المحتويات
أعمال أول ليلة جمعة من رجب
اول ليلة جمعة من شهر رجب هي الليلة التي يصلى بها صلاة الرغائب ، وقد ظهرت هذه الصلاة في 480 هـ، ولم تكن معروفة قبل هذا التاريخ، وأما الصلاة المخصوصة في ليلة النصف من شعبان والتي ظهرت سنة: 448 هـ فقد تسمى صلاة الرغائب أيضا، إلا أن أول ليلة جمعة من شهر رجب هي التي اشتهرت بهذا الاسم باشتهار نسبة صلاة الرغائب إليها، وقد ذكرت في بعض كتب الشيعة أنها أول ليلة جمعة من رجب، ويروى فيها حديث يذكر ضمن هذه الكتب في فضيلة صلاة الرغائب فيها، وأما عند أهل السنة والجماعة فلم يثبت فيها حديث صحيح ولا حسن، والحديث الذي يروى فيها لم يثبت رفعه، بل هو موضوع أو ضعيف، فليس لهذه الليلة فضيلة تخصها، وللعلماء تفاصيل حول تخصيص ليلة الرغائب بما هو من فضائل الأعمال، إلا أن أهم ما يذكر منها هو الصلاة المخصوصة فيها، وهي التي تسمى صلاة الرغائب فيما بين مغرب وعشاء، في أول ليلة جمعة من شهر رجب.
صلاة الرغائب حكمها كيفيتها
صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب، هي اثني عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، تصلى ما بين مغرب وعشاء، وقد اختلف العلماء في حكمها، ففي مصادر من كتب الشيعة يذكر استحباب إحياء هذه الليلة بالصلاة وغيرها،ووقع الخلاف أيضا عند أهل السنة والجماعة في بعض التفاصيل المتعلقة بها، وذلك أنهم اتفقوا على عدم ثبوت الحديث الذي ورد ذكرها فيه، وأنه لم يثبت فيها حديث صحيح ولا حسن، قال أبو شامة نقلا عن ابن الصلاح قوله: «والحديث الوارد بها بعينها وخصوصها ضعيف ساقط الإسناد عند أهل الحديث، ثم منهم من يقول هو موضوع وذلك الذي نظنه، ومنهم من يقتصر على وصفه بالضعف» .
حكم صلاة الرغائب
ويمكن تلخيص حكم هذه الصلاة في قولين:
- الأول:
أنه لم يثبت في صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب حديث تقوم به حجة، فهي صلاة مستحدثة ويجوز فعلها، والصلاة من حيث هي عبادة وقربة لا ينكر عليها لذاتها، بل بسبب مخالفة الشرع، وهذه الصلاة ليس فيها مخالفة للشرع؛ لدخولها ضمن فضائل الأعمال، فلا يمتنع فعلها لاندراجها في العمومات، حيث يكون دخولها تحت مطلق الأمر الوارد في الكتاب والسنة بمطلق الصلاة فهي مستحبة بعمومات نصوص الشريعة منها حديث: «الصلاة نور» وحديث: «خير أعمالكم الصلاة» وغير ذلك فصارت كسائر التطوعات التي ينشئها الإنسان من قبل نفسه، وأما النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة من بين سائر الليالي في الحديث الذي رواه مسلم؛ فلا يشمل هذه الصلاة؛ لأنها تدخل ضمن عموم إحياء ما بين مغرب وعشاء، وهو مستحب في سائر الليالي، كما أن الصلاة عبادة وهي من فضائل الأعمال ولا إنكار على من أراد أن يصلي، وهذا لا يعني إقرار المخالفات التي تفعل في ليلة الرغائب. وقد ذكرها أبو حامد الغزالي في الإحياء ضمن النوافل المستحبة، وقال: «فهذه صلاة مستحبة وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين وإن كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد؛ لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد، ولكني رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها فأحببت إيرادها»
وقد سئل ابن الصلاح عن هذه الصلاة فأجاب عنها في فتواه بقوله: «حديثها موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي بدعة حدثت بعد أربعمائة سنة من الهجرة، ظهرت بالشام وانتشرت في سائر البلاد ولا بأس بأن يصلها الأنسان بناء على أن إحياء فيما بين العشائين مستحب كل ليلة ولا بأس بالجماعة في النوافل مطلقا أما أن تتخذ الجماعة فيها سنة وتتخذ هذه الصلاة من شعائر الدين الظاهرة فهذه من البدع المنكرة، ولكن ما أسرع الناس إلى البدع والله أعلم».
وفي فتوى أخرى له قال: «وليس لليلتها تفضيل على أشباهها من ليالي الجمع وأما ليلة النصف من شعبان فلها فضيله وإحياؤها بالعبادة مستحب ولكن على الانفراد من غير جماعة واتخاذ الناس لها وليلة الرغائب موسما وشعارا بدعة منكرة وما يزيدونه فيهما على الحاجة والعادة من الوقيد ونحوه فغير موافق للشريعة والألفية التي تصلي في ليلة النصف لا أصل لها ولا أشباهها ومن العجب حرص الناس على المبتدع في هاتين الليلتين وتقصيرهم في المؤكدات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله المستعان، والله أعلم»، وقال أبو شامة نقلا عنه أيضا: وقرأت في تأليف آخر له جمعة في سنة سبع وثلاثين وستمائة فصلا حسنا في هذا قال هذه الصلاة شاعت بين الناس بعد المائة الرابعة ولم تكن تعرف، وقد قيل أن منشأها من بيت المقدس صانه الله تعالى، والحديث الوارد بها بعينها وخصوصها ضعيف ساقط الإسناد عند أهل الحديث، ثم منهم من يقول هو موضوع وذلك الذي نظنه، ومنهم من يقتصر على وصفه بالضعف، قال: ولا تستفاد له صحة من ذكر رزين بن معاوية أياه في كتابه في تجريد الصحاح ولا من ذكر صاحب الإحياء له فيه واعتماده عليه لكثرة ما فيهما من الحديث الضعيف وإيراد رزين له في مثل كتابه من العجب.
- القول الثاني:
أن صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب لم يثبت الحديث الذي يروى فيها بخصوصها، وتعمد تخصيص هذه الصلاة في هذه الليلة مكروه؛ لأن تعمد تخصيص ليلة الجمعة بالصلاة فيها من بين سائر الليالي يعد مكروها، والكراهة لا ترجع إلى العبادة، وإنما الكراهة في تعمد تخصيص هذا الوقت بالصلاة فيه من بين سائر الأوقات، والكراهة عند علماء أصول الفقه تطلق على التنزيه، ولا تدخل هذه الصلاة في عمومات نصوص الشريعة الدالة على الجواز؛ لأنه ورد النهي بدليل أخص منه وهو حديث: «لا تخصوا ليلة الجمعة..» الحديث، وقد ذكر علماء مصطلح الحديث جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال بشروط، منها: دخوله تحت العمومات بشرط ألا يقوم دليل على المنع منه أخص من تلك العمومات، واستدلوا على الحكم بالكراهة بما ورد في الحديث الدال على كراهة صوم يوم الجمعة، حيث يكره تعمد إفراد يوم الجمعة بصوم؛ لحديث أبي هريرة «لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم» متفق عليه، والنهي عن تعمد تخصيص ليلة الجمعة بالصلاة من بين سائر الليالي في رواية مسلم بلفظ: «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم.» فهذه الصلاة في أول ليلة جمعة من رجب هي ليلة جمعة، وقد ورد في الحديث النهي عن تعمد تخصيص ليلة الجمعة بعبادة من بين سائر الليالي، والنهي في الحديث للكراهة، قال ابن مفلح في الفروع: «قال في شرح مسلم: فيه النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بصلاة، وهو متفق على كراهته، قال: واحتج به العلماء على كراهة صلاة الرغائب».
قال ابن عابدين: «مطلب في صلاة الرغائب»، قال في البحر: «ومن هنا يعلم كراهة الاجتماع على صلاة الرغائب التي تفعل في رجب في أولى جمعة منه وأنها بدعة، وما يحتاله أهل الروم من نذرها لتخرج عن النفل والكراهة فباطل». ا هـ
قلت: وصرح بذلك في البزازية كما سيذكره الشارح آخر الباب، وقد بسط الكلام عليها شارحا المنية، وصرحا بأن ما روي فيها باطل موضوع، وبسطا الكلام فيها خصوصا في الحلية وللعلامة نور الدين المقدسي فيها تصنيف حسن سماه ردع الراغب، عن صلاة الرغائب، أحاط فيه بغالب كلام المتقدمين والمتأخرين من علماء المذاهب الأربعة.
- ملاحظة: في بعض النسخ: ردع الراغب عن صلاة الرغائب، ولعله خطأ أو تصحيف، والصواب: ردع الراغب عن الجمع في صلاة الرغائب.