ما هي العلاقات الدبلوماسية
قطع العلاقات الدبلوماسية هي قيام دولة ما باستدعاء بعثتها الدبلوماسية الدائمة لدى حكومة دولة أخرى وإنهاء العلاقات الرسمية العادية التي تربد البلدين ، حيث أن مصطلح قطع العلاقات الدبلوماسية يشير الى التعبير السياسي الأسمى والأوضح عن تفاقم الخلاف والعداء بين دولتين إلى حد يكاد يلامس حدود المواجهة المفتوحة، ويكون أحيانا نذيرا ومؤشرا على قيام صراع مسلح.
ما معنى قطع العلاقات الدبلوماسية
يتم تجسيد القطيعة الدبلوماسية في أن تقوم الدولة صاحبة القرار بإعلان قطع علاقاتها رسميا مع الدولة الأخرى وفي الآن ذاته تقوم باستدعاء سفيرها وكامل بعثتها الدبلوماسية من الدولة الأخرى وإغلاق مقارها الدبلوماسية، وفي الآن ذاته تقرر طرد دبلوماسيي الدولة الأخرى مع منحهم مهلة لترتيب أمورهم على عجل، وإن كانت الأعراف تحدد تلك المهلة بما بين 48 ساعة إلى أسبوع.
وتنص اتفاقيات فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية على حرمة المقرات الدبلوماسية واستمرار تلك الحرمة حتى في ظل القطيعة الدبلوماسية التي لا تعني قطع العلاقات القنصلية ضرورة، فأحيانا تبقى العلاقات القنصلية قائمة رغم القطيعة الدبلوماسية.
ويمكن أن تسند رعاية مصالح بلد معين في البلد الآخر إلى بلد أو طرف ثالث، كما أن القطيعة الدبلوماسية لا تعني منع سفر مواطني دولة معنية في اتجاه الدولة الأخرى إلا إذا صدر قرار سيادي بهذا الشأن.
وفي أحيان كثيرة تسبق القطيعة الدبلوماسية إعلان الحرب وإن كان السياق الدولي اللاحق على الحرب العالمية الثانية شهد حالات كثيرة لقطع العلاقات الدبلوماسية من دون أن يتسبب ذلك في نشوب صراع مسلح على الفور.
لمحة تاريخية
تؤطر العلاقات الدبلوماسية في عصرنا اتفاقيات فيينا المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية والقنصلية وقد أقرتها الأمم المتحدة في عامي 1961 و1963، وتحدد هذه الاتفاقيات شروط إقامة العلاقات الدبلوماسية وأهدافها وحماية البعثات الدبلوماسية وما يتمتع به الدبلوماسيون من حصانة.
والواقع أن جذور تقنين العلاقات الدبلوماسية تعود لفترات بعيدة ظل خلالها القانون العرفي الإطار الوحيد لهذه العلاقات، فبحكم المصالح التجارية والإستراتيجية كانت الدول تتبادل البعثات والسفارات، حتى أن أدب الرحلة عند العرب والمسلمين حافل بقصص السفراء والمبعوثين.
ومنذ القرن الـ12 ميلادي ظهر القناصلة في إيطاليا كتعبير بدائي عن التمثيل الدبلوماسي بين الجمهوريات الايطالية، إذ كان دورهم ينحصر في حماية مصالح التجار المنحدرين من بلدانهم في البلدان الأخرى، وكان نطاق هذه الممارسة لا يكاد يجاوز إيطاليا في أول الأمر، لكن توسع الايطاليين في التجارة جعلهم يوفدون قناصلة إلى الشام والأردن وتركيا وأرجاء أخرى من شرق المتوسط وشرق أفريقيا وآسيا.
وشهد القرن الـ16 تطورا في واقع العلاقات الدبلوماسية بأوروبا تمثل في اتفاق عدد من الدول على تبادل السفراء والوكلاء الدبلوماسيين مع إقامتهم بشكل دائم، وهو ما لم يكن معروفا إذ اقتصرت إقامة الدبلوماسيين على فترات محددة ولمهام معينة، وكان الدافع الرئيس إلى هذه الخطوة وضع آلية دائمة لتبادل المعلومات بين الدول، وتوفير حماية دائمة للتجار المنحدرين من البلد الأصلي في بلد الاستضافة.
بيد أن أول جهد دولي واسع لتقنين العلاقات الدبلوماسية كان عام 1815 حين اجتمع ممثلون عن عدد من البلدان الأوروبية بغية البت في إشكالية سممت العلاقات في تلك الحقبة، وهي ترتيب السفراء حسب مكانة دولهم لدى بلد الاعتماد خلال المناسبات الرسمية، فقد كان التقليد السائد هو أن يتبوأ السفير أو الوكيل الدبلوماسي مكانته في الترتيب البروتوكولي حسب مكانة بلده ومتانة علاقاته بالبلد المضيف.
أطرت اتفاقيات فيينا (1961-1963) العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وحددت شروط تبادل البعثات وربطتها باتفاق قبلي بين البلدان المعنية، علما أن التقليد السائد سابقا ظل يلقي مبدأ التبادل في اعتماد البعثات الدبلوماسية والسفراء.
حماية البعثات الدبلوماسية
نصت اتفاقيات فيينا على منح الدبلوماسيين وأفراد أسرهم حصانة من المتابعات القضائية ومن التوقيف والسجن في بلد الضيافة مهما كانت الجنح أو الجرائم التي يتابعون فيها حتى لو كان أمر التوقيف صادرا عن القضاء المحلي، وإن كان هذا الامتياز لا يشمل الوكلاء القنصليين وبعض أفراد الطاقم الدبلوماسي الذين يمارسون مهام إدارية، فهؤلاء لا يتمتعون بالحصانة إلا في حال متابعتهم بأفعال ارتكبوها خلال تأدية عملهم.
ولا يمكن توقيف الدبلوماسي إلا بموجب قرار من سلطته بلده برفع الحصانة عنه، كما نصت اتفاقيات فيينا على حرمة المقرات الدبلوماسية حتى بعد قطع العلاقات، ورغم ذلك فإن مئات الطلاب المؤيدين للثورة الإسلامية في إيران اقتحموا السفارة الأميركية في طهران في نوفمبر/تشرين الثاني 1979، وأخذوا 44 من طاقمها ومواطنين أيمركيين عاديين رهائن في ما عرفت بـ”أزمة الرهائن”.
على إثر ذلك استدعت الولايات المتحدة سفيرها على الفور، ومع استمرار الأزمة أعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية وإن كان ذلك لن ينهيها، فقد استمرت إلى أن نجحت وساطة جزائرية في وضع حد لها في يناير/كانون الثاني 1981.
الحل الأخير
يعبر قطع العلاقات الدبلوماسية عن درجة قصوى من التوتر تتجاوز كل محاولات التسوية، كما يعبر عن فشل ذريع في التواصل وحل المشاكل البينية بغض النظر عن مسؤولية هذا الطرف أو ذاك عن التصعيد أو رغبته فيه.
وعادة ما تكون القطيعة الدبلوماسية نهاية صيرورة من التوتر يمكن رصدها بدلالة مستوى التمثيل الدبلوماسي، ففي مراحل أولية من التوتر تسلم رسائل احتجاج ثم يتبع ذلك باستدعاء السفير للتشاور، وفي مرحلة لاحقة يصار إلى خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي، وبالتالي يكون قطع العلاقات الحل الأخير كونه صلة الوصل بين نوعين من أبرز آليات حماية المصالح التي تتيحها العلاقات الدولية، وهما العلاقات الدبلوماسية والحرب.
الفجائية والتدرج
يترجم اعتماد هذا التسلسل التدريجي تدرجا في تدهور العلاقات، وهو ما يعني في أغلب الأحيان أن أسباب التوتر تقليدية والخطوات المتخذة ليست استفزازية، أما في الحالات التي يأتي فيها قطع العلاقات فجائيا فإن التوتر-رغم وجوده أصلا- قد ارتفع إلى مستويات لم يبلغها من قبل مدفوعا بخطوات استفزازية غالبا ما تكون مرتبطة بالسيادة أو الأمن الوطنيين.
وهنا تمكن الإشارة إلى القطيعة بين السعودية وإيران في مطلع 2016 والتي جاءت على خلفية إعدام السلطات السعودية المعارض الشيعي نمر باقر النمر بعد إدانته بقضايا تتعلق بـ”الإرهاب”.
وقد اعتبرت السعودية التنديد الإيراني بإعدام النمر تدخلا سافرا في شؤونها، لكن ما فاقم الأمر في الساعات التالية هو إحراق متظاهرين في طهران ومشهد السفارة السعودية وقنصليتها، وهو ما اعتبرته الرياض اعتداء صريحا عليها، كما اعتبرت السلطات الرسمية الإيرانية متواطئة في ما حدث.
بيد أن نظرة تاريخية على علاقات البلدين تمكن من فهم هذا التدهور الفجائي والسريع، فالمملكة العربية السعودية -ومعها دول الخليج وعدد من البلدان العربية- ظلت مسكونة بهاجس تصدير الثورة الإيرانية الذي بات يأخذ أشكالا أخطر في الوقت الراهن، أبرزها نشر التشيع وتأطير وتوجيه الأقليات الشيعية في بعض البلدان العربية ذات الأغلبية السنية.
وقد أججت الثورة السورية الاصطفاف الطائفي في المنطقة، وتوجد إيران في صدارة هذه المواجهة بحكم تدخلها في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2001، ثم تدخلها عسكريا وسياسيا إلى جانب النظام السوري ودفعها بحلفائها في لبنان (حزب الله) إلى دخول المواجهة المسلحة في سوريا، وبدا جليا البعد الطائفي في كل هذه المواقف.
القطيعة الجماعية
أحيانا، تأتي القطيعة الدبلوماسية ناطقة بموقف عدد من الأطراف إزاء طرف معين، وفي الحالة الإيرانية السعودية لعام 2016 قررت بلدان خليجية وعربية قطع علاقاتها بإيران أو استدعاء سفرائها وخفض مستوى العلاقات.
والواقع أن حوليات الدبلوماسية العربية تحتفظ بسوابق في هذا الصدد، فعلى إثر زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل عام 1977 قررت الدول العربية مقاطعة مصر واستمرت تلك القطيعة عقدا من الزمان.
وفي عام 1990 غزا العراق الكويت فقررت دول عربية عدة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد.
ومع اندلاع الثورة الثورية على نظام الرئيس بشار الأسد عام 2011 قطعت بلدان عربية عدة ومعها تركيا علاقاتها مع النظام السوري عقابا له على القمع واسع النطاق والجرائم البشعة التي ارتكبها في حق مواطنيه.