المحتويات
من التمس رضا الله بسخط الناس
السؤال
هل يعد مشركاً من أرضي الناس بسخط الله ؛ لأنه قدم طاعة المخلوق على طاعة الخالق عز وجل ؟ مثلا: كشخص لم يغض بصره عن امرأة سافرة ، حتي لا يقول عنه الناس : إنه متزمت ؟
الجواب
ورد الوعيد الشديد لمن أرضى الناس بسخط الله تعالى .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ ، رَضِيَ الله عَنْهُ ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ ، سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَأَسْخَطَ عليه الناس ) رواه ابن حبان “الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان” (1 /510) ، والترمذي (2414) بلفظ : ( مَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ) .
وقد اختلف في رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقفه على عائشة .
وقد صحح الإمام البخاري ، كما في العلل الكبير للترمذي (332) ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، كما في العلل لابن أبي حاتم (5/59) ، وغيرهم وقفه . وقال الدارقطني رحمه الله : ” ورفعه لا يثبت” . انتهى، من “العلل” (14/182) .
وينظر ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” ، للألباني ( 5 / 392 ) .
ثانيا :
المعصية التي يرتكبها العبد لأجل إرضاء الناس نوعان :
النوع الأول : أن تكون كفرا ، كأن يرتكب بعض الأعمال أو الأقوال الكفرية فهذا يكفر صاحبها ، إذا توفرت فيه شروط التكفير ، وانتفت موانعه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” التكفير له شروط وموانع ، قد تنتفي في حق المعين ، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين ، إلا إذا وجدت الشروط ، وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة : الذين أطلقوا هذه العمومات – مثل أن يقولوا من قال كذا فقد كفر – لم يُكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” ( 12 / 487 – 488 ) .
ومن الشروط المهمة في هذا الباب : أن يكون فاعل هذا الفعل المكفر عالما بتحريمه ، متعمدا لفعله ، مختارا غير مكره .
ومن الموانع التي تمنع من تكفيره : أن يكون جاهلا لحكم ذلك الفعل ، أو متأولا ، أو مخطئا ، أو مكرها .
وراجع الفتوى رقم : (85102) للتعرف على ضوابط التكفير .
النوع الثاني : أن تكون هذه المعصية ذنبا ، وليست من أعمال الكفر كمثل ما ذكرت من عدم غض البصر أو الكذب أو شرب الخمر أو سماع الأغاني ، ونحو ذلك من المعاصي ؛ فهذه معصية من المعاصي ، والمعاصي إذا كان صاحبها مسلما مؤمنا بالله ورسوله مصدقا لهما ، غير مستحّل للمعاصي : فلها حكم مثلها من المعاصي ، كبيرها وصغيرها ، لكنه لا يكفر بمجرد ارتكاب هذه المعاصي ، ولو كانت من الكبائر كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، ولو فعلها هوى ، أو مراعاة لحق غيره من الناس ، أو طلبا للمكانة عنده ، أو نحو ذلك من المقاصد والأهواء .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
” وقد اتفق أهل السنة والجماعة – وهم أهل الفقه والأثر – على أن أحدا لا يخرجه ذنبه – وإن عظم – من الإسلام ” انتهى من ” التمهيد ” ( 17/22 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وأئمة المسلمين أهل المذاهب الأربعة وغيرهم – مع جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان – متفقون على أن المؤمن لا يكفر بمجرد الذنب “. انتهى من “مجموع الفتاوى” ( 6 / 479 ) .
وقال رحمه الله تعالى :
” ونحن إذا قلنا : أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب ، فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب “. انتهى من “مجموع الفتاوى” ( 7 / 302 ) .
والله أعلم .