تعيش الجزائر على وقع جريمة مقتل جمال بن إسماعيل، في مشهد بشع أحرق فيه الشاب وسط حشد غاضب في وضح النهار ، وباتت قصته قضية انشغل فيها الرأي العام في الجزائر حيث تسبب سلوك اجرامي خطير في تحويل جزء من الانتباه الى ما جرى في مدينة الأربعاء ناتي راثن والحرائق المنتشرة هناك في ولاية سيدس وزو ، عندما قتل وحرق الشاب جمال بن اسماعيل شاب اتهم بأنه ساهم في افتعال الحرائق .
المحتويات
قصة الشاب جمال بن اسماعيل
قصة الشاب جمال بن إسماعيل كانت جزءاً من خطاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الخميس، عندما أشار إلى أن الجريمة “ليست عمل كل أبناء تيزي وزو أوالأربعاء ناث إيراثن”، وأنه “لا ينبغي أن نسقط في فخ المنظمتين الإرهابيتين اللتين تحاولان الاستثمار في هذه المسألة لضرب الوحدة الوطنية”.
وزاد من عمق مأساة الشاب جمال الفيديو الذي التقط له ساعات قبل مقتله، وهو يؤكد أنه سافر إلى تيزي وزو لأجل التطوع والمساعدة في إخماد الحرائق، لكن ذلك لم يشفع له عندما ترصدته مجموعة من الأشخاص واعتدت عليه للاشتباه في إشعاله الحرائق، ولم تنجح الشرطة في إنقاذه ليتم إصدار حكم الغاب عليهم وقتله في الشارع العام وسط حشود غاضبة كانت تبحث عن كبش فداء للحرائق.
جمال بن اسماعيل الملقب ب( جيمي )
من يعرفون جمال بن إسماعيل يدعونه بـ”جيمي”. يحب الموسيقى والرسم، له فيديوهات كثيرة وهو يغني منها أغنية للجزائر، جاء من مدينة مليانة في ولاية عين الدفلى لأجل المساعدة.
وقال والده في تصريحات إعلامية إن ابنه ذهب متطوعا لمساعدة إخوانه، وإن أمه طلبت منه عدم الذهاب لكنه أصر وقال لها إن لديه أصدقاء هناك عليهم تعزيتهم في ما جرى ومساعدتهم في إخماد الحرائق.
وشارك الآلاف من مدينة “خميس مليانة” بعد صلاة العشاء أمس الخميس في دفن جثمان الراحل بعد وصوله من ولاية تيزي وزو، وبعدما كان الأب متخوفا من السفر إلى المدينة حيث قُتل، وفرت له السلطات الحماية وتمكن من السفر لجلب الجثمان.
اعتقال جمال بن اسماعيل
ذكر وكيل الجمهورية لدى محكمة الأربعاء ناث إيراثن، أن المأساة بدأت عندما قامت مجموعة من الأشخاص باعتقال 3 رجال، كانوا على متن سيارة، إثر شكوك راودتهم بأنهم متورطون في حرائق الغابات بمنطقة الأربعاء ناث ايراثن، بمعنى أن الاعتقال لم يكن على يد الشرطة التي حاولت وفق البيان إنقاذ الثلاثة وحوّلتهم إلى مقرها.
لكن المجموعة نفسها هجمت على مقرّ الشرطة وسحبت أحدهم، هو الضحية، واعتدت عليه بالضرب ثم أضرمت النار في جسده، حسب البيان، الذي أضاف أن عناصر الشرطة بدورهم تعرّضوا لإصابات متفاوتة.
الفيديوهات المنتشرة أظهرت أن سحب الضحية تم من داخل سيارة للشرطة أمام المركز الأمني، وتم الاعتداء عليه بالرفس المبرح وهو مرمي أرضيا، ثم تمّ سحبه إلى وسط الساحة، ويظهر فيديو آخر الشاب وهو يسحل في الساحة وسط حشد كبير دون أن يسلم من الركل والرفس من مجموعة أشخاص تفننوا في الاعتداء على شاب أعزل.
وطالب والد الضحية من الشعب الجزائري عدم خلق الفتنة، مشددا على أن منطقة القبائل (حيث قُتل الشاب) تتشارك الأخوة مع باقي المناطق الجزائرية، وأنه ليس كل سكانها من قاموا بالجريمة، بل فئة صغيرة.
وما زاد من هول الجريمة قيام مجموعة من الأشخاص بالتقاط صور سيلفي مع ما تبقى من جثة الضحية بعد حرقه ونشرها على مواقع التواصل.
حساسية تاريخية
وجاءت إدانات واسعة داخل الجزائر للجريمة، واستنكرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الجزائر، هي وغيرها من جرائم “الاقتصاص الذاتي من المشتبه فيهم في إشعال الحرائق، والتي قام بها بعض الأشخاص”، معتبرا أن “تلك التصرفات المرفوضة فيها نفي واضح لأسس دولة القانون”، مشيرا إلى أن “الدولة، ومن خلال مؤسساتها الأمنية والقضائية، هي المخول الوحيد بإيقاف واحتجاز وتوجيه التهمة والتحقيق ومحاكمة الجناة”.
وتبقى التجمعات والحشود في ولاية تيزي وزو حساسة لأسباب كبيرة، منها الطابع الثقافي المختلف لمنطقة القبائل عن بقية مناطق الجزائر ووجود حركات تطالب بحكم ذاتي للمنطقة، منها ما وصل حدّ المطالبة بانفصالها، ومن أكبر الحركات التي تنادي بذلك “الماك” (الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل) التي تصنفها السلطات في قائمة الإرهاب.
وخلال الحراك الجزائري، تعددت اتهامات السلطة لمجموعات في الولاية بمحاولة استغلال الطابع الثقافي (غالبية السكان أمازيغ) لأجل الدفع نحو التخريب، وهو ما ينفيه نشطاء في الولاية ويؤكدون أن جل الاحتجاجات كانت سلمية في إطار الحراك.
وتعرف المنطقة حساسية كبيرة تجاه السلطة، وسبق لها أن شهدت انطلاق الربيع الأمازيغي في الثمانينيات، ثم ما عُرف بـ”الربيع الأسود” عام 2001، عندما قُتل العشرات بعد تدخل الأمن بالرصاص الحي ضد مظاهرات واسعة.
هذه الأحداث دفعت بجزائريين كثر إلى نشر وسم “لا للفتنة”، تفاديا لاستغلال الجريمة البشعة في إذكاء نار الخلافات الثقافية في البلد، خصوصا للتباين الثقافي بين المنطقة التي قدم منها الشاب وولاية تيزي وزو حيث قُتل، وسط تأكيد من النشطاء أن ما يجمهم كلهم هو الوطن وأن كل الاختلافات هي طريق للتعايش في سياق جزائر واحدة.