شرح قصيدة سلام من صبا بردى
أحمد شوقي ـ رحمه الله تعالى ـ كتب قصيدة طويلة يواسي فيها الشعب السوري عامة وأهل دمشق خاصة، بعد الهجمات الشرسة الهمجية من المستخرب والمحتل الفرنسي، اخترت هذه الأبيات منها مع تعليق وتحليل يسير أرجو ممن طلع عليه أن يبدي ملاحظاته ويثريه بالفوائد :
التعريف بالشاعر احمد شوقي :
اسمه: هو أمير الشعراء أحمد شوقي الذي ترجع أصوله إلى التركية واليونانية.
مولده: في (16/10/1870م) في قصر الخديوي (إسماعيل) لأن جدته لأمه كانت إحدى وصيفات القصر,
وهذا هو التاريخ الصحيح لميلاده، ولما تقدم للالتحاق بمدرسة الحقوق رفض لصغر سنه, فأمر الخديوي بكتابة
شهادة ميلاد له بتاريخ (1868م) ومن هنا وقع اختلاف بين المؤرخين في تاريخ ميلاده
موهبته المبكرة: مال شوقي إلى قرض الشعر وهو ما يزال طالباً في الثانوية التي تخرج منها عام (1885م)
دراسته: بعث إلى فرنسا لدراسة الحقوق والآداب, فأكمل دراسته هناك عام (1891م) وهناك تعرف على أعلام
الشعر والمسرح والموسيقا في باريس. وصار شاعر القصر والخديوي.
منفاه: لما قامت الحرب العالمية الأولى عام (1914م) نفاه الإنجليز إلى الأندلس بعد عزل الخديوي عباس
لتأييده تركيا ضد الإنجليز, فقضى شوقي في المنفى أربع سنوات عايش فيها آثار أجداده العرب والمجد العربي,
فأحس بالحنين وهزه الشوق لبلاده مصر وأهله وأصدقائه فيها.
عودته من المنفى: عاد شوقي بعد الحرب العالمية الأولى (1918م) إلى مصر.
مبايعته أميراً للشعراء: سنة (1927م) لأنه اتصل بالشعب وصار لسان العروبة والإسلام وكان ذلك في مهرجان
عام أقيم بدار الأوبرا الملكية تكريماً له برعاية الملك فؤاد الأول وفي ذلك اليوم ردد الشعراء بعد حافظ إبراهيم:
أمير القوافي قد أتيتُ مبايعاً
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
… توفي في (13) اكتوبر (1932م).
… ما ينفرد به شوقي في الشعر: يعتبر شوقي أول من جمع بين الشعر الغنائي والشعر القصصي والمسرحي في
العصر الحديث.
… ومن آثاره:
1) ديوان (الشوقيات): المؤلف من أربعة أجزاء. وهو شعر يدل على خبرة الشاعر بالطبائع والنوازع البشرية في مختلف المستويات والطبقات.
ديوان (أسواق الذهب
المسرحيات الشعرية الآتية: (علي بك الكبير/ وقمبيز/ وعنترة/ ومصرع كليوباترا/ ومجنون ليلى/ والست هدى
المسرحية النثرية: (أميرة الأندلس
قصيدة أحمد شوقي “سلام من صبا بردى ” مع الشرح ، و نبذة عن الشاعر
ســـلامٌ مـــن صــبـا بــردى أرقُّ … ودمـــعٌ لا يـكـفكف يــا دمـشـقُ
ومــعـذرة الـيـراعـة والـقـوافي … جــلال الـرزء عـن وصـفٍ يـدقُّ
وذكــرى عــن خـواطرها لـقلبي … إلــيــك تــلـفـتٌ أبـــداً وخــفـقُ
وبــي مـمـا رمـتـك بــه الـليالي … جـراحات لـها فـي الـقلب عـمْقُ
دخـلـتك والأصـيـل لــه ائـتلاق … ووجهك ضاحك القسمات طلق
وتـحـت جـنانك الأنـهار تـجري … ومــــــلء ربـــــاك أوراق وورق
وحــولــي فـتـيـة غـــر صــبـاح … لـهم فـي الـفضل غايات وسبق
عــلـى لـهـواتـهم شـعـراء لـسـن … وفــي أعـطافهم خـطباء شـدق
رواة قـصـائدي فـاعجب لـشعر … بــكــل مــحـلـة يــرويـه خــلـق
غـمـزت إبـاءهـم حـتـى تـلـظت … أنـوف الأسـد واضـطرم الـمدق
وضــج مــن الـشكيمة كـل حـر … أبـــي مـــن أمــيـة فــيـه عـتـق
لــحــاهـا الله أنـــبــاء تـــوالــت … عـلـى سـمـع الـولـي بـمـا يـشق
يـفـصـلـها إلـــى الـدنـيـا بــريـد … ويـجـمـلها إلـــى الآفـــاق بــرق
تــكـاد لـروعـة الأحــداث فـيـها … تـخال من الخرافة وهي صدق
وقــيـل مـعـالم الـتـاريخ دكــت … وقــيـل أصـابـهـا تـلـف وحــرق
ألـسـت دمـشـق لـلإسلام ظـئرا … ومــرضــعـة الأبـــــوة لا تــعــق
صـلاح الـدين تـاجك لـم يجمل … ولــم يـوسـم بـأزيـن مـنه فـرق
وكل حضارة في الأرض طالت … لـهـا مـن سـرحك الـعلوي عـرق
سماؤك من حلى الماضي كتاب … وأرضـك مـن حـلى التاريخ رق
بـنـيت الـدولـة الـكـبرى ومـلـكا … غـــبــار حــضـارتـيـه لا يــشــق
لـــه بـالـشـام أعـــلام وعـــرس … بــشــائــره بــأنــدلــس تــــــدق
ربـاع الـخلد ويـحك مـا دهـاها … أحــــق أنــهــا درســــت أحـــق
وهــل غـرف الـجنان مـنضدات … وهــل لـنـعيمهن كـأمـس نـسـق
وأيـن دمى المقاصر من حجال … مــهــتـكـة وأســـتـــار تـــشـــق
بـرزن وفـي نـواحي الأيـك نـار … وخــلـف الأيـــك أفـــراخ تــزق
إذا رمــن الـسـلامة مـن طـريق … أتــت مــن دونـه لـلموت طـرق
بــلــيــل لــلـقـذائـف والــمـنـايـا … وراء سـمـائـه خــطـف وصـعـق
إذا عـصف الـحديد احـمر أفـق … عــلـى جـنـبـاته واســـود أفـــق
سـلي مـن راع غـيدك بعد وهن … أبــيـن فــؤاده والـصـخر فــرق
ولـلـمـسـتـعـمرين وإن ألانـــــوا … قـــلــوب كـالـحـجـارة لا تــــرق
رمــاك بـطـيشه ورمــى فـرنـسا … أخــو حــرب بـه صـلف وحـمق
إذامــــا جــــاءه طـــلاب حـــق … يـقول عـصابة خـرجوا وشـقوا
دم الـــثــوار تــعــرفـه فــرنـسـا … وتــعــلـم أنـــــه نـــــور وحــــق
جــرى فــي أرضـهـا فـيه حـياة … كـمـنـهـل الــسـمـاء وفــيـه رزق
بــــلاد مــــات فـتـيـتها لـتـحـيا … وزالـــوا دون قـومـهـم لـيـبـقوا
وحــررت الـشعوب عـلى قـناها … فـكـيـف عــلـى قـنـاها تـسـترق
بـني سـورية اطـرحوا الأمـاني … وألـقـوا عـنـكم الأحــلام ألـقـوا
فـمن خـدع الـسياسة أن تغروا … بــألـقـاب الإمــــارة وهــــي رق
وكــم صـيد بـدا لـك مـن ذلـيل … كـما مـالت مـن الـمصلوب عنق
فـتوق الـملك تحدث ثم تمضي … ولا يـمـضـي لـمـخـتلفين فـتـق
نـصحت ونـحن مـختلفون دارا … ولــكـن كـلـنا فــي الـهـم شــرق
ويـجـمـعنا إذا اخـتـلـفت بـــلاد … بــيـان غــيـر مـخـتـلف ونـطـق
وقـفـتـم بـيـن مــوت أو حـيـاة … فـإن رمـتم نعيم الدهر فاشقوا
ولــلأوطـان فـــي دم كــل حــر … يـــد سـلـفـت وديــن مـسـتحق
ومــن يـسقى ويـشرب بـالمنايا … إذا الأحـرار لـم يـسقوا ويسقوا
ولا يـبـني الـمـمالك كـالـضحايا … ولا يـدنـي الـحـقوق ولا يـحـق
فــفـي الـقـتلى لأجـيـال حـيـاة … وفـي الأسـرى فـدى لهم وعتق
ولــلـحـريـة الــحــمـراء بـــــاب … بــكــل يــــد مــضـرجـة يــــدق
جـزاكم ذو الـجلال بني دمشق … وعـــز الــشـرق أولـــه دمــشـق
نـصـرتم يــوم مـحـنته أخـاكـم … وكـــل أخ بـنـصـر أخــيـه حــق
ومــا كــان الــدروز قـبـيل شــر … وإن أخــذوا بـمـا لـم يـستحقوا
ولــكــن ذادة وقــــراة ضــيــف … كـيـنبوع الـصفا خـشنوا ورقـوا
لــهـم جــبـل أشــم لــه شـعـاف … موارد في السحاب الجون بلق
لــكــل لــبــوءة ولــكــل شــبــل … نــضــال دون غـايـتـه ورشـــق
كــأن مــن الـسموأل فـيه شـيئا … فــكـل جـهـاتـه شـــرف وخـلـق
القصيدة من البحر الوافر ( مفاعلتن مفاعلتن فعولن )
وهو بحر يلائم الأجواء الحماسية التي سعى إليها الشاعر..
وبعد أن استهل الشاعر قصيدته بتقديم العزاء لدمشق في نكبتها
ثم استعرض ذكرياته فيها حين زارها بدأ الشاعر في وصف الفاجعة
التي حلّت بدمشق وعظم تلك الفاجعة
شرح والتحليل لقصيدة احمد شوقي ( ثمن الحرية ) التي قيلت في حفلة أقيمت لإعانة منكوبي سوريا بمسرح حديقة الأزبكية في يناير سنة (1926م) بعد أن قصف الفرنسيون دمشق وخلفوا فيها الدمار
… جو النص:
النص جزء من قصيدة قيلت في حفلة أقيمت لإعانة منكوبي سوريا بمسرح حديقة الأزبكية في يناير سنة (1926م) بعد أن قصف الفرنسيون دمشق وخلفوا فيها الدمار.
البحر: القصيدة من بحر (الوافر), وتفعيلاته هي:
مفاعلتن مفاعلتن فعولن
مفاعلتن مفاعلتن فعولن
… الأفكار الجزئية: 1) تحية واستياء. (1 – 5.
قيمة التضحية والفداء في سبيل الحق. (6 – 10).
أولاً: تحية واستياء
1– سلامٌ من صَبَا “بَرَدَى” أرقُّ
2– لَحاهَا اللهُ أنباءً توالتْ
3– يفصِّلُها إلى الدنيا بريدٌ
4– وقيل معالمُ التاريخِ دُكَّتْ
5– وللمستعمرين – وإِن ألانوا –
ودمعٌ لا يُكفْكَفُ يا دِمَشْقُ
على سَمعِ الوليِّ بما يَشُقُّ
ويُجملها إِلى الآفاق بَرْقُ
وقيل أصابها تلَفٌ وحَرْقُ
قلوبٌ كالحجارِة لا تَرِقُّ
اللغويات:
الصبا
رياح من جهة الشرق.
بردى
نهر معروف بسورية.
أرق
أعذب.
لا يكفكف
لا يتوقف.
يحملها برق
الأخبار المنقولة بسرعة كسرعة البرق.
دمشق
عاصمة سورية.
معالم
جمع (معلم) وهو كل أثر يستدل به.
لحاها الله
قبحها الله.
دكت
دمرت, وحطمت.
الولي
المحب- الصديق.
لا ترق
لا تلين.
يشق
يحزن ويعكر المزاج.
… الشرح:
يخاطب الشاعر دمشق ليعلمها بأن الرياح التي هبت من (بردى) وهو نهر بسورية قد حملت لنا سلاماً رقيقاً ودمعاً لا يتوقف على ما حل بسورية من دمار.
فقبح الله مثل هذه الأخبار التي تتابعت على مسمع كل صديق ومحب لسورية لتؤذيه.
هذه الأخبار أتت إلينا مفصلة عن طريق البريد, وانتقلت بسرعة البرق إلى كل آفاق الأرض.
كما أنه وصل إلينا أن دمشق وآثارها التاريخية تعرضت للهدم, وحيق بها الدمار.
ثم يظهر الشاعر حقيقة جميع المستعمرين وهي قسوة القلب وعدم اللين كالحجارة , مهما كان متظاهراً بالرقة والسماحة.
… التحليل البلاغي:
1– سلامٌ من صبَا “بردى” أرقُّ
ودمعٌ لا يُكفْكفُ يا دمشقُ
§ (سلام من صبا بردى): استعارة مكنية.
§ (سلام…… أرق): تشبيه بليغ تفضيلي.
§ (دمع لا يكفكف): كناية عن غزارة الدموع المنسكبة على دمشق وما حل بها.
§ (لا يكفكف): فعل مبني للمجهول, للدلالة على أهمية الحدث الذي تعرضت له دمشق وأدى إلى عدم توقف الدموع, بصرف النظر عن عوامل هذا الحدث.
§ (يا دمشق): أسلوب إنشائي طلبي بصورة النداء, غرضه البلاغي (المواساة).
§ بين (أرق / دمشق): جناس ناقص وتصريع, كمصدر للموسيقا الداخلية الظاهرة, وسر جمالها: هو ترك الأثر القوي في نفس المتلقي بماله من موسيقا.
2– لَحَّاهَا اللهُ أنباءً توالتْ
على سمع الوليِّ بما يشُقُّ
§ (لحاها الله أنباءً): استعارة مكنية.
§ (أنباءً توالت): استعارة مكنية.
§ كلمة (توالت) أجمل من (جاءت): لأنها تدل على سرعة المجيء وتتابعه, وهي توحي بسماع شيء مكروه, ويؤكد ذلك ما جاء بعدها.
3– يفصِّلُها إلى الدنيا بريدٌ
ويحملها إلى الآفاق بَرْقُ
§ (يفصلها…. بريد): استعارة مكنية.
§ (ويحملها…… برق): استعارة مكنية, وكناي عن السرعة.
4– وقيل معالمُ التاريخِ دُكتْ
وقيل أصابها تلفٌ وحرقُ
§ (قيل / دكت): فعلان مبنيان للمجهول, للدلالة على أهمية الحدث الذي تعرضت له سورية, وبصرف النظر عن الفاعل.
§ (معالم التاريخ): كناية عن قدم دمشق ومكانتها التاريخية.
§ (معالم التاريخ دكت): استعارة مكنية.
§ (أصابها تلف): استعارة مكنية.
§ عطف (حرق) على (تلف): للشمول والعموم لما أصاب دمشق من دمار.
5– وللمستعمرين – وإِن ألانوا –
قلوبٌ كالحجارة لا ترقُّ
§ (للمستعمرين… قلوب): أسلوب قصر بطريقة تقديم ما حقه التأخير, غرضه البلاغي التوكيد والتخصيص, والاهتمام بالمتقدم.
§ (قلوب كالحجارة لا ترق): تشبيه مفصل, وسر جماله: توضيح الفيرال برسم صورة لها مع التشخيص والتجسيم.
§ (إن ألانوا): جملة اعتراضية, غرضها توضيح المعنى وإبرازه وتوكيده.
§ بين (ألانوا / لا ترق): مقابلة إيجابية لإبراز المعنى وتوضيحه وتوكيده وتقويته.
ثانياً: قيمة التضحية والفِداء فِي سبَيْل الحق
6– دمُ الثوارِ تعرفُهُ (فرنسا)
7– وللأوطانِ في دمِ كلِّ حُرِّ
8– ومَنْ يَسْقِيْ ويشربُ بالمنايا
9– ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ
10– وللحريَّةِ الحمراءِِ بابٌ
وتَعْلَمُ أَنّهُ نُورٌ وحَقُّ
يدٌ سلفت ودَيْنٌ مُسْتَحَقُّ
إذا الأحرارُ لم يُسقَوا ويَسْقُوا
وفي الأسرى فِدًى لهمو وعتْقُ
بكلَّ يدٍ مضرِّجةٍ يُدَقُّ
اللغويات:
الثوار
جمع (ثائر), وهو كل مناهض.
الأجيال
جمع (جيل), وهو فترة زمنية يعيشها الناس وتقدر بنحو (اثنين وثلاثين) عاماً.
حق
عدل.
الأسرى
جمع (أسير).
سلفت
سابقة.
فدى
تضحية.
مستحق
واجب السداد.
عتق
تحرر من العبودية.
المنايا
جمع (منية), وهي الموت.
الحرية الحمراء
الحرية الناتجة عن تضحية الشهداء.
يسقوا
يستشهدوا.
مضرجة
ملطخة.
يسقوا
يمنحوا الحياة لغيرهم.
يدق
يطرق.
يوضح الشاعر قيمة وأهمية دم جميع الثوار على الظلم والاستعمار الذي تعلم فرنسا باعتبارها مستعمرة أنه على بينة وحق.
كما أن لجميع الأوطان على أبنائها الأحرار في كل زمان حق واجب متمثل في الزود عنها وقت المحن والشدائد.
ولا يمكن أن يكون هناك معنى حقيقي للموت والشهادة إذا لم يكن الأفراد أحراراً يشعرون بمسئوليتهم تجاه وطنهم وما يستشهدون من أجله.
ويؤكد الشاعر على أن الحياة تقوم على المتناقضات, فكل شهيد يخلق بدمه حياة جديدة لغيره, وكل أسير يحرر غيره من الأحياء من بطش المستعمرين.
وفي الأخير يؤكد الشاعر على قيمة الحرية من خلال تشبيهه لها بالباب الذي لا يفتح إلا بدم حر شهيد يطرقه من أجل نصرة الحق.
6– دمُ الثوارِ تعرفُهُ (فرنسا)
وتَعْلَمُ أَنّهُ نُورٌ وحَقُّ
§ (دم الثوار): كناية عن الشهداء.
§ (الثوار): كلمة جميلة توحي بغضب الشعوب العربية من كل ظالم أو مستعمر.
§ (دم الثوار تعرفه فرنسا): استعارة مكنية.
§ (أنه نور): تشبيه بليغ.
§ عطف (حق) على (نور): للتوكيد على قيمة دم الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل نيل حقهم المسلوب من الحرية.
7– وللأوطانِ في دمِ كلِّ حُرِّ
يدٌ سلفت ودينٌ مُسْتَحقُّ
§ (للأوطان… يد): استعارة مكنية, وهي أيضاً أسلوب قصر بطريقة تقديم ماحقه التأخير, غرضه البلاغي التوكيد والتخصيص وحسن التناغم في الكلام, والمبالغة في المعنى, والاهتمام بالمتقدم.
§ (مستحق): اسم مفعول, يوحي بأهمية الدين الذي فرض على الأحرار ظلماً, وهو واجب السداد.
8– ومنْ يُسْقُي ويشربُ بالمنايا
إذا الأحرارُ لم يُسْقُوا ويَسْقُوا
§ (البيت كله): أسلوب إنشائي طلبي بصورة الاستفهام, غرضه البلاغي (التقرير).
§ (يشرب بالمنايا):استعارة مكنية, توحي بسهولة الموت وقت الدفاع عن الأرض.
§ بين (يُسْقُي / يشرب): مقابلة إيجابية لإبراز المعنى وتوضيحه.
§ بين (يُسْقُوا / يَسْقُوا): جناس ناقص, كمصدر للموسيقا الداخلية الظاهرة, وبينهما أيضاً مقابلة إيجابية.وبناء الفعلين للمجهول ثم للمعلوم على التوالي للدلالة على قصر الفترة الزمنية التي تفصل بين الشهادة والحياة الحرة الكريمة.
9– ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ
وفي الأسرى فِدى لهمو وعتْقُ
§ (ففي القتلى لأجيال حياةٌ): أسلوب قصر بطريقة تقديم ما حقه التأخير, غرضه البلاغي التوكيد والتخصيص والاهتمام بالمتقدم.وفيها أيضاً اقتباس من القرآن الكريم فهذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى: ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب), وهذا الاقتباس يدل على مدى تأثر الشاعر بالقرآن الكريم.
§ بين (القتلى / حياة): طباق إيجابي.
§ بين (الأسرى / عتق): طباق إيجابي.
§ (في الأسرى فدىً): أسلوب قصر بطريقة تقديم ما حقه التأخير, غرضه التوكيد والتخصيص والاهتمام بالمتقدم.
§ (فدىً لهمو وعتق): كلمة (عتق) جاءت بعد كلمة (فدى) للتوكيد على أن الحرية لا تنال إلا بالتضحية.
10– وللحرية الحمراءِ بابٌ
بكل يدٍ مضرجةٍ يُدقُّ
§ (الحرية الحمراء): استعارة مكنية, توحي بقيمة التضحية التي لا تتحقق إلا بالدماء.
§ (للحرية بابٌ): استعارة مكنية.
§ (للحرية الحمراء باب): أسلوب قصر بطريقة تقديم ما حقه التأخير غرضه البلاغي التوكيد والتخصيص والاهتمام بالمتقدم.
§ (مضرجة): كناية عن سيلان الدم, وهي أجمل من (ملطخة) لأنها توحي بكثرة سيلان الدماء.
التعليق العام على النص
ينتمي شوقي إلى المدرسة الكلاسيكية الجديدة التي تعد امتداداً لمدرسة الإحياء بزعامة البارودي وشعارها التجديد في إطار المحافظة على القديم من حيث التمسك بوحدة الوزن والقافية والتأثر بالخيال القديم مع التجديد في بعض الأغراض.
الأفكار: واضحة وعميقة فيها تحليل وتفصيل وترابط إذ يربطها خيط شعوري واحد.
الصور: جزئية وكثيرة, فقد كان شوقي مغرماً بالصور البيانية وهي تتنوع بين التشبيه والاستعارة والكناية, وهي تؤدي دورها بدون تكلف في خدمة المعاني بالتجسيم والتوضيح والتشخيص.
الألفاظ: سهلة وعذبة وسلسة وملائمة للجو النفسي, والعبارات جزلة ومحكمة الصياغة اللغوية.
الموسيقا:خارجية ظاهرة نابعة من وحدة الوزن ووحدة القافية, يصاحبها داخلية ظاهرة وداخلية خفية
شرح بعض الأبيات :
القصيدة من البحر الوافر ( مفاعلتن مفاعلتن فعولن )
وهو بحر يلائم الأجواء الحماسية التي سعى إليها الشاعر..
وبعد أن استهل الشاعر قصيدته بتقديم العزاء لدمشق في نكبتها
ثم استعرض ذكرياته فيها حين زارها بدأ الشاعر في وصف الفاجعة
التي حلّت بدمشق وعظم تلك الفاجعة..
يصف الشاعر قبح الأنباء التي تصل سمعه , تلك الأنباء التي
تعظم على نفس المحب لدمشق , و ( لحاها الله ) هنا بمعنى ( قبّحها الله )
اشتملت على ضمير يعود على المفعول به ( أنباءً )
واستعمل الشاعر كلمة ( توالت ) ليدل على تتابع الأحداث وبقائها حيّة
كما استعمل لفظة ( أنباء ) بدلاً من الأخبار لأن في النبأ معنى عظيم الشأن
ولايكون النبأ إلا في الأمر الجلل ” عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم “
تلك الأنباء يشرحها رسلٌ بتفاصيلها للدنيا من عظمها , ويوجز وصف أحداثها
برقيات تصل الآفاق , وفي هذا البيت طباق بين ( يفصّلها , يجملها )
ومقابلة بين الجملتين في الشطر الأول ونظيرتها في الشطر الثاني..
ويبين الشاعر أهوال ما يحدث في دمشق في نكبتها حتى إنه ليظن المشاهد لتلك الأحداث
أنها ليست حقيقية بل هي من الأساطير الكاذبة التي تروى , وهي ليست كذلك
لبشاعة مايحدث فيها..
وفي البيت طباق بين كلمتي ( الخرافة , صدق )
ويواصل الشاعر وصفه لما حدث فالمعالم التاريخية والأثرية لم تبقَ على حالها
بل دكّت وسوّيت بها الأرض وأتلفت وأحرقت , وبناؤها للمجهول هنا جاء
لعظم الخطب وهوله..
استخدم الشاعر هنا أسلوب الاستفهام الإنشائي بقصد إظهار الحزن والأسى على
حال دمشق , وخاطب مالايعقل بندائه ( دمشق ) حاذفاً حرف النداء فكأنها قريبة منه
مبيناً فضلها وقيمتها بأنها مرضعة الدولة الإسلامية في إشارة إلى اتخاذ بني أمية
أرض دمشق عاصمة لدولتهم , فحق لها ألا تُعَقّ وألا تترك بدون نصرة
وفي هذا البيت مايسمى بلاغياً ب التأنيس وهو إعطاء الجمادات صفات الكائن الحي..
وهنا يستحضر شخصية القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي مادحاً له تاج دمشق الذي اتخذه
وأنه ليس في الدنيا أبهى منه ليجمّل به مفرق شعره ويزينه..
ثم يبين الشاعر عراقة حضارة دمشق وأنها أصل لكل حضارة في الأرض
وفي هذا البيت استعارتان :
الأولى شبه فيها الحضارة بالشجرة الشامخة وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء
من لوازمه وهو ( العِرْق ) على سبيل الاستعارة المكنية..
والأخرى شبه دمشق بالشجرة العظيمة على سبيل الاستعارة التصريحية..
يصور سماء دمشق بأنها كتاب عظيم يضم حلى ماضي الإسلام الجميل
وأن أرضها كالجلد الرقيق الذي يكتب فيه تاريخها المتجدد مع تعاقب الزمن
وفي هذا البيت طباق بين ( سماؤك , أرضك )
ومقابلة بين ( حلى الماضي , حلى التاريخ )
في هذا البيت مجاز عقلي علاقته المكانية حين أسند البناء إلى دمشق والحقيقية
أنها مكان البناء وليست هي من بنت الدولة الكبرى والملك
كما أن في الشطر الثاني استعارة حيث شبه الملك والدولة الكبرى بالحصان السريع
وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الغبار الذي لايشقّ على سبيل الاستعارة المكنية..
وفي كلمة ( حضارتيهِ ) إشباع هاء مكسورة وهو مايسمى في علم العروض بالخروج..
الضمير في ( له ) يعود إلى أقرب مذكور وهو الغبار فشبهه بالسارية
وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو ( أعلام ) على سبيل الاستعارة المكنية..