم عامل الدولة السعودية على عسير، طامي بن شعيب المتحمي، بما جرى ببلدة القُنْفُذَة، حتى حرف وجهته لها؛ إذ كان في طريقه إلى الحجاز للتجمع مع القوات المرابطة بتْرُبَة وللهجوم على مكة. فسار بالقوات ناحية القُنْفُذَة، وقطع آبار الماء عنها، ووقعت معارك كبيرة على بوابة البلدة، فدخلها طامي واستردها. روى ابن بِشر عن نتيجة معركة القُنْفُذَة، ما نصه: «فالتقى الفريقان وحصل قتال شديد ونصر الله المسلمين، فانهزمت العساكر المصرية وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأخذوا سلاحاً كثيراً ومدافعهم وأمتعتهم، وانهزم شريدهم ومن كان منهم في السفن، وهربوا إلى مكة وجدة»؛ كما أسهب في وصف تسيير محمد علي باشا قواته نحوها وأحداثها في قوله: «فأرسل تلك العساكر براً وبحراً، فسير في البحر أكثر من أربعين سفينة وبندروا عند القنفذة وعساكر تبرا لهم في البر.. وكان أمير عسير وتهامة طامي بن شعيب قد سار بجميع الشوكة من رعيته وتوجه إلى الحجاز، فلما بلغه استيلاء الترك على القنفذة حرف جيوشه إليهم وقصدهم فيها، ومعه أكثر من ثمانية آلاف مقاتل، فنازلهم فيها ووقع قتال شديد فنصر الله طامي ومن معه.. وأخذوا المحطة وما فيها. ومن خيلهم نحو خمسمائة. وغنموا من الركاب والمتاع والسلاح والأزواد ما لا يبلغه العدّ حتى قيل إن الخيام التي أخذوا تزيد على الألف، وانهزم شريدهم في السفن. وذلك أنهم لما انهزموا تركوا المحطة وجنبوها وتوجهوا إلى السفن وركبوها».
في حين أرخها عبدالرحمن الجبرتي، المؤرخ المصري في تاريخه، بقوله: «وصلت القافلة من ناحية السويس، وأخبر الواصلون عن واقعة قنفذة، وما حصل بها بعد دخول العسكر إليها، وذلك أنهم لما ركبوا عليها برا وبحرا وكبيرهم محو بيك، وزعيم أوغلي، وشريف آغا، فوجدوها خالية، فطلعوا إليها وملكوها من غير ممانع ولا مدافع، وليس بها غير أهلها.. فقتلوهم وقَطَّعوا آذانهم، وأرسلوها إلى مصر ليرسلوها إلى إسلامبول، وعندما علم العربان بمجيء الأتراك خلوا منها، ويقال لهم عرب العسير، وترافعوا عنها.. فلما استقر بها الأتراك ومضى عليهم بها نحو ثمانية أيام رجعوا عليهم وأحاطوا بهم، ومنعوهم الماء، فعند ذلك ركبوا عليهم وحاربوهم، فانهزموا وقتل الكثير منهم، ونجا محو بيك بنفسه في سبعة أنفار وكذلك زعيم أوغلي وشريف آغا، فنزلوا في سفينة وهربوا»؛ كما روى عن تسيير محمد علي باشا بعض قواته براً لنجدتهم في قوله: «فغضب الباشا، وقد كان أرسل لهم نجدة من الشفاسية الخيالة، فحاربهم العرب، ورجعوا منهزمين من ناحية البر».
وفي هذا الشهر أيضا، كان أكبر أبناء سعود الكبير وولي عهده، عبدالله، على رأس حملة بعثه فيها والده قَبْل موته لمحاربة بعض أهل البوادي الذين نجح طوسون باشا في استمالتهم بالهدايا والأموال جهة المدينة المنورة، وكان في مرافقته الشيخ علي بن محمد بن عبدالوهاب. روى ابن بِشر عن وصول الأنباء لعبد الله أثناء عودته من تلك الغارة، وأثناء وقوفه عند ماء الخانوقة في عالية نجد للمبيت ليلاً، ومبايعته إماماً، ما نصه: «فلما وصل إلى الماء الخانوقة.. بلغه وفاة أبيه سعود رحمه الله وهو نازل عليها عشاء، فلم يشعر المسلمون بذلك حتى قرأ بهم علي ابن الشيخ صلاة الفجر، بسورة الحمد والمنافقين، فلما بلغ قوله تعالى: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) فهم بعض الناس من لفظه بالآية وفاة الإمام لأنهم يعلمون أنه مريض، فلما فرغ من الصلاة قام علي في الناس، ووعظهم موعظة بليغة وعزاهم واستشهد بهذه الآية وأورد عليها كلام العلماء والمفسرين فانتحب الناس بالبكاء، ثم قاموا وبايعوا عبدالله على دين الله ورسوله والسمع والطاعة».
روى بركهارت عن تصدع الدولة السعودية بعد موت سعود الكبير، وتَبَوُّء ابنه الأكبر مكانه، ما نصه: «عبدالله ابنه الأكبر، الذي أطاعه قادة الوهابيين في حياة أبيه سعود، أصبح وريثاً للسلطة العليا.. وكان عبدالله يحظى بدعم جماعة قوية من علماء الدرعية.. فيما يتعلق بالشجاعة والمهارة في الحرب، فقد تجاوزت سمعته سمعة أبيه، لكنه لم يكن يعرف جيداً كيفية إدارة المصالح السياسية للقبائل التي تحت قيادته مثلما كان يفعل سعود؛ والتي بدأ زعماءها الكبار يمارسون بعض أجواء الاستقلال.. الوهابيين الجنوبيين، الذين كانوا الآن أكثر عرضة للهجمات، لم يجدوا دعماً من القبائل الشمالية، والتي كان من الممكن أن يساعدهم فرسانها بشكل جوهري».