المحتويات
تحضير نص نهج البردة؟
تحضير نص نهج البردة؟، شرح و تحليل قصيدة نهج البردة لأحمد شوقي في مدح الرسول الكريم، وتناول هذا النص للشاعر العباسي شرف الدين محمد البوصيري نموذجاً شعرياً قديماً، وتنتمي هذه القصية لتيار “البعث والإحياء”، ولعلّ النصّ الذي بين أيدينا من أهمّ معارضات الشاعر، وهو مأخوذ من ديوانه “الشّوقيّات”.
شرح و تحليل قصيدة نهج البردة لأحمد شوقي في مدح الرسول الكريم
نقف بكم اليوم عند قصيدة جميلة في مدح الرسول الكريم وهي من روائع أمير الشعراء أحمد شوقي ، قصيدته نهج البردة ، وهي معارضة لقصيدة البردة المشهورة للبوصيري ..معارضة عنوانها السير على نهج الأولين وتتبع خطاهم ، وهذا ما أكده أحمد شوقي ، وذاك هو الأدب .
تحليل مقاطع قصيدة نهج البردة
ابيات قصيدة نهج البردة كلمات
ظروف ومناسبة هذه القصيدة
بلغت قصيدة نهج البردة مائة وتسعين بيتاً حيث أنها تعتبر من أطول قصائد احمد شوقي :
ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا * يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم
رزقت أسمح ما في الناس من خلق * إذا رزقت التماس العذر في الشيم
يا لائمي في هواه والهوى قدر * لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه * فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
والنفس من خيرها في خير عافية * والنفس من شرّها في مرتع وخم
لزمت باب أمير الأنبياء ومن * يمسك بمفتاح باب الله يغتنم
علقت من مدحه حبلا أعزّ به * في يوم لا عزّ بالأنساب واللحم
يزري قريضي زهيرا حين أمدحه * ولا يقاس إلى جودي لدى هرم
محمّد صفوة الباري ورحمته * وبغية الله من خلق ومن نسم
وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة * متى الورود وجبريل الأمين ظمي
يا أفصح الناطقين الضاد قاطبة * حديثك الشهد عند الذائق الفهم
حليت من عطل جيد البيان به * في كل منتثر في حسن منتظم
المادحون وأرباب الهوى تبع * لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك حب خالص وهوى * وصادق الحب يملي صادق الكلم
الله يشهد أني لا أعارضه * من ذا يعارض صوب العارض العرم
وإنما أنا بعض الغابطين ومن * يغبط وليك لا يذمم ولا يلم
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له * وأنت أحييت أجيالا من الرمم
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا * لقتل نفس ولاجاؤوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة * فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
يارب هبّت شعوب من منيتها * واستيقظت أمم من رقدة العدم
سعد ونحس وملك أنت مالكه * تديل من نعم فيه ومن نقم
رأى قضاؤك فينا رأي حكمته * أكرم بوجهك من قاض ومنتقم
فالطف لأجل رسول العالمين بنا * ولا تزد قومه خسفا ولا تسم
يا رب أحسنت بدء المسلمين به * فتمّم الفضل وامنح حسن مختتم
معنى مفردات قصيدة نهج البردة كلمات
ريم على القاع : الظبي الخالص البياض على الأرض السهلة المطمئنة .
البان : نوع من الشجر .
العلم : الجبل .
الجؤذر : ولد البقرة الوحشية .
الموائس : المتبخترة
سناؤه : رفعته
السؤدد : السيادة
الديم : المطر الدائم
النقع : غبار الحرب
الغلم : الهائج الثائر
دار السلام : بغداد
شرح أبيات نهج البردة للشاعر أحمد شوقي
مقدمة غزلية
على نهج الشعراء السابقين افتتح شوقي قصيدته بمقدمة غزلية بديعية رائعة ، يتصور فيها محبوبته التي تتنقل كظبي حسن ورشيق ، وقد قتلته صبابة وولها .
ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا * يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم
وعظ النفس
ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى مخاطبة نفسه واعظا إياها ، ومبديا الندم على ما سبق من ذنوبه ، وذلك في أبيات كلها حكم ومعاني راسخة ، لينتقل بعدها إلى غرض وموضوع القصيدة الرئيسي ، وهو مدح خير البرية عليه أزكى الصلاة والسلام .
يا نفس دنياك تخفي كل مبكية * وإن بدا لك منها حسن مبتسم
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه * فقوّم النفس بالأخلاق تستقم
والنفس من خيرها في خير عافية * والنفس من شرّها في مرتع وخم
مدح أشرف الخلق
صلى الله عليه وسلم ، فمحمد هو سيد المرسلين المصطفى برسالة التوحيد والنبوة ، وهو صاحب الحوض المورود يوم القيامة – نسأل الله شربة من يده الشريفة – .
محمد صفوة الباري ورحمته * وبغية الله من خلق ومن نسم
وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة * متى الورود ؟ وجبريل الأمين ظمي
يقص علينا الشاعر بعد ذلك بعض علامات ومعجزات نبي الرحمة المهداة ، منها قصة الراهب بحيرى المشهورة ، وتفجر الماء بين أصابعه ، وتظليل الغمامة له .
لما رآه بحيرا قال نعرفه * بما حفظنا من الأسماء والسيم
سائل حراء وروح القدس هل علما * مصون سرّ عن الإدراك منكتم
لمّا دعا الصحب يستسقون من ظمإ * فاضت يداه من التسنيم بالسنم
وظلّلته فصارت تستظلّ به * غمامة جذبتها خيرة الديم
ويصف بعد ذلك مشهد نزول الوحي بأول آية وهي : اقرأ ، ثم ينتقل إلى الحديث عن معجزة القرآن الكريم ، بصفته الكتاب الخالد الباقي المتمم لجميع الرسالات السابقة .
ونودي اقرأ تعالى الله قائلها * لم تتّصل قبل من قيلت له بفم
جاء النبيّون بالآيات فانصرمت * وجئتنا بحكيم غير منصرم
آياته كلما طال المدى جدد * يزينهنّ جلال العتق والقدم
ينتقل الشاعر إلى الحديث عن بشائر مولده صلى الله عليه وسلم ، في الوقت الذي ساد فيه الظلم والجهل والطغيان ، ومن بشائر هذا المولد تصدع إيوان كسرى .
سرت بشائر بالهادي ومولده * في الشرق والغرب مسرى النور في الظلم
تخطّفت مهج الطاغين من عرب * وطيّرت أنفس الباغين من عجم
ريعت لها شرف الإيوان فانصدعت * من صدمة الحقّ لا من صدمة القدم
ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم
وفي أبيات تشع جمالا وبراعة ، تطرق أمير الشعراء إلى معجزة الإسراء والمعراج ، وما لحقها من آيات عظيمة .
أسرى بك الله ليلا إذ ملائكه * والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لمّا خطرت به التفّوا بسيّدهم * كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر * ومن يفز بحبيب الله يأتمم
جبت السماوات أو ما فوقهن بهم * على منورة درية اللجم
ركوبة لك من عزّ ومن شرف * لا في الجياد ولا في الأينق الرسم
مشيئة الخالق الباري وصنعته * وقدرة الله فوق الشك والتهم
حتى بلغت سماء لا يطار لها * على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل كل نبي عند رتبته * ويا محمد هذا العرش فاستلم
خططت للدين والدنيا علومهما * يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم
يواصل شوقي في ذكر معجزات سيد الخلق ، ويصف مشهد صاحبي الغار ، وحفظ الله لرسوله وصاحبه من كيد المشركين وتتبعهما ، لينتقل بعد ذلك إلى التأدب مع صاحب البردة البوصيري ، إذ يقر بأنه لا يعارضه بقدر ما أنه مجرد تابع وسائر على نهجه .
المادحون وأرباب الهوى تبع * لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك حب خالص وهوى * وصادق الحب يملي صادق الكلم
الله يشهد أني لا أعارضه * من ذا يعارض صوب العارض العرم
وإنما أنا بعض الغابطين ومن * يغبط وليك لا يذمم ولا يلم
ويعقد مقارنة طريفة بينه وبين نبي الله عيسى عليه السلام ؛ فيقول :
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له * وأنت أحييت أجيالا من الرمم
والجهل موت فإن أوتيت معجزة * فابعث من الجهل أو فابعث من الرجم
دفاع عن الإسلام
يتصدى الشاعر بعد ذلك إلى المعادين للإسلام والذين يكيلون له أبشع التهم ، منها أنه دين حرب انتشر بحد السيف ، موضحا أن اللجوء إلى الحرب كان آخر وسيلة بعد استنفاذ كل السبل في الدعوة والنصيحة .
ويشير إلى ما لقيه المسيحيون الأوائل من جور واضطهاد ، والذي لم يحسم إلا بالقوة ، وفي نفس الوقت يدافع عن المبدأ الإسلامي في الجهاد الذي يلتزم بقواعد الأخلاق تراعي الذمم والمواثيق .
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا * لقتل نفس ولاجاؤوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة * فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعا * وإن تلقه بالشر ينحسم
سل المسيحية الغراء كم شربت * بالصاب من شهوات الظالم الغلم
لولا حماة لها هبوا لنصرتها * بالسيف ما انتفعت بالرفق والرحم
علمتهم كل شيء يجهلون به * حتى القتال وما فيه من الذمم
وفي حديث طويل يعقد أمير الشعراء مقارنة بديعة بين حضارة الإسلام وباقي الحضارات والأمم ، مشيرا إلى تفوق شريعة الإسلام وما بنته من عدل وقيم وأخلاق ، جعلتها في صدارة الأمم علما وسيادة ومعاملات .
شريعة لك فجرت العقول بها * عن زاخر بصنوف العلم ملتطم
يلوح حول سنا التوحيد جوهرها * كالحلي للسيف أو كالوشي للعلم
نور السبيل يساس العالمون بها * تكفلت بشباب الدهر والهرم
لما اعتلت دولة الإسلام واتسعت * مشت ممالكه في نورها التمم
وعلمت أمة بالقفر نازلة * رعي القياصر بعد الشاء والنعم
كم شيد المصلحون العاملون بها * في الشرق والغرب ملكا باذخ العظم
للعلم والعدل والتمدين ما عزموا * من الأمور وما شدوا من الحزم
دار الشرائع روما كلما ذكرت * دار السلام لها ألقت يد السلم
اعتزاز وافتخار
ويفتخر الشاعر بخلفاء الإسلام ويشيد بأمجادهم ، ثم يثني على الخلفاء الراشدين مبينا فضلهم على أمة الإسلام .
ولا احتوت في طراز من قياصرها * على رشيد ومأمون ومعتصم
من الذين إذا سارت كتائبهم * تصرفوا بحدود الأرض والتخم
خلائف الله جلوا عن موازنة * فلا تقيسن أملاك الورى بهم
من في البرية كالفاروق معدلة * وكابن عبد العزيز الخاشع الحشم
وكالإمام إذا ما فض مزدحما * بمدمع في مآقي القوم مزدحم
الزاخر العذب في علم وفي أدب * والناصر الندب في حرب وفي سلم
أو كابن عفّان والقرآن في يده * يحنو عليه كما تحنو على الفطم
ويصف الشاعر بعد ذلك افتتان الناس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، وذهول عمر – رضي الله عنه – ، في حين يصور رباطة جأش أبي بكر – رضي الله عنه – وثباته ضد المرتدين .
وما بلاء أبي بكر بمتهم * بعد الجلائل في الأفعال والخدم
بالحزم والعزم حاط الدين في محن * أضلت الحلم من كهل ومحتلم
وحدن بالراشد الفاروق عن رشد * في الموت وهو يقين غير منبهم
يجادل القوم مستلا مهنده * في أعظم الرسل قدرا كيف لم يدم
لا تعذلوه إذا طاف الذهول به * مات الحبيب فضل الصب عن رغم
ختام وابتهال
وينهي الشاعر قصيدته بالصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحابته .
يا رب صل وسلم ما أردت على * نزيل عرشك خير الرسل كلهم
وصل ربي على آل له نخب * جعلت فيهم لواء البيت والحرم
وأهد خير صلاة منك أربعة * في الصحب صحبتهم مرعية الحرم
وفي خشوع وتضرع ، يرفع الشاعر ابتهالا إلى الله ، يدعو بالخير لأمة الإسلام ، في ظل التخلف والتمزق الذي تعيشه ، في حين تسير أمم أخرى نحو التقدم ، مؤمنا بقدر الله وحكمه ، طالبا اللطف في قضائه .
يارب هبت شعوب من منيتها * واستيقظت أمم من رقدة العدم
سعد ونحس وملك أنت مالكه * تديل من نعم فيه ومن نقم
رأى قضاؤك فينا رأي حكمته * أكرم بوجهك من قاض ومنتقم
فالطف لأجل رسول العالمين بنا * ولا تزد قومه خسفا ولا تسم
يا ربّ أحسنت بدء المسلمين به * فتمّم الفضل وامنح حسن مختتم
كلمة ختامية في شأن قصيدة نهج البردة
لا ينكر أحد أن قصيدة نهج البردة تعد من أجود ما قيل في مدح خير البرية عليه أفضل الصلاة والسلام ، فقد أبان أمير الشعراء عن مشاعر فياضة وتعلق شديد بالإسلام ، حيث حاول أن يعطي نفسا حيا في قصيدته ، فربطها بمشاكل الأمة ، فشخص الداء ، وعرض الدواء .
فهو يرى في الإسلام دينا متكاملا ، جامعا لكل مقومات التقدم والازدهار ، وإن كان من شخصية تمثل الدين الإسلامي على حقيقته ، فهو خير الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لذا فقد وفّق أحمد شوقي في بردته كل التوفيق .