المحتويات
ما هي الحروب التي شارك فيها الامام الحسن مع ابيه
الإمام الحسن (عليه السلام) في حروب أمير المؤمنين (عليه السلام) :
شارك الإمام الحسن (عليه السلام) وأخوه الإمام الحسين (عليه السلام) أباهما أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع حروبه التي خاضها حين استلم الخلافة، وكان للإمام الحسن (عليه السلام) دور كبير في حثّ المجاهدين ودرء الفتن والخلافات بينهم، وقد أبلى (عليه السلام) في هذه الحروب بلاءً حسناً، وأبدى شجاعة لا نظير لها سوى شجاعة أبيه وأخيه.
1- ففي حرب الجمل دعا الإمام علي (عليه السلام) محمد بن الحنفية، فأعطاه رمحه وقال له: ” اقصد بهذا الرمح قصد الجمل، فذهب فمنعوه بنو ضبّة، فلما رجع إلى والده انتزع الحسن (عليه السلام) رمحه من يده، وقصد الجمل، وطعنه برمحه، ورجع إلى والده وعلى رمحه أثر الدم، فتمغّر وجه محمّد من ذلك، فقال أمير المؤمنين لا تأنف ؛ فإنّه ابن النبيّ وأنت ابن علي”[1].
2- وفي نهج البلاغة، وصفٌ للإمام الحسن (عليه السلام) في حرب صفّين يقتحم الأخطار، ففيه أنّ الإمام علي (عليه السلام) رأى ولده الإمام الحسن (عليه السلام) في بعض حرب صفّين ” يتسرَّع [ أويتشرَّع ] إلى الحرب، فقال: ” املكوا عنّي هذا الغلام، لا يهدّني؛ فإنّي أنفس بهذين – يعني الحسن والحسين (عليهما السلام) – على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)”.
ومعنى يتسرّع أي يخوض الحرب بسرعة، أمّا يتشرّع،ـ فلعلّها من الشروع في الحرب بهيئة ظاهرة في القوة كشراع السفينة التي يسرِّع في مسيرها بذلك المظهر المهيب.
وقوله (عليه السلام): ” املكوا عنّي هذا الغلام “، أي شدّوه واضبطوه[2]، وهذا يدلّ على مدى القوّة التي أظهرها الإمام الحسن (عليه السلام) في اندفاعه نحو الحرب، وتعليل الإمام علي (عليه السلام): ” لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله …”. ينطلق من حرصه على بقاء الإمامة التي تتمثّل بالمعصومَيْن من الجيل الأول اللذين من خلالهما يحفظ الإسلام.
ولذا ورد أنّ الإمام علي (عليه السلام) في معركة الجمل قال لولده محمد بن الحنفيّة : أي بني، خذ الراية، فابتدر الحسن والحسين ليأخذاها، فأخّرهما عنها [3].
3 – وكان الإمام الحسن (عليه السلام) معتمداً لدى أمير المؤمنين (عليه السلام) في المهمّات الصعبة، فكان رسوله إلى عثمان حينما انتفض الناس عليه، وكان مبعوثه إلى الكوفة حينما كان أبو موسى الأشعري يؤلّب الناس على أمير المؤمنين (عليه السلام)، فوصل الإمام الحسن (عليه السلام) إليها، وقام بعزل الأشعري، واستنهض الناس، ورجع إلى أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعشرة آلاف مقاتل.[4]
4- وسجّل لنا التاريخ خُطباً جهادية للإمام الحسن (عليه السلام) في حروب أمير المؤمنين (عليه السلام)، تبيِّن مدى شجاعته وإقدامه، وقوّة موقفه، وصلابيته، ومن تلك الخطب:
1- خطبته عليه السلام في استنفار أهل الكوفة إلى معركة الجمل :
رُوي أنَّ عليَّاً (عليه السلام) بعث إلى الكوفة الحسن ابنه (عليه السلام) وبعض أصحابه، ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة. فلما دخل الحسن (عليه السلام) وعمار الكوفة، اجتمع اليهما الناس، فقام الحسن (عليه السلام)، فاستقر الناس، فحمد الله وصلى على رسوله، ثم قال : ” أيها الناس ! انا إلى الله وإلى كتابه وسنة رسوله وإلى أفقه من تفقّه من المسلمين، وأعدل من تعدلون، وأفضل من تفضلون، وأوفى من تبايعون، من لم يعيه القران، ولم تجهله السنة، ولم تقعد به السابقة، إلى من قرّبه الله إلى رسوله قرابتين، قرابة الدين وقرابة الرحم، إلى من سبق الناس إلى كل مآثره . إلى من كفى الله به رسوله، والناس متخاذلون، فقرُب منه، وهم متباعدون، وصلّى معه، وهم به مشركون، وقاتل معه، وهم منهزمون، وبارز معه، وهم مجمحون، وصدّقه وهم مكذِّبون، إلى من لم تردّ له راية، ولا تكافأ له سابقة . وهو يسألكم النصر ويدعوكم إلى الحق، ويسألكم بالمسير إليه، لتوازروه وتنصروه على قومٍ نكثوا بيعته، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه، ومثَّلوا بعماله، وانتهبوا بيت ماله .فاشخَصوا إليه رحمكم الله، فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واحضروا بما يحضر به الصالحون ” .[5]
2- خطبته عليه السلام في صفّين لتحريض الناس إلى الجهاد :
” الحمد لله لا اله غيره، وحده لا شريك له، وأُثني عليه بما هو أهله، إَّن ممّا عظم الله عليكم من حقه، وأسبغ عليكم من نعمه، ما لا يحصى ذكره، ولا يؤدّي شكره، ولا يبلغه صفةٌ ولا قول . ونحن إنّما غضبنا لله ولكم، فإنّه منّ علينا بما هو أهله أنْ نشكر فيه آلاءه وبلاءه ونعماءه، قولاً يصعد إلى الله فيه الرضا، وتنتشر فيه عارفة الصدق، يصدق الله فيه قولنا، ونستوجب فيه المزيد من ربنا، قولاً يزيد ولا يبيد . فإنه لم يجتمع قوم قط على امر واحد إلا اشتَّد أمرُهم، واستحكمت عقدتهم، فاحتشدوا في قتال عدوِّكم معاوية وجنوده، فإنّه قد حضر، ولا تَخاذلوا، فإنّ الخذلان يقطع نياط القلوب، وإنَّ الإقدام على الأسنة نجدة وعصمة ؛ لأنه لم يمتنع قوم قط الا رفع الله عنهم العلّة، وكفاهم جوانح الذلة، وهداهم إلى معالم الملة .
والصلح تأخذ منه ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جرع[6] “[7].
جهاد الإمام الحسن (عليه السلام) أيام خلافته :
روى ابن أبي الحديد أن الإمام الحسن (عليه السلام) بعد ما استلم الخلافة وبايعه الناس أرسل كتاباً إلى معاوية يدعوه فيه للدخول فيما دخل فيه الناس، وأن يدع البغي، ويحقن دماء المسلمين ويهدّده إن هو أبى بالقتال: ففي رسالته : ” واتقِ الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك خير في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر ممّا أنت لاقيه به، وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الامر أهله ومن هو أحقّ به منك، ليطفئ الله النائرة بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلاّ التمادي في غيّك سرت إليك بالمسلمين، فحاكمتك، حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين”[8].
وحينما بلغ الإمام الحسن (عليه السلام) سير معاوية لمحاربته، وانّه وصل جسر منبج، أمر النّاس والعمّال بالتهيؤ، ونادى مناديه في الكوفة يدعوهم للتجمّع في المسجد وخطب فيهم:
” أمّا بعد، فإنّ الله كتب الجهاد على خلقه، وسمّاه كُرهاً، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾[9]، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبّون إلا بالصّبر على ما تكرهون . بلغني أنّ معاوية بلغه إنّا كنّا أزمعنا على المسير إليه، فتحرّك لذلك، اخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة …”[10].
وجهّز الإمام جيشاً قوامه أربعة آلاف، وأرسله إلى النخيلة، ثم التحق به، واقام ثلاثة أيام هناك، ولمّا سمع بوصول جيش معاوية إلى مسكن (قرب نهر الدجيل) تحرّ من النخيلة إلى حمام عمر، ثمّ إلى دير كعب، ومن هناك أرسل طلائع جيشه، وعددهم اثنا عشر ألفاً بقيادة ابن عمّه عبيد الله بن العباس وطلب منه ملاقاة جيش معاوية ثمّ تحرّك الإمام (عليه السلام) إلى ساباط المدائن.
وحينما تثاقل أصحاب الحسن (عليه السلام) قام خطيباً فيهم قائلاً:
” أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة ولا قلّة، ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجّهون معنا، ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، وكنا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا . ثم أصبحتم تعدّون قتيلين : قتيلاً بصفين تبكون عليهم، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم، فأمّا الباكي فخاذل، وأما الطالب فثائر . وإنَّ معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عزٌ ولا نصفة، فانْ أردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت، بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلى الله” . فنادى القوم بأجمعهم: ” بل البقية والحياة “[11].
هل شارك الإمام الحسن (عليه السلام) في الفتوحات ؟
لم يشارك الإمامان الحسن والحسين (عليه السلام) في حروب أبي بكر ولا في فتوحات عمر، ولكن ذكر المؤرخين في أحداث سنة ثلاثين، أي في عهد عثمان، أنّ سعيد بن العاص غزا طبرستان ومعه ناس من أصحاب رسول الله، ومعه الحسن والحسين [12]. كما ذكر بعض المؤرخين مشاركة الإمامين الحسن والحسين في فتح افريقيا عام 26 هـ
نقاش حول الفتوحات :
أمام ما تقدَّم من نقل تاريخي هناك تساؤل حول شرعيّة الفتوحات التي حصلت بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ينطلق من مبدئين:
المبدأ الأول: هل يحقّ للحاكم الإسلامي أن يقوم بحرب هجوميّة، أو ما يعبّر عنه بالجهاد الابتدائي، وهو مقابل الجهاد الدفاعي الذي يعمّ الاستباقي وغيره.
فالجهاد الدفاعي، حتى الاستباقي منه، لا يحتاج إلى جهد كبير لمعرفة شرعيَّته، لكنّ الكلام في الابتدائي على قومٍ لا يحاربون، ولا يُخاف منهم في المستقبل، فهل يجوز للحاكم أن يبدأهم بالحرب بالقتال ؟
إنَّ بعض آيات القرآن الكريم واضحة في التفصيل في التعامل بين الذين قاتلوا المسلمين، وطردوهم من ديارهم وساعدوا على ذلك، وبين الذين لم يقاتلوهم ولم يُخرجوهم، قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾[13].
ومن غير الصحيح ما قيل بأنّ هاتين الآيتين نسختا بآية السيف ﴿ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾[14].
فهذه الآية الأخيرة تتحدّث عن المشركين من أهل الحرب، بينما الآيتان السابقتان تختصّان بالمسالمين لا بأهل الحرب، فكلٌّ من آية السيف والآيتين السابقتين له موضوع مختلف، ومن شروط النسخ أن تكون الآية الناسخة حاكية عن الدلالة نفسها في الآية المنسوخة، وهذا غير متحقّق فيما نحن فيه[15].
أمّا ما تحقّق في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حروب سواء كانت غزوات بمشاركة رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه، أو سرايا أرسلها ولم يشارك فيها، فإنّ التأمّل فيها يدلّ على أنّها كانت جميعاً من باب الدفاع، ولم يكن فيها حروب ابتدائية.
ومقابل هذا الاتجاه النافي مشروعية الحرب الابتدائية في الإسلام، يوجد اتجاه مشهور بين علماء المسلمين، يؤكّد مشروعية الجهاد الابتدائي، لكن البعض يحصره بالمعصوم، والبعض يوسّعه ليشمل الحاكم غير المعصوم، وقد حصل الاختلاف بين الفقهاء في مواصفات هذا الحاكم.
ومن اللافت بين الفقهاء أنَّ الفقيه الكبير الإمام الخميني (ره) الذي أصرّ في بحثه عن ولاية الفقيه أَّ كل صلاحيات الإمام المعصوم (عليه السلام) هي ذاتها للفقيه الجامع للشرائط، إلاّ انه استثنى من هذا الجهاد الإبتدائي، فلا ولاية للفقيه فيه.
المبدأ الثاني: هل كانت جميع الفتوحات التي حصلت في مصلحة الإسلام والمسلمين؟ إنَّ مجربات الأحداث بعد الفتوحات توضّح السلبيات الناتجة عنها، والتي عزَّزها عدم اهتمام الفاتحين بتربية الناس وتعليمهم، وترسيخ تديّنهم، فأهل البلاد المفتوحة بقوا على ما كانوا عليه من عاداتهم وتقاليدهم ومفاهيمهم الجاهلية[16]. بل أساء الحكّام معاملة
الكثير من ابناء البلدان المفتوحة، حتى أدّى هذا إلى ثورات معاكسة عزلوا فيها الحاكم، واستولوا على الحكم كما حدث في افريقية[17].
إضافة إلى هذا، لا بدّ من الالتفات إلى نتائج التخالط الثقافي غير المدروس، والذي تفجَّر في عصر الترجمات، مما أدَّى إلى تعدد المذاهب والإتجاهات بين المسلمين تأثُّراً بالثقافات الواردة عليهم دون إعداد مسبقل ذلك الورود.
من خلال هذين المبدأين قد يطرح التساؤل حول شرعيّة الفتوحات التي كانت فعلاً ابتدائية دون الفتوحات التي كانت دفاعية، وإن بصورة الهجوم من باب الاستباق.
وممّا يعزّز هذا التساؤل هو عدم مشاركة الإمام علي (عليه السلام) في أيّ من تلك الفتوحات، رغم طلب بعض الخلفاء، كعمر الذي أرسل إليه عثمان يطلب منه أن يقود الجيش الإسلامي لحرب الفرس، فابى الإمام علي (عليه السلام) وكره ذلك. [18]
وكذلك ورد أن أبا بكر همّ أن يطلب من الإمام علي (عليه السلام) قيادة الجيش، لكن عمر خوّفه من رفض الإمام (عليه السلام) لذلك، فيترتّب على رفضه أن لا يقبل غيره ذلك .[19]