ثمرات محبة النبي
تعني محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ميل القلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتفضيله على غيره من الخلق، وفداؤه بالغالي والثمين ، فالحديث عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم متعة عظيمة! أما الألسنة فتترطب بذكره والصلاة عليه، وأما الآذان فتتشنف بسماع سيرته وهديه وحديثه، وأما العقول فتخضع لما ثبت من الحكم والسنة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، وأما الجوارح والأعضاء فتنتفع وتتمتع بموافقة هديه وفعله وحاله صلى الله عليه وسلم.
حكم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإجابة : واجبة على كل مسلم قطعًا، والأدلة على ثبوت وجوبها كثيرة، ومن ذلك قول الله سبحانه الذي جمع في آية واحدة كل محبوبات الدنيا، وكل متعلقات القلوب، وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ، وحب الله، وحب رسوله في كفةٍ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 24).
قال القاضي عياض رحمه الله: “فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسّقهم بتمام الآية فقال: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله عز وجل. فهذه آية عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة. ويأتينا دليل عظيم وبليغ في قول الحق: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ…} (الأحزاب: 6).
وبين ابن القيم الدلالة على وجوب المحبة في هذه الآية من وجوهٍ كثيرة ضمنها أمرين: الأول: أن يكون أحب إلى العبد من نفسه: لأن الأولوية أصلها الحب ونَفْسُ العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به منها، أي أولى به من نفسه وأحب إليه من نفسه، فبذلك يحصل له اسم الإيمان، ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضا والتسليم، وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على ما سواه. وأما الجانب الثاني: ألا يكون للعبد حكم على نفسه أصلاً: بل الحكم على نفسه لرسول صلى الله عليه وسلم، يحكم عليه أعظم من حكم السيد على عبده، أو الوالد على ولده، فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى به من نفسه، أي بما جاء به عن الله عز وجل، وبلغهم من آياته وأقامه ونشره من سنته صلى الله عليه وسلم. وقوله سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ…} (آل عمران: 31). من الأدلة العظيمة الشاهدة على وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لا نزاع في أن محبة الله واجبة، وأن اتباع النبي ومحبته طريق إلى محبة الله. والآيات أكثر من أن تحصر في هذا المقام.