المحتويات
بماذا يوفى الصابرون أجرهم يوم القيامة مع ذكر الآية الكريمة ؟
نستمر معكم رصد سؤال الجمهور في برنامج #رحلة_حظ_4 برنامج ترفيهي يسافر بنا في أرجاء اليمن في أجواء من المنافسة والمتعة والمعرفة عبر العديد من الفقرات المتنوعة مع خالد الجبري ومجموعة من نجوم الفن يأتيكم على قناة يمن شباب خلال شهر رمضان المبارك الساعة / 10:00 مساءً
مع ذكر الآية الكريمة بماذا يوفى الصابرون أجرهم يوم القيامة ؟
قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ { الزمر 10} ـ فهل يفهم من هذه الآية أن الصابرين لا يقفون للحساب يوم القيامة كما قال ذلك أحد الدعاة؟ وجَزَاكُمُ اللهُ خَيْرًا وَبَارَكَ اللهُ فِيكُمْ.
واختلف أهل العلم فيها على قولين كما جاء في التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ـ هذا يحتمل وجهين أحدهما: أن الصابر يوفي أجره ولا يحاسب على أعماله، فهو من الذين يدخلون الجنة بغير حساب، الثاني: أن أجر الصابرين بغير حصر بل أكثر من أن يحصر بعدد، أو وزن، وهذا قول الجمهور.
بماذا يوفى الصابرون أجرهم يوم القيامة مع ذكر الآية الكريمة ؟
يحبس الصبر من يتحلى به عن الوقوع في سخط الله تعالى ويساعده على تحمل الأمور بحزم وتدبر، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب، وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «ما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر».
والأحاديث في فضائل الصبر كثيرة منها ما روته عائشة – رضي الله عنها، حيث قالت قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم – «ما من مصيبة تصيب المسلم إلاّ كفّر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها».
وقد ذكر الله تعالى الصبر في القرآن الكريم في أكثر من تسعين موضعًا، وجعل سبحانه وتعالى أكثر الخيرات والدرجات ثمرة للصبر فقال تعالى: «ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون»، وقال: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب»، وقال عز وجل: «وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا».
شيمة الصالحين
والصبر من شيم الصالحين، وهو كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله عز وجل إلاّ لعبد كريم عنده والصبر ثوابه الجنة، وهو عادة الأنبياء والمتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، ويروى أن أحد العارفين كان يضع في جيبه رقعة يخرجها كل ساعة فيطالعها، وفيها: «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا، وسبح بحمد ربك حين تقوم».
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة – رضي الله عنهما – عن النبي قال: «ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»، والمسلم المتبع هدي نبيه – صلى الله عليه وسلم يستعين على الصبر بالاستعانة بالله، والاتكال عليه، والرضا بقضائه، فيشكر في السراء ويصبر في الضراء كما وصف رسولنا الكريم حال المؤمنين فقال صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».
عنوان الاستقامة
والصبر ليس واحدًا فهو على أنواع كثيرة تتعدد بتعدد الابتلاءات وأهمها ثلاثة: أولها الصبر على الطاعات، وصبر عن المحرمات، وصبر على المكاره، أما الصبر على الطاعات فهو من أعظم مجالات الصبر وهو لذلك أشدها على النفوس وقد جاءت صيغة الأمر بالصبر على الطاعة مغايرة لغيرها فقال تعالى: «رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته، هل تعلم له سميًّا»، وقال: «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، لا نسألك رزقًا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى»، فاستخدم صيغة الافتعال وهو يدل على المبالغة في الفعل، وما ذاك إلا لمشقة مجاهدة النفوس على القيام بحق العبودية في كل الأحوال.
والصبر على الطاعة باب واسع لأن النفس بطبعها تنفر من التكليف فالصبر على أداء ما أوجب الله يعني إلزام النفس أداء الواجبات الدينية التي فرضها الله كإقامة الصلاة في أول وقتها وصيام شهر رمضان على النحو الذي شرع له الصيام، وحضور مجالس العلم لتعلم ما فرض الله تعلمه من علم الدين، والصبر على الصيام في أيام الحر التي يشتد فيها العطش والجوع، فالذي يحبس نفسه عن الأكل والشرب مع ميل نفسه في رمضان إلى الأكل والشرب هو صابر على الطاعة.
والصبر على الطاعة هو عنوان الاستقامة والثبات على الحق، يقول الله عز وجل: «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون»، وهو على ثلاثة أحوال، أولها ما يسبق الطاعة، ويتأتى بتصحيح النية والصبر على شوائب الرياء، وعقد العزم على الوفاء ولعل هذا يظهر سر تقديم الصبر على العمل الصالح في قوله: «إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير»، وثانيها الصبر في وقت الطاعة، ويتأتى بألا يغفل المؤمن عن الله فيها، ولا يتكاسل عن تحقيق آدابها وسننها، ولعله المراد بقوله: «نعم أجر العاملين، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون» فقد صبروا إلى تمام العمل، ثم بعد الفراغ من الطاعة يتحقق الصبر بعدم إفشائها والمراءاة والإعجاب بها، وترك ما يبطلها قال تعالى: «ولا تبطلوا أعمالكم»، وقال: «لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى».
الكف عن المعاصي
والنوع الثاني من الصبر صبر المسلم عن معاصي الله، يصبر عن الأمور التي حرمها الله عليه، ويكف نفسه عنها، ويلزمها الصبر والتحمل، فيصبر عن مشتهيات النفس وشهواتها التي تدفعه دفعاً إلى مخالفة ما نهاه الله عنه، ولذلك فالصبر عن المعاصي والمحرمات هو أشد أنواع الصبر، وأقساها على النفس، تلك الأمّارة بالسوء، والصبر هنا إذ يعني كف النفس عن ارتكاب ما حرم الله فهو يحتاج إلى مجاهدة أكبر لمنع النفس وضبطها كيلا تتجاوز الحدود، فيصبر المسلم عن المحارم فيغض بصره، ويصبر فيحصن فرجه، ويصبر فيمتنع عن الحرام وكل المغريات التي تدعوه إلى المخالفة، ويبتعد عن الحرام وإن كثر: «قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون».
ويصبر المؤمن فيؤدي الأمانة، ويؤدي الحقوق إلى أهلها، فهو صابر في أمانته، صابر في حسن تعامله مع الناس بالخلق الحسن، ويصبر الرجل على امرأته وتحمله المتاعب عون له على استمرار الحياة الزوجية، وضجره ومعاتبته مما يقلل تحمله ويفسد الثقة بينهما، وكذلك صبر المرأة على زوجها، ما يسبب صفاء الحال وتعاون الجميع على الخير والتقوى. وصبر الرجل على أولاده، ومحاولة جمع كلمتهم، والصبر على ما قد يناله منهم فيه خير كثير، ولهذا نُهي المسلم عن أن يدعو على نفسه أو ولده، فلعلها أن توافق ساعة إجابة، بل يصبر على الأبناء والبنات، يرجو من الله الفرج والتيسير، ولا يحمله الضجر على الدعاء عليهم، فربما حلت بهم عقوبة يندم عليها ولا ينفع الندم.
الصبر على المصائب
النوع الثالث من أنواع الصبر، صبر على المكاره والشدائد والمصائب والبلايا وكل ما يزعج النفس من ألم أو أذى أو ضيق معيشة أو حزن يلحق الإنسان بسبب مصيبة، كالصبر على الأمراض وزوال الصحة أو على شدة مرارة الفقر أو على فقدان من يعز من الأهل والأصحاب والأصدقاء وهلاك الأموال وغيرها كثير، قال تعالى: «لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيرًا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور»، فمن ابتلي بأي مصيبة من هذه المصائب فصبر عليها فهو عند الله في خير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه» وقال: «إن عظم الأجر مع عظم البلاء».
والصابرون المحتسبون يتلقون المصائب بالصبر والتحمل، يتلقونها أولًا بالصبر عليها، ثم ثانيًا يتلقونها بالرضا، فلا تحمل نفوسهم تسخطًا على قضاء الله وقدره، ولا يتلفظون بألفاظ الاعتراض الكفرية كمسبة القدر أو نسبة الظلم إلى الله تعالى والتسخّط، فهذا عمل الكافرين المعترضين على قدر الله وحكمته، والتسليم والرضا والصبر عمل أهل الإيمان، فيصبرون ويحتسبون، ولا يظهر منهم ضجر ولا تسخط على قضاء الله وقدره. فصبر المسلم على المصائب إنما هو من ثمرات الإيمان الصادق بأن الله حكيم عليم فيما يقضي ويقدر، وأن هذا التقدير تقدير الحكيم العليم، حكيم عليم فيما يقضي ويقدر، فلا اعتراض ولا ملامة، لكن صبر واحتساب ورضا عن الله، وأكمل المؤمنين، من جمع بين الصبر على المصيبة والرضا عن الله تعالى يرجو ما عند الله من الثواب الذي وعد به الصابرين الصادقين.