المحتويات
من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
في يوم فتح مكة دخل جيش المسلمين مكة فاتحًا منتصرًا دون أي مقاومة تذكر.. توجهت الأنظار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغت قلوب المشركين حناجرهم من شدة خوفهم مما سيفعل بهم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي آذوه وأصحابه
فإذا به صلى الله عليه وسلم يدخل مكة وقد ركب ناقته، ويقرأ سورة الفتح، وكان قد حنى ظهره وطأطأ رأسه تواضعًا لله، حتى إن طرف لحيته ليكاد يمس رحله خضوعًا لله وشكرًا له على ما أكرمه الله به من الفتح المبين
وفي ذلك اليوم جاء رجل ليكلم النبي صلى الله عليه وسلم وقد ظن أنه واقف أمام ملك من ملوك الأرض المنتصرين فهاله الموقف، وأخذته رعدة من هيبة موقفه صلى الله عليه وسلم ؛ فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن هدَّأ روع الرجل وقال له قولته الشهيرة: «هوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ مَلِكًا، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَتْ تَأْكُلُ القَدِيدَ [اللحم المجفف]» (رواه ابن ماجه)
فبيَّن للرجل أنه ليس بمَلِك، وذكر له ما كانت تأكله أمه لبيان أنه رجل منهم، وليس بمتجبر يُخاف منه، فأي تواضع يحمله قلب النبي صلى الله عليه وسلم؟!
كان صلى الله عليه وسلم خافض الجناح للكبير والصغير، والأهل والأصحاب، والقريب والبعيد، حتى العبد والجارية، فالكل في نظره سواء، لا فضل لأحد على أحد إلا بالعمل الصالح؛ وتزخر سيرته صلى الله عليه وسلم بالكثير من المواقف والدلائل التي تشهد على تواضعه صلى الله عليه وسلم مع الناس على اختلاف أحوالهم.
قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مِقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». (رواه أحمد).
هل التواضع ينافي اعتزاز المسلم بنفسه ودينه؟
تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته
كان صلى الله عليه وسلم يشارك في خدمة أهله في البيت؛ ولم يكن يترفع عن ذلك؛ فقد سَأَلَ رَجُلٌ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها: «هَلْ كَانَ
رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا؟
قَالَتْ: «نَعَمْ كَانَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِه» (رواه أحمد).
نعم.. إنه الخلق النبوي الكريم، فلم يكن صلى الله عليه وسلم – رغم علو قدره ومنزلته – يأنف أن يقوم بإصلاح نعله، وخياطة ثوبه، بل كان صلى الله عليه وسلم يشارك أهله في البيت ويقوم بتدبير شئون نفسه دونما ترفع أو كبر.
تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه
وصور تواضعه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كثيرة، منها على سبيل المثال: أنه كان يأخذ بمشورة أصحابه كما حدث في غزوة الخندق إذ أخذ صلى الله عليه وسلم برأي سلمان -وهو أحد جنود المسلمين- في حفر الخندق، بل يشارك صلى الله عليه وسلم -وهو قائد الجيش- أصحابه في نقل التراب يوم الخندق حتى اغبر بطنه!!
وكان صلى الله عليه وسلم يمنع أصحابه من القيام له، وما ذلك إلا لشدة تواضعه، فقد خرج صلى الله عليه وسلم على أصحابه متكئًا على عصًا، فقاموا له، فيرال صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: «لَا تَقُومُوا كَمَا يَقُومُ الْأَعَاجِمُ، يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» (رواه أحمد).
وهذا خلاف ما يفعله بعض المتكبرين من حبهم لتعظيم الناس لهم، وغضبهم عليهم إذا لم يقوموا لهم.
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه أنه كان يجلس معهم كواحد منهم، ولم يكن يجلس مجلسًا يميزه عمن حوله، حتى إن الغريب الذي لا يعرفه إذا دخل مجلسًا هو فيه، لم يستطع أن يُفَرِّق بينه وبين أصحابه!! فكان يسأل: «أَيُّكم مُحَمَّدٌ؟! والنبيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ بين ظَهْرَانِيهِم!..» (رواه البخاري).
فرسالته صلى الله عليه وسلم ليست رسالة دنيوية، تطلب مُلكًا، أو تبتغي حُكمًا، بل رسالة نبوية أخروية، منطلقها الأول والأخير رضا الله سبحانه، وغايتها إبلاغ الناس رسالة الإسلام.
وأبلغ ما تتجلى صور تواضعه صلى الله عليه وسلم حينما ينهى أصحابه أن يمدحوه أو يسوِّدُوه عند حديثهم معه؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (إنما أنا عبد الله ورسوله)، وعندما سمع بعض أصحابه يناديه قائلًا: يا سيدنا! وابن سيدنا! وخيرنا! وابن خيرنا! نهاه عن هذا القول، وقال له: «أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» (رواه أحمد).
فهو صلى الله عليه وسلم مُقرٌّ لله بهذه العبودية، خاضع له في كل ما يأمر به وينهى عنه؛ ثم هو بعد ذلك رسول الله إلى الناس أجمعين.