المحتويات
شرح حديث إن الدين يسر ولن يشاد
يحرص موقع فيرال على الإجابة على العديد من الأسئلة المختلفة التي يطرحها القراء والمتابعين ، ومن بين هذه الأسئلة نجيب الآن على سؤال ( شرح حديث سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا ) ، وهذا من الأحاديث التي نتناول شرحها بشكل مكرر فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن ينجي أحدًا منكم عمله))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة،سدِّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا))؛ متفق عليه .
معنى كلمة سددوا وقاربوا
وفي الحديث المذكور ، فيحدثنا النبي الأمين – صلى الله عليه و سلم – عن النجاة من النار، و الدخول إلى الجنة، و هذا هو أقصى المرام، و أعظم المنال لكل مؤمن يخشى الله و يحب رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فبعد الدخول ينال العبد أعظم نعيم على الإطلاق رؤية الله ورضوانه سبحانه وتعالى.
و الوصول إلى هذا الأمر يحتاج إلى عمل دؤوب و جهد مستمر، فالعمل و الاستقامة و الإخلاص و البذل و غيرها من الأعمال الصالحة هي مفتاح لدخول الجنة، و البعد عن النار.
و لكن مهما عملنا لن تكون أعمالنا عوضا إلى النجاة، فأعمالنا مهما كانت عظيمة، و مهما كانت صالحة و منيرة، لن توفّي نعمة من نعم الله التي أنعمها علينا في الحياة الدنيا، فكيف ستكفي لتدخلنا الجنة و تنجينا من النار؟
لذلك فإن النبي الأمين – صلى الله عليه و سلم – حدثنا أن ألا نجاة من عذاب إلا برحمته و ليس بعملنا
والمراد هنا أن الأعمال ليست عوضا عن الجنة بل دخولها فضل من المولى ورحمة منه على عباده
شرح حديث سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا
فتعجب الصحابة من حديثه – صلى الله عليه و سلم – ففي رواية أخرى وصلت إلينا يسأل الصحابة النبي عن ذلك
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((قاربوا وسددوا، واعلموا انه لن ينجو أحد منكم بعمله)) قالوا: ولا انت يا رسول الله؟ قال: ((ولا انا الا ان يتغمدني الله برحمة منه وفضل)) رواه مسلم.
أي أن دخول الجنة هو هدية عظيمة و منّة كبيرة من رب العزة ذي الجلال و الإكرام، ذي الطول و الإنعام، و مهما عملنا لن نستطيع الوصول إليها و لو بلغت حسناتنا عنان السماء أو أعماق البحار….
و لكن قد يتبادر السؤال إلى الأذهان … إذاً لماذا نعمل بما أن الجنة هدية و منّة من الله علينا؟ والجواب أن هي سبب من الأسباب التي جعلها الله لدخول الجنة وسبب لكي تنال رحمة الله وفضله
فكلام النبي – صلى الله عليه و سلم – لا يتنافى مع الحث على العمل، وبذل الجهد لفعل الصالحات، و آيات القرآن تحثّنا على الإيمان المصحوب بالعمل، فتكون صفة الايمان دوماً مقرونة بالعمل الصالح لأن العمل من الإيمان وجزء منه وأن الإيمان الصادق يكون بالأعمال الصالحة لا مجرد الادعاء، قال الله تعالى: (( إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات ))
لقد تكررت هذه الآية عدة مواضع كثيرة من القرآن… و ذلك لدلالتها العظيمة على العمل الصالح الحق
معنى سددوا وقاربوا في الحديث
كما أن النبي يكمل حديثه بقوله – صلى الله عليه و سلم – (( و لكن سددوا و قاربوا، و اغدوا و روحوا ))
فما معنى هذه الجواهر الغالية من حبيبنا المصطفى – صلى الله عليه و سلم – ؟
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
“والمطلوب من العبد الاستقامة وهي السداد فإن لم يقدر عليها فالمقاربة فإن نزل عنها: فالتفريط والإضاعة”
أي أن السداد الذي يقصده عليه الصلاة والسلام هو الاستقامة على كل عمل صالح، و الالتزام بكل ما يرضي الله، لأن الاستقامة عين الكرامة، و الثبات نبات…
فعندما يجتهد العبد للاستقامة على الحق و يسعى للوصول إليه، فهو المحب لمولاه حيث يبذل في ذاته الغالي والنفيس
و نحن أثناء كل صلاة نكرر عند كل ركعة من سورة الفاتحة (( اهدنا الصراط المستقيم ))…
نعيدها في كل ركعة من ركعات صلواتنا، أي أننا نطلب من الله الاستقامة على شرعه القويم، و العمل بما يرضيه في كل لحظة من لحظاتنا، و كل حركة من حركاتنا.
فالسداد هو الوصول إلى حقيقة الاستقامة، و هي الإصابة في جميع النيات و الأقوال و الأعمال و المقاصد، و هذا ما عُرِف به النبي – صلى الله عليه و سلم – و من بعده الصحابة و التابعين و تابع التابعين و أيضاً أولياء الله الصالحين، فكلهم كانوا معروفين بالاستقامة و الثبات على ما يرضي الله في كل عمل أو قول أو حتى ما تقوم في قلوبهم من الرغبة والرهبة والتوكل والرجاء.
وكان النبي – صلى الله عليه و سلم – يكثر من الدعاء فيقول (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) [ أخرجه الترمذي في سننه وصححه الألباني ]
و لكن عند حال المؤمن عن الاستقامة و السداد، فعليه حينها أن يكون في المرتبة الثانية (( وقاربوا )).
أي اجتهدوا و ابذلوا كل ما تملكون في الوصول إلى السداد، فمن اجتهد و لم يصب فلن يفوته الخير العظيم، فهو يعمل على حسب طاقته و إمكانياته، و لو لم يصب الهدف، و لكنه اقترب منه..
فالمقاربة هي القصد الذي لا غلو فيه و لا تقصير، و هي الحرص الشديد على أن تكون كل الاعمال ترضي الله و رسوله، و لكن بقدر المستطاع، و على حسب وضع كل مؤمن و درجة إيمانه التي وصل إليها، فمهما بلغ الإنسان من تقواه فلا بد أن يخطئ، و كما جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: ((كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)) [ أخرجه ابن ماجه في سننه ]
لذلك على المؤمن أن لا يفارق هاتين المرتبتين، السداد أو المقاربة.
ما الدروس المستفادة والفوائد من حديث سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا
الفائدة الأولى: السَّداد هو: الوصول إلى حقيقة الاستقامة، والإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد، والمقارَبة: القرب من مرتبة السداد، فالمسلم أمامه مرتبتان؛ فهو مطالب أن يجتهد في الوصول إلى المرتبة الأولى، وهي: السداد، فإن اجتهد ولم يصبها فلا يفوتنه القرب منها بالوصول إلى المرتبة الثانية، وهي: المقاربة، وما سواهما تفريط وإضاعة، وعلى المؤمن ألا يفارق هاتين المرتبتين، وليجتهد في الوصول إلى أعلاهما؛ كالذي يرمي غرضًا يجتهد في إصابته، أو القرب منه حتى يصيبه.
الفائدة الثانية: شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم المسلم في الدنيا بالمسافر في سفره؛ فنبهه على عدم الإضرار بنفسه في سيره إلى الله تعالى؛ فإن المسافر إذا سار الليل والنهار جميعًا عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في الأوقات المذكورة أمكنه مواصلة السفر، والوصول إلى مراده من غير مشقة، وهذه الأوقات المذكورة أطيب أوقات المسافر؛ إذ هي أوقات نشاطه، وهكذا المسلم؛ إذ هو في دار نقلةٍ إلى الآخرة، فينبغي له أن يسير في طريقه إلى الله جل وعلا، ولا يقف فينقطع عن ربه، ولا يشق على نفسه بأنواع العبادة حتى يصاب بالملل والفتور، فيكون أيضًا سببًا لانقطاعه عن ربه جل وعلا.
الفائدة الثالثة: لا يجوز للمسلم أن يمن على الله تعالى بعمله، وأن يغتر بالطاعات التي يعملها؛ فإنه مهما عمل فإنما يعمل لخلاص نفسه ونجاتها، والله غني عنه وعن عمله: ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]، كما أنه لا يمكنه أن يقوم بشكر شيء من نعم الله تعالى عليه؛ ولذلك أعلن النبي صلى الله عليه وسلم – وهو أكمل الخلق – أنه لن يدخل أحدٌ الجنةَ بمجرد عمله؛ حتى هو عليه الصلاة والسلام، وقد عاتب الله قومًا أظهروا المنة على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم، فعاتبهم الله تعالى بقوله: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17]؛ ولذلك لما فقه الأنصار رضي الله عنهم هذه الحقيقة تكلموا بكلام العارفين؛ وذلك لما وجدوا في أنفسهم شيئًا من قسمة النبي صلى الله عليه وسلم لغنائم حنين، فلما عاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم قائلًا لهم: ((ألم آتكم ضلَّالًا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟))، قالوا: بل الله ورسوله أمن وأفضل، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟))، قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله ولله ولرسوله المن والفضل؟! قال: ((أما والله لو شئتم لقلتم فلصدَقْتُم وصُدِّقْتُم: أتيتنا مكذَّبًا فصدقناك، ومخذولًا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلًا فأغنيناك))؛ رواه أحمد .