الدهر يومان يوم لك ويوم عليك
هذه هي احدى الحكم التى تتناقلها الأجيال عبر العصور ” اعلم ان الدهر يومان يوم لك ويوم عليك . فأن كان لك فلا تبطر . وان كان عليك فلا تضجر فكلاهما سينحسر – علي بن ابي طالب
تشير هذه الحكمة الى خبرة عميقة وتجربة اصيلة في معرفة الحياة وتصريف أمورها . وما يجب على الإنسان عملهُ في هذه الدنيا من اجل ان يسلك الطريق الأمثل تجاه احداث الزمن حتى يكتسب احترام نفسه بإزاء إخوته بني البشر ولكي يضمن له موقعاً اجتماعيا متميزاً حين يدرك عمق هذه الحكمة . اجل . ان الحياة لاتدوم لأحد على حال واحدة .
فهذه سنة التاريخ والزمن منذ القديم تواترت عليهم ظروف متنوعة . تارة كان يشملهم الفرح والسرور والحبور والاطمئنان ان أقبلت الدنيا عليهم . وتارة اخرى يلفهم الضيق والأسى والحرمان ان أدبرت الدنيا عنهم . فلابد للإنسان من التزام موقف يتناسب وهذه الحكمة اذا أراد نيل راحة الضمير . مما يقربه من معاني الأخلاق الحميدة السامية . وهذه خلاصة ما يفوز به الإنسان في وجوده الاجتماعي.
حصرت هذه الحكمة الدهر بيومين يوم اذا وجد الإنسان فيه سعاته وظفره بما يريد الدنيا من سعادة ونعيم .
والإنسان حين يفوز بكل ما يرغب فيه من متع الحياة وثروتها . ويهمين على مصيره . يريد ان تدوم له هذه الحالات فيعمل بتأثير من نفسه الأمارة بالسوء على الابتعاد عن طريق الخير بل يسارع الى اقتطاف ما حرمته قوانين الحياة عليه . فيظلم . ويسئ الى الآخرين وهو في حقيقة الامر يسئ الى نفسه ويزيد في تراكم السيئات عليه من دون ان يدرك ان الهاوية بانتضاره . لكن المادة التافهة التى تتراءى له بأشكال الأموال الطائلة والملذات التي يأنس لها تمنعه من رؤية الطريق المضيء فيقع أسيرا لهواه عبداً لرغباته عدواً لغيره من البشر ظلنا منه . وتوهماً ان ما فاز به هو ايدي سرمدي .!! والطبيعة البشرية التى تحتوي على عنصري الخير والشر يميل به ضرر وجوده . وعدوان على من هم معيته من اهل وإخوان ومعارف .
بسبب أوضاعه التي اشرنا إليها قبل قليل الى ان يروي نفسه من هاتيك الأطايب والملذات حتى لو كان في ذلك لكن هذه الحالة لا تستمر بل تتحول الى نقيضها فأن لم يأخذ المرء الحيطة وينظر بعيداً الى مستقبل ايامه .
نراه يهوي مثل الجبل الشامخ تأكله شروره وأوهامه . فتنخر كيانه هاتيك الأدواء الأخلاقية والاجتماعية فإذا به يقع صريعاً . صريع ما زرع يداه من عدوان وتجاوز على نفسه وعلى الآخرين . فيتنقل” من جبروته الطاغي وكبريائه الفارغة الى ماهو ادنى بكثير” مما كان عليه تلك قاعدة أودعتها الطبيعة في سلوك البشر أرادا نظيران فأين كانوا وماذا صاروا هل أنقذهم التمسك بالأذى والإصرار على انتهاج طريق الشرور يدافع من الزهو والتكبر والتجبر .
ذاك واضح لمن يتصفح التاريخ ويقرأ صفحاته ليجد كثيرين كانت لهم الدنيا مشرقة لامعة فازدهوا فيها مثل الطواويس وساموا غيرهم الضرر والأذى يدافع من غريزة الشر . ولغياب الرؤية الإنسانية عنهم لأنهم ما اقتربوا من المعاني السامية لأنهم لم يتربو بها وهذا ما ورثوه من البيئة العائلية منذ النشأة الأولى . فضلاً عما ينشره الزمن المسيطر عليهم من أوهام وأكاذيب تجعلهم يهيمون في دروب الضلالة التي تزين لهم الأباطيل ضانين ان الخير هو ما حصلوا عليه لكن حالتهم ينطبق عليها قول الشاعر
مَـــــا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ
تـــــجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
ان خلاصة هذه الحكمة هي في اكتسابنا الروح الأخلاقية التي نحصل عليها بعد جد واجتهاد وتعب كثير بمراقة النفس وتوجهها نحو الطريق الصحيح بما نغذيها بحب الآخرين واحترام المجتمع وامتلاك روح التواضع في أي وقت من حياتنا التي نحياها لكي نسمو بها ونكون محترمين في نظر أنفسنا ونظر المجتمع ..