شرح نص فتى عنده خير الثواب و شره؟ , يسعدنا في هذه الموسوعة التعليمية (فيرال) , أن نقدم لكم كافة الفروض وحل جميع الأسئلة التعليمية المقررة في المنهاج التعليمي لهذا العام الدراسي , حيث نطل عليكم في هذه السطور لتزويدكم بالمحتوى التعليمي المطلوب , حيث نعرض لكم من خلال السطور التالية شرح نص فتى عنده خير الثواب و شره؟
المحتويات
شرح نص فتى عنده خير الثواب و شره؟
التّقديم:
بائيّة مدحيّة ذات نفس حماسيّ نظمها أبو تمّام على بحر الطّويل التّامّ وهو من البحور القويّة الّتي تصلح للتّعبير عن معاني الحماسة لما فيهمن بنية عروضيّة تجمع بين تفعيلتين هما فعولن ومفاعيلن وقد قالها الشّاعر مادحا خالد الشيبانيّ الّذي شارك في محاربة ملك الرّوم وقد نجح في هزمه وردّه عن ديار الإسلام.
الموضوع :
يمدح أبو تمّام خالد بن يزيد الشّيبانيّ بذكر خصاله والإعلاء من قوّته في مهاجمة قائد الرّوم ساعيّا إلى رصد بعض أطوار المعركة الدّائرة بينهما.
المقاطع:
تبدو هذه القصيدة في بنائها ملوّنة بألوان الحماسة إذ نهضت على ثلاثة مقاطع أفرد فيها القسم الثّاني بالحيّز الأطول في حين لم يستغرق كلّ من المقطع الأوّل والمقطع الثّالث سوى بيتين لكلّ منهما :
إذ شغل الأوّل البيت الأوّل والبيت الثّاني وقد خصّص لتعداد خصال الممدوح المعنويّة دون التّفصيل فيها
أمّا المقطع الثّاني فقد امتدّ من البيت الثّالث إلى البيت الحادي عشـر وفيه عمد أبو تمّام إلى تتبّع وقائع المواجهة بين خالد بن يزيد الشّيبانيّ وتيوفيل قائد الرّوم وجاء المقطع الثّالث مكتفيا بالبيتين الأخيرين ومداره على المقارنة بين حال الإسلام قبل المعركة وحاله بعدها.
تحليل و شرح نص فتى عنده خير الثواب و شره؟
1- تعداد خصال الممدوح المعنويّة:
– كنّى أبو تمّام عن الممدوح بصفة الفتى وهي صفة جامعة لكلّ الصّفات المحمودة كالشّجاعة والعدل والجود والكرم والقوّة والصّود والحِلم وهي صفات لا تتوفّر إلاّ عند النّماذج المثاليّة الواقعيّة وليست الفتوّة سوى منظومة قيميّة أثرها أبو تمّام عن سابقه وقد توسّل الطّباق بين الثّواب والشرّ ليظهر الممدوح بمظهر البطل الّذي يجمع بين منتهى اللّين والرّفق والرّأفة ومنتهى القوّة والبأس والعنف وبهذا النحو يصوّر أبو تمّام ممدوحه كما لو كان مختزلا لكلّ القيم السّالبة والموجبة.
– عدل أبو تمّام عن تعداد كلّ تلك القيم مكتفيا بالإلماع إلى بعضها وهو ما دلّت عليه حرف الجّر ”منه” للتّبعيض دون التّفصيل والاتيان على كلّ الصّفات والقيم الّتي يجسّدها الممدوح وليس الجنوح إلى التّبعيض إلاّ قرينة دالّة على قصور الوصف عن الإحاطة بمختلف أبعاد الممدوح ووجوهه
– اكتفى أبو تمّام بذكر معنيين مدحيّين تقليديّين قارّين هما الإباء والكرم وقد اكتفى بالتّصرّف فيه تصرّفا شكليّا نشأ عن اعتماد الاستعارة بوصف الإباء بالملح وهي صفة من صفات الأكل والمأكول والمشروب وبوصف الكرم بصفة العذوبة وهي من صفات الماء.
– أعانت الاستعارة أبا تمّام على الخروج بالإباء والكرم من دائرة المعاني المجرّدة غير المدركة إلى دائرة المعاني المحسوسة الملموسة وفي هذا إنشاء لعلاقات سياقيّة جديدة تزول معها الحدود بين المجرّدات والمحسوسات وهو الأمر الّذي يعيد إلى اللّغة خصوبتها وحركيّتها وثراءها
– إنّ ما دفع أبا تمّام إلى اعتماد التّبعيض والإجمال والإيجاز هو اندفاعه إلى التّعجيل بوصف المعركة وتنويع المعنى الحربيّ فيها وهذا ما سيتّسع أليه المقطع الثّاني
تلخيص و شرح نص فتى عنده خير الثواب و شره؟
2- تتبّع وقائع المواجهة بين خالد بن يزيد الشّيبانيّ وتيوفيل قائد الرّوم:
– لئن ورد المقطع الأوّل محكوما بالاختزال والاختصار مشدودا إلى الوصف المجمل المبنيّ على التّبعيض وذكر الجزء من الكلّ فإنّ الجزء فإنّ المقطع الثّاني قد جرى إلى الإطالة والتّفصيل انسجاما مع بنية القصيدة الحماسيّة الّتي تحتفل أساسا بالقسم المخصّص للوصف الحماسيّ الدّائر على حكاية أفعال حربيّة ورصد أحوال شخصيّات منجزة لها أو منفعلة بها.
– ولمّا كان أبو تمّام مندفعا في المقطع الثّاني إلى حكاية أطوار المعركة الّتي خاضها الممدوح خالد بن يزيد الشّيبانيّ ضد قائد الرّوم تيوفييل فإنّه بدا مجبرا على استخدام السّرد المتضمّمن للوصف وقد استحضر قائد الرّوم باسمه ( تيوفيل لشدّ خطابه إلى مرجع خارجيّ محدّد زمانا: ذلك أنّ اسم العلم المحيل إلى الشّخوص إنّما هو قيد زمانيّ يسيّج الكلام بإطار تاريخيّ يتطابق مع الزّمان الّذي عاش فيه ذلك الشّخص أمّا اسم العلم المحيل على المكان فإنّه لا يعدو أن يكون قيدا مكانيّا يشد أحداث النّصّ إلى إطار مكانيّ معلوم ) وهذا المنزع إلى استدعاء أسماء الأعلام المحيلة إلى الاشخاص أو الأمكنة دليل على رغبة أبي تمّام في الإيهام بأنّ شعره الحماسيّ موصول بمرجع خارجيّ محدّد زمانا ومكانا. شرح قصيدة فتى عنده خير الثّواب وشرّه
– أمّا الممدوح فقد انصرف الشّاعر عن استدعائه بضمير الغيبة ”هو” في المقطع الأوّل إلى استدعائه بضمير المخاطب”أنت” وهو ما يسمّى في البلاغة بظاهرة الالتفات بوصفها محسّنا بديعيّا معنويّا كالمقابلة وطّباق يؤتى به لجعل الخطاب حركيا متحوّلا يخرج عن أحاديّة الضّمير. غير أنّ ما دفع أبا تمّام إلى استخدام الالتفات هو ميله إلى عقد صلة تخاطبيّة مباشرة ممدوحه.
– أمّا بالنّسبة إلى السّرد فقد يتدرّج فيه أبو تمّام من التّزامن إلى التّتابع فقد وشى الظّرف الزّمانيّ ”لمّا” عن التّزامن بين حدث ثانويّ مسند إلى تيوفيل وهو حدث رؤية جيش خالد بن يزيد وحدث رئيسيّ هو حدث التّولية والعودة إلى الوراء دليل فزع وزجع ثمّ جاءت أعمال قائد الرّوم متتابعة متسارعة وقد اتّحدت الأفعال المسندة إلى تيوفيل قائد الرّوم ” تولّى مضى استجدّ ” في إظهاره بمظهر الشّخصيّة الضّعيفة الجبانة المستسلمة غير القادرة على مواجهة الممدوح خالد بن يزيد
وقد جاءت الأحوال المقترنة بتلك الأفعال ” خائفا يستجدّ الكثب. مضعنا عليك ” ونار الكرب تلفح قلبه” معمّقة صورة قائد الرّوم المستقبحة فغذا بأحواله وأفعاله متفقة في الحطّ من شأنه والتّشنيع بمنزلته وذمّ مفاسده وهذا ما يؤكّده عوده على نفسه حتّى استحال محرّضا نفسه على نفسه وبهذا النّحو يصوّر قائد الرّوم على أنّه غير سويّ وغير متوازن فعوض أن يظهر بطولته لمواجهة الممدوح فقد ارتدّ على نفسه وانطوى على ذاته وفي مقابل التشّشهير بقائد الرّوم والحطّ من صورته نزع أبو تمّام إلى المبالغة في تعظيم الممدوح والإعلاء من شأنه الحربيّ ولعلّ هذه المقابلة وجدت أفضل تجسيد لها في صورة شعريّة بنيت ‘لى أساس التّسبيه الضّمنيّ (ب8) عقدت فيه صلة شبه أوّليّ بين الممدوح والاسد الضّرغام لجامع الشّراسة والقوّة والبطولة والشّجاعة بينهما… وصلة شبه ثانية بين قائد الرّوم والكلب لجامع الوضاعة والحقارة والدّناءة
تحضير قصيدة فتى عنده خير الثّواب وشرّه
– غير أنّ مرجعيّة هذه الصّورة تراثيّة تقليديّة من خلال اتخاذ الأسد انموذجا أعلى للتّعبير عن معاني الشّجاعة والقوّة والبأس والشّراسة نهج موروث شائع بين الشّعراء منذ الجاهليّة كما أنّ اتّخاذ الكلب أنموذجا أعلى للتّعبير عن الحقارة والوضاعة مسلك مستقرّ في التّراث الشّعريّ على أنّ تصرّف أبي تمّام كامن في أنّه جمع في صورة واحدة بينهما هو من لوازم المدح وما هو من لوازم الهجاء.
3- المقارنة بين حال الإسلام قبل المعركة وحاله بعدها:
– عاد أبو تمّام في القسم الأخير إلى الثّناء على ممدوحه معتمدا المقابلة بين حال الإسلام قبل النّزاع وحاله بعدها وقد بنى المقابلتين على استعارتين مكنيّتين تمثّلت الاستعارة الأولى في رسم صورة الإسلام بعد الواقعة: فقد استعيرت للإسلام صورة الأرض الّتي استعادت نعومتها وبهاءها ولينها غير أنّه صرّح بالمشبّه ( الدّين وغيّب المشبّه به (الأرض) وأشار إليه بلازمة من لوازمه (أديم )) وقد أورد الشّاعر ملائم من ملائمات المشبّه به وهو الصّفة ( أملس ) فتكون الاستعارة مكنيّة مجرّدة.
أمّا الاستعارة الثّانية فمدارها تصوير الإسلام قبل المعركة وقد شبّه فيها بالإنسان المصاب بداء الجرب فصرّح بالمشبّه به ومتعلّقاته ( الإسلام ولياليه وأيّامه في مقابل تغييب المشبّه به والإشارة إليه بلازمة من لوازمه وتتّحد هاتان الصّورتان في الاحتكام إلى المبالغة والتّضخيم والتّهويل وهي من ثوابت أبي تمّام في شعره الحماسيّ وليست هذه المقابلة إلاّ جارية لتعظيم فضل الممدوح على الإسلام فقد خلّصه من جربه وخرابه وشوائبه وأعاد إليه مكانته: إنّه بهذا النّحو مخلّص للإسلام من مفاسد المشــركين كقائد الرّوم وهو منقذ لقيم العروبة من الزّوال والاندثار فليس امتداح أبي تمّام لخالد بن يزيد سواء امتداحا للقيم التّي يختزلها وتمسّك بالمثل الّتي يدافع عنها فهمّ شعر الحماسة في القرن الثّالث الهجريّ هو حماية قيم العروبة ومثل الإسلام ممّا يتهدّدها من أخطار داخليّة كتلك الّتي جسّمها بابك الخرميّ والأخطار الخارجيّة كتلك الّتي مثّلها تيوفيل، فلعلّ قادح أبي تمّام هو الغيرة على الإسلام والخشية على العروبة لذلك ظلّ البطل الموصوف في أشعاره الحماسيّة انموذجا أعلى تتجسّد في أفعاله وأحواله الصّورة النموذجيّة للفتوّة وهذا ما جسّمه البيت الأخير وقد تواترت فيه الصّفات المتعلّقة بالممدوح ”فتى ضرب” كما اقترن إقدامه على خوض النّزال من حال بحال تظهره بمظهر المستبشر المتزيّن للقتال
– تبدو القصيدة المدحيّة مخترقة بنفس حماسيّ تلوّنت بألوانه فتأثّرت به أسلوبا ودلالة فمن جهة البناء الخارجيّ قامت المدحيّة على تهميش سائر الأقسام في مقابل الاحتفاء بالقسم المخصّص للوصف الحماسيّ أمّا من جهة الإيقاع قفد تميّزت إيقاعيّته بالشدّة والصّلابة والقوّة وهذا ما جسّمه تواتر أصوات مخصوصة تشترك في الجهريّة والشّدّة كالباء والدّال واللّام والرّاء فضلا عن ترديد مفردات متماثلة أو شبه متماثلة باعتماد التّكرار والجناس وهذا ما جسّمه رويّ الباء صوتا جهريّا شديدا نهض به بحر الطّويل بوصفه من أنسب البحور للحماسة وأصلحها للتّعبير عن أجواء الصّراع والنّزال ولم تخل بنية النّصّ معجميّا من تأثر بنزعة الحماسة ولعلّ في هيمنة معجم الحرب عليها دليلا قاطعا على أثر تلك النّزعة في اختيار المفردات المنشئة لنسيج النصّ وقد مارست هذه النّزعة الحماسيّة سلطانها على الصّور البلاغيّة المستخدمة فطبعتها بطابعها حتّى دفعت بها إلى التّهويل والتّعظيم والتّهويل والتّعظيم والتّضخيم والمبالغة ذلك أنّ الشّاعر في شعر الحماسة يظل صوتا منفعلا يلوذ باستعارات وتشابيه محكومة بالمبالغة بهدف تعظيم البطل وتحقير العدوّ أمّا من جهة الدّلالة فقد همّشت أغلب المعاني الّتي لا يكون في العادة غرض المدح بمعزل عنه في مقابل العناية بمعنى شعريّ مداره على الشّجاعة الحربيّة وما اتّصل بها من معان مشتقّة منها مجاورة لها كالإقدام والعزيمة والإرادة والقوّة والبأس