سؤال وجواب

انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الافريقية

المحتويات

انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الافريقية

كان قد انسحب المغرب من القمة التي تعقد في مالابو في غينيا الاستوائية وتركز على التعاون الاقتصادي، مع سبع دول عربية أخرى هي السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان والأردن واليمن والصومال.


واتخذ الوفد المغربي القرار احتجاجا على “حضور ممثل لكيان دمية في القاعة،” حسبما قالت وكالة الأنباء المغربية نقلا عن وزارة الخارجية المغربية.

ويقول المغرب إن الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة واقعة حاليا تحت السيطرة المغربية، جزء من أراضيه التاريخية، بينما تقول جبهة البوليساريو إن المغرب يحتل المنطقة المتنازع عليها، وتطالب بإجراء استفتاء على تقرير المصير.

الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي: من الغاية إلى الوسيلة

انفتح المغرب اقتصاديًّا وبدون قيود، على أغلب الدول الإفريقية، ومنها تلك المناوئة لوحدته الترابية(5)، مثل: رواندا وكينيا وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب السوادان وزامبيا، وهذا التواصل المباشر، وبلا عقدة ضمن له وجودًا موسَّعًا، وانتشارًا وتمركزًا كبيرين، وقد اتخذ الأمر أبعادًا متعددة ومتنوعة، وبالخصوص على مستوى العلاقات البينية الثنائية مع الدول الإفريقية، وهو الأساس والقاعدة اللذان سهَّلا عودته إلى التنظيم القاري: الاتحاد الإفريقي.

طموح المغرب بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي

كان طموح المغرب بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي قبل تحقيقه غاية مستقلة بذاتها، ويحظى بأولوية في الخطة الاستراتيجية المغربية الإفريقية الجديدة، بيد أن إدراك المغرب له، ووصوله إلى مبتغاه في الرجوع، جعله تحولًا وتغييرًا يطول الغاية المحققة في طبيعتها، وينتقل من مجرد السعي لضمان الوجود المادي من داخل المحيط المؤسسي الإفريقي، كهدف أول مرسوم، ومحدد في تدرج الخطة، بمعزل عن الأسباب التي قد تكون دعت أو أرغمت المغرب إلى إعداد الخطة وسلوكها؛ حيث انتقلت غاية الرجوع آليًّا إلى وسيلة من بين أخرى لبلوغ وتحقيق باقي أولويات الأهداف الاستراتيجية المغربية في تراتبيتها وتدرجها؛ ويمكن إيجازها في ضمان تمركز اقتصادي مغربي متعدد الأقطاب والأوجه ومقبولٍ في إفريقيا، وحمايتِه، وجنيِ عائد سياسي معلوم منه.

مميزات الخطة المغربية: الشراكة الاقتصادية والتنمية البشرية

تميزت شعارات الدعاية والترويج التي رفعها المغرب، والمرافِقة لاهتمامه الجديد بإفريقيا بالواقعية؛ حيث استعمل المغرب انتماءه لإفريقيا، كحقيقة جغرافية ثابتة غير قابلة للنقاش، بحيث لا يستطيع أحد نفيها، ولا دفعها، ولا التعديل فيها، ونفس الشيء في تعبير المغرب عن رغبته في أداء واجب خدمة قارته الإفريقية، عبر الشراكة والتعاون مع الدول الإفريقية من أجل التنمية، الهم الذي انخرط فيه المغرب بالأفعال، عبر مشاريع مادية، يؤطِّرها قانونيًّا في شكل اتفاقيات تعاقدية ثنائية مع الدول الإفريقية، وهي اتفاقيات متنوعة تشمل كل القطاعات والمجالات، وعمادها الأساسي التعاون المشترك لبلوغ التنمية الاقتصادية والبشرية المنشودتين من قبل جميع الدول الإفريقية، وهو هاجس تتقاطع فيه هذه الدول مع المغرب.

إن هذا التعاون والتشارك الاقتصادي من أجل التنمية(6)، الذي اتخذه المغرب نهجًا في تعامله مع الدول الإفريقية، والذي تتخلله المشاورات السياسية(7)، ضمن له تأييدًا وتشجيعًا من الدول الإفريقية للتعامل معه، بنفس القدر الذي دعمت استرجاعه لمقعده في الاتحاد الإفريقي بشكل سريع(8).

ارتقت العلاقات المغربية مع أغلبية موسَّعة من الدول الإفريقية إلى المثالية بتعزيزها اقتصاديًّا في إطار مبدأ المصلحة المشتركة(9)، وهو ما يفسِّر سلاسة قبول الأفارقة بعودته، وقبولهم به شريكًا، فنال التعامل معه قدرًا كبيرًا من الشرعية، بسبب انتمائه، ونهجه للبُعد النفعي الاقتصادي، بالاستثمار في مشاريع عملاقة وناجزة(10)، وفي تطابق تام، أو تكامل للمصالح عبر الشراكة، أو التعاون، وفي إطار مبدأ الربح المتبادل، بغية بلوغ التنمية المستدامة.

يلعب راهن العلاقات الاقتصادية الإفريقية مع مجموعة من القوى الكبرى لصالح وفائدة المغرب؛ لأن الدول الإفريقية بدأت تطرح تساؤلات حول جدوى استثمارات تلك القوى، منها: الصينية، والتركية، والهندية، والروسية وغيرها في تحقيق التنمية، وخلق فرص الشغل، بل تأكد لها أنهم يتخذون إفريقيا سوقًا للأعمال والاستثمار والاستهلاك فحسب(11).

ولا ينحصر اهتمام المغرب على قطاعات منتِجة وذات عودة سريعة للاستثمار، بل إن سياسته تعطي دورًا أساسيًّا، ومحوريًّا للعنصر البشري الإفريقي، فأَوْلى المغرب عناية لتنمية المواطن الإفريقي، بتأهيله تكوينًا، ومساعدته مهنيًّا، ليصبح منتجًا عن طريق تحسيسه برفع وعيه بما سيوفره استثمار علاقته بمجاله المحلي، والجهوي من إمكانيات للاكتفاء الذاتي، الأسري والعائلي(12).

ويحقق المغرب في تلك السياسة حاجتين: الأولى: تكمن في تسريع وتيرة التنمية مع شركائه الأفارقة، والثانية: في كسب شرعية القاعدة الشعبية الإفريقية. ويعزِّز المغرب مداخل هذه الشرعية بسَنِّه، وتنفيذه لسياسة خاصة في ميدان الهجرة، ذات بُعد إنساني. 

ما الذي يحتاجه المغرب لتثبيت رجوعه للاتحاد الإفريقي؟

لتثبيت المغرب عودته للاتحاد الإفريقي فإنه يحتاج مسيرة من الهدوء لاستيعاب أكبر ولتعميق الفهم، وتحديد المداخل، وهذا يعني:

  • محاولات وأد طلب انضمام المغرب ومحاصرة الطلب في إجراءات مسطرية

تفطَّن خصوم المغرب، في الجزائر، والبوليساريو، وجنوب إفريقيا إلى حجم المغرب المتزايد، بسبب انتشاره بشكل مؤثِّر في القارة الإفريقية، ولجاذبية ما يعرضه على الأفارقة من عقود تجارية واقتصادية تغطي كافة المجالات؛ من فلاحة، وصناعة، وتعدين، وتأمين، ومصارف، وفي ميدان التكوين والتنمية البشرية، وبعيدًا عن السياسة، بانفتاحه، دون عقدة، ولا حرج على دول تُحسب معادية له، في نزاع الصحراء لدعمها وجهة نظر مخالفيه، وأغلبها دول تقع في شرق ووسط، وجنوب القارة، ومن الدول الأنجلو سكسونية أو الليزوفية (مستعمرات برتغالية سابقًا)، دون أن يهمل تعزيز توطيد علاقاته مع الدول الحليفة والصديقة له، في الغرب الإفريقي.

ويحاول المغرب في ذلك صدَّ، وتجاوز مخطط المحور الثلاثي، المكون من الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا، الرامي إلى عزله قاريًّا، وممارسة الضغط السياسي عليه من داخل الاتحاد الإفريقي، بعد أن قطع أشواطًا في ذلك المخطط، بأن حقق المحور تراكمًا ورصيدًا مهمًّا من قرارات، يحسبها المغرب معادية لحقوقه في نزاع الصحراء.

وتتجه نيَّة هذا المحور إلى حصار تمدد المغرب الاقتصادي في إفريقيا، وتهديد مصالحه واستثماراته، وثني وإبعاد باقي الدول عن التعامل معه باستخدام مختلف أجهزة الاتحاد الإفريقي والقانون الدولي، بإثارة موضوع الثروات الطبيعية، التي مصدرها إقليم الصحراء، والقول بأنه إقليم محل نزاع، للخروج بخلاصة عدم أحقية المغرب في استغلالها، إلا باحترام خلاصات الرأي الاستشاري الأممي لهانس كورل(14)، أو تنفيذًا للمادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة(15)، التي تجعل الاستغلال مرتبط باستشارة الساكنة، وفي صالحها.

كان هذا المحور، والقطب المعادي للمغرب، والذي حارب عودته إلى الاتحاد الإفريقي غير مطمئن إلى استمرار طريقة اتخاذ القرارات بـ”التوافق”، أو بـ”الإجماع” السياسي، الذي يتم اعتماده بالأولوية داخل الاتحاد الإفريقي(16)، وصودق على قرارات ذات علاقة بنزاع الصحراء، وكان المغرب معنيًّا طيلة مدة غيابه بذلك التوافق والإجماع، وتساؤلاتهم لحظة تقديم المغرب لطلب العودة وطيلة مسار تحقيق الطلب منصبة على مدى قدرة طريقة التصويت على الصمود، في حالة فوز المغرب بالانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، وتوليه الدفاع عن أطروحته، ومواجهته بالجدال ضد كل مس بحقوقه ومصالحه(17).

وهكذا، فقد استُعملت في محاولة إبعاد المغرب كل الوسائل وكل الواجهات، بدءًا بتأويل طبيعة طلبه: أهو في إطار العودة أم في إطار الانضمام؟ وفي أي وعاء يمكن وضعه؟ وما الجهة ذات الأهلية لتلقي الطلب؟ وفي أي شكل يتم تلقيه؟ ثم انتقلت العراقيل إلى تراخي رئيسة اللجنة، السيدة دلاميني نزوما، في توزيع طلب المغرب على الدول أعضاء الاتحاد الإفريقي لإبداء رأيها فيه(18). وبعد ذلك، عبَّرت عن عدم انعقاد الولاية لها لإعلان النتيجة التي حصل عليها الطلب المغربي؛ حيث تنازلت بذلك عن اختصاصها لصالح مؤتمر القمة، وغايتها متجهة إلى تفويت فرصة حضور المغرب في قمة أديس أبابا كعضو رسمي.

غير أن بروز إرادة شبه إجماع سياسي إفريقي، على قبول ودعم عودة انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، في اقتراع يفوق الأغلبية النسبية، والذي سعى المغرب إلى إحرازه، طيلة ثلاث سنوات من العمل المستمر في إفريقيا، واحتلت فيه المؤسسة الملكية مكانة المحرك الأساسي؛ إذ تم استغراق واحتواء تحركات الدول الإفريقية المعارضة، وأربكها وأحرجها، وتم إجهاض مبادرات حلف الأقلية المناوئ للمغرب(19)، رغم امتلاكه لمراكز القرار والسلطة داخل الاتحاد الإفريقي.

غير أن الحلف الرافض استسلم أمام آلية الانتخاب للتعبير عن إرادات الدول الإفريقية؛ حيث صوتت 39 دولة لصالح الطلب المغربي متجاوزًا بذلك الأغلبية البسيطة المطلوبة، وفاق حتى الأغلبية النسبية المحددة في 36، بثلاثة أصوات. وهذه العودة المغربية القوية، والموسعة، والقادرة على تأطير الدول الإفريقية، هي التي يخشى حلف الجزائر وجنوب إفريقيا ويسعى لتفاديها دون جدوى، والآن يحاولون تجريدها من تلك القوة ونزع الفعالية عنها وتحويلها إلى ضحية ومحل اتهام(20).

  • تفوق إرادات القبول بالانضمام والحاجة للهدوء وتفادي العراقيل

بيد أن تفوق المغرب في معركة الانضمام، لا يعني استسلام معسكر معارضته، والركون إلى القبول بالوضع الجديد والرضى به؛ ذلك أن ترجيح إرادة التصميم المغربية على تحقيق الانضمام، على إرادة إجهاضها وتفاديها من طرف الجزائر وجنوب إفريقيا، لا يضع حدًّا للمنازعة بين الفريقين عند عتبة العزم على الدخول، ورفضه، بل إن جذور هذا الصراع تكمن في خلفيات الانضمام، ودواعي رفضه، وفي أساسهما وأسبابهما(21).

وهو بذلك قصدٌ يفوق ويتجاوز نتيجة وفيرال العودة المحققة، ويتجه إلى استهداف الدوافع الرئيسية المتحكمة في طلب الانضمام من أساسه، للحد منها في المهد، لإدراك الجزائر وجنوب إفريقيا والبوليساريو الأكيد لإمكانيات المغرب القائمة والمحتملة، أو المفترضة في إحداث تغيير يطول قواعد اللعبة، التي تريدها الجزائر ثابتة على نفس النهج، ومستقرة على نفس المنوال، والمسار والمنحى التي كانت عليه، لصالح البوليساريو، لما تجنيه من مواقف سياسية ضد المغرب، دون عناء، وبتكلفة أقل، من داخل الاتحاد الإفريقي.

وبالمقابل، فإن نية المغرب في ولوج الاتحاد الإفريقي ترمي إلى تدشين بداية لتحول في هذه القواعد، وجعلها متحركة وديناميكية، بتغييرها وقلبها لصالحه، بالحد من نهج ومسار سارت، ودأبت عليه ضده، سواء في شكلها ونهجها، وفي جوهرها، وفي مضمونها، عن طريق تعليق تواترها، أو محاولة تعديل، وتغيير، ونسخ لها لصالحه مع انصرام الوقت، ومرور والزمن، وفقًا لمضمون استراتيجيته الجديدة القائمة على التدرج في البناء، وفي تحقيق الأهداف حسب أولوياتها المرحلية.

ذلك أن الواقع من داخل الاتحاد الإفريقي، وفي علاقة بالمغرب، يتميز بوجود بنية من القواعد، والقرارات لصالح البوليساريو وضد المغرب. بالإضافة إلى اعتراف مجموعة من الدول الأعضاء في الاتحاد بالبوليساريو كدولة، وهو اعتراف يعتبره المغرب يتناقض وشرعية حقوقه، المؤيدة تاريخيًّا، والمرجحة قانونًا. كما أن الاتحاد الإفريقي ضرب صفحًا وتعتيمًا على مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، في مقابل اعتناقه مبادرة البوليساريو، ولهذا يطالب بتحديد موعد للاستفتاء.

ويتجاوز الاتحاد الإفريقي في تلك الدعوة القرارات الأممية، وإرادة طرفي النزاع أنفسهم. ويعتقد المغرب أن ذلك يرجع فقط لانسحابه من الفضاء المؤسسي الجماعي الإفريقي، فتدارَك ذلك الخطأ، باتخاذه قرارًا بالعودة وتحقيقها.

ورغم أن القرار إيجابي بخصوص الطلب المغربي، بحصوله على تصويت واسع من داخل القمة 28 والمؤتمر؛ فإن هذا النجاح المغربي، ووجوده من داخل الاتحاد الإفريقي، مهدد بأن يبقى مجرد رقم إضافي للأعضاء المكوِّنين الاتحاد، في حالة عدم تفعيله ليكون منتجًا وفعالًا وهادفًا، بل إن هذه الخطة والسياسة برمتها قد تنقلب سلبية على المغرب، وترجع عليه بنتائج عكسية، وهو مؤشِّر الخطر الذي يبرهن عليه قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي الأخير. وقد يكون المغرب أدرك صعوبة، وشدة الضغط الذي سيمارَس عليه خلال الفترة “الفراغ”، والتي ستمتد فعليًّا ما بين تاريخ رجوعه والمدة التي سيستغرقها لفهم آليات، وقواعد اشتغال أجهزة الاتحاد الإفريقي، ووصوله الفعلي إلى مراكز ومنافذ صنع القرار من داخل مختلف أجهزة الاتحاد الإفريقي، المتعددة والمتنوعة، والكثيرة، للمشاركة والمساهمة في توجيهها، والتحكم في قراراتها.

وهو في ذلك يحتاج إلى وقت مزدوج، لضبط جدولة انتخاب المكاتب التقريرية في هذه الأجهزة، وخلق ائتلافات، وتشكيل تحالفات من المؤيدين لانتدابه، أو انتداب حلفائه في هذه المراكز، يرافعون بشرعية حقوقه، وبواقعية، وجدية مبادرته بالحكم الذاتي. وهي معارك صعبة؛ لأن ساحاتها، عبارة عن كواليس مظلمة، ويزيد من عتمتها جهل المغرب بقواعد اللعب فيها، والجهد الكبير الذي يلزم، من أجل حسن الاستيعاب، وتقدير التحركات المنتجة.

والمغرب بذلك في حاجة إلى فترة من الهدوء، والسكينة وتفادي التوترات من أجل فهم جيد، وهذه الحاجة هي التي تفسِّر انسحاب المغرب من جانب واحد من منطقة الكركارات، وتغيبه عن جلسة اجتماع مجلس الأمن والسلم الإفريقي رقم 668 بتاريخ 20 مارس/آذار 2017، خدمة لأولوية الهدف الاستراتيجي، بتوفير ظروف عودة هادئة، سلسة، وغير متوترة.

إلا أن المغرب انقلب سريعًا عن هذه الضرورة الوقتية وبات يركِّز على التصدي لحضور البوليساريو لأشغال مجموعة من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات بين إفريقيا وبعض الدول، في التجمعات الإقليمية، والقارية، والأممية، وفِي وقت جد حرج وقبيل عودته للاتحاد الإفريقي بشهر منها اجتماع القمة العربية-الإفريقية بملابو في غينيا يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وغداة عودته خلال مؤتمر التنمية في إفريقيا، الذي ينظمه الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة بإفريقيا في السنغال ما بين 27 و28 مارس/آذار 2017. وخلال اجتماع المؤتمر الدولي لطوكيو حول تنمية إفريقيا (تيكاد) في مابوتو بموزمبيق ما بين 23 و25 أغسطس/آب 2017.

ونفس الشيء طبع اجتماع القاهرة التشاوري، في 27 سبتمبر/أيلول 2017، حول الصحة الذي نظمته مفوضية الاتحاد الإفريقي على مستوى خبراء دول إقليم شمال إفريقيا لتفعيل المركز الإفريقي لمراقبة الأمراض والوقاية منها، بالإضافة إلى الجدل والنقاش المحتدم الآن حول رفض مشاركة البوليساريو في لقاء الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي الذي سينعقد بساحل العاج ما بين 29 و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

وبغض النظر عن أحقية المغرب من عدمها في الدفع برفض حضور البوليساريو لأشغال اجتماعات ومنتديات دولية بسبب عدم حصولها على اعتراف دولي ولا أممي ولا عربي، والتأويل الذي يتفاداه المغرب في حالة التزامه التغاضي والسكوت عن حضور البوليساريو، والاستنتاج المقابل الذي ستخرج به الأخيرة والجزائر وغيرها من الدول المساندة لها في اعتبار ذلك إقرارًا واعترافًا مغربيًّا بالبوليساريو كـ”دولة”؛ فإن حضور البوليساريو يمكن استثماره بشكل إيجابي لبناء تدابير الثقة بدلًا من المواجهة التي لن تجدي نفعًا، ولن تأتي بحل سواء في إطار القبول بالوضع القائم من داخل الاتحاد الإفريقي أو رفضه والسعي لتغييره، فذاك الوضع لم ينفع البوليساريو خلال ثلاثة عقود ونيف طَبَعَها غياب المغرب في التنظيم المؤسسي الإفريقي بنيل دولة، مثلما لم يضر بالمغرب بسحب الإقليم من سيادته وحيازته، ومن ثم وجب إعادة النظر في التكتيك الحالي؛ لأنه مجرد جعجعة بلا طحين، فالعبرة بالنتائج لصالح أو ضد.

دوافع تغير الموقف المغربي

ساهمت في تغير موقف المغرب بالعودة للاتحاد الأفريقي تمهيدًا لحل قضية الصحراء عدة عوامل منها:

1ـ وفاة زعيم البوليساريو رئيس الجمهورية الصحراوية «محمد عبد العزيز» في 31 مايو/أيار 2016، وتولي «إبراهيم غالي» مكانه أمانة الجبهة ومن ثم رئاسة الجمهورية – أو الدولة الوهمية كما تسميها المغرب ، وسعت المملكة لاستغلال هذا التغير لصالحها حيث كان «عبد العزيز» المتحكم الرئيسي في الجبهة وهو ما قد يتغير مع تولي القيادة الجديدة والقبول بالحل المغربي المتمثل في منح الإقليم حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت ظل المملكة.

2ـ تنامي خطر تنظيمات الإرهاب بالمنطقة، حيث ضعفت قدرة المغرب على ضبط حدوده نظرًا لاستنزافه في الصراع مع الجبهة وضعف التنسيق مع الجزائر؛ الأمر الذي ساهم في تنامي الإرهاب؛ مما دفع الغرب للضغط على البلدين للتنسيق الأمني وإيجاد حل لقضية الصحراء الغربية للتفرغ لمكافحة الإرهاب.

3ـ رغبة المغرب في العودة للعمق الأفريقي بعد حدوث تحولات في محيطها العربي، إذ رفضت المغرب استضافة القمة العربية الـ27 لأنها رأتها «مجرد اجتماع مناسبات»، كما أن «الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة ناجحة». كذلك تسعى المغرب لتوسيع تعاونها الاقتصادي مع دول القارة وهذا ظل متأثرًا إلى حد ما بخلافها مع الاتحاد.

4ـ رأت المغرب أن هناك مساعيَ دولية مكثفة لحل الأزمة، لذا سعت لتعزيز موقفها، حيث سيعقد مجلس الأمن الدولي جلسة يوم 26 يوليو/تموز 2016 للاستماع إلى إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة حول مآل المشاورات مع المغرب، وقد سبق هذا في مارس/آذار 2016 خلاف بين المنظمة والمملكة على إثر اعتبار «بان كي مون» الوجود المغربي في الصحراء احتلالًا.

5ـ تراجع دعم بعض الدول الأفريقية والعربية للجبهة التي تريد حلاً لقضية الاستقلال خوفًا من إثارتها مجددًا للنزاعات الانفصالية، وهذا يتضح مثلاً في دعم ليبيا والسودان لوقف مشاركة الجمهورية الصحراوية في أنشطة الاتحاد الأفريقي لقطع الطريق على تحركات مماثلة.

لذا يتبين أن المغرب استغل الظروف الإقليمية والدولية، وخاصة تنامي الإرهاب وتزايد مخاوف الدول الأفريقية من تنامي النزاعات الانفصالية، للعودة للاتحاد ومحاصرة البوليساريو ولتعزيز موقف المقترح المغربي، وهو الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة، والذي دعمته دول كبرى مثل الولايات المتحدة. يوضح التغير في الموقف المغربي توجه المملكة نحو نهج دبلوماسي جديد يتخلى عن المواجهة والصدام مع المنظمات الدولية، وفي المقابل كشف هذا التحول أيضًا عن قوة الاتحاد الأفريقي كمنظمة جماعية استطاعت توفير غطاء دبلوماسي لـلبوليساريو؛ مما دفع المملكة لطلب العودة إليها والعمل من خلالها.

                     
السابق
فينادون ودواعي الاستخدام – عرباوي نت
التالي
تلخيص نص شبه الجزيرة العربية موطن العرب ومهد الادب العربي؟

اترك تعليقاً