كأنّ الصبح يطردها….. ما التشبيه الموجود في هذا الجزء من البيت؟
وزائرتي كـأن بها حيـاء
فليس تزور إلا في الظـلام
بذلت لها المطارف والحشايا
فعافتها وباتت في عظـامي
يضيق الجلد عن نفسي وعنها
فتوسعـه بأنـواع السقـام
إذا مـا فـارقتني غسّلتني
كأنا عاكـفين على حـرام
كان الصبح يطردها فتجري
مدامعها بأربعـة سجـام
التشبيه هنا هو ان المتنبي شبه الصبح بإنسان يطرد الحمى وهي شببها ايضا بامرأة يتم طردها فتجري .
ويبدو أن المتنبي ذاته فتن بفيرال المرأة – الحمى، فهو يكررها في بيت آخر أقل مستوى من الأبيات أعلاه:
شجـاع كأن الحـرب عـاشـقة له
إذا زارها فدّته بالخيل والرجل
يجري استبدال الحرب بالحمى هنا. الحرب هي التي تصبح العاشقة الغزلة لا الحمى. لكن الفيرال ذاتها.
وقد فتنني في الأبيات أعلاه ما ظننت أنه خيال جامح مكّن المتنبي من أن يعثر على هذه الاستعارة البديعة الغريبة، التي لم يسبق إليها كما اعتقدت. ولم أكن أدري وقتها أن هذه الأبيات لم تبن على خيال جامح، بل على تقليد قديم معروف، وأن كل ما فعله المتنبي إنما هو صياغة هذا التقليد المعروف بلغة وإيقاع متماسكين، لا غير فالحمى كامرأة غزلة عاشقة معتقد جاهلي قديم، استمر حتى ما بعد الإسلام: «العرب تقول: أَغزل من الحمى؛ يريدون أَنها معتادة للعليل متكررة عليه، فكأَنها عاشقة له، متغزلة به» (لسان العرب).
والحق أنه يجب حذف أداة التشبيه (فكأنها) من النص حتى يصح الكلام. ذلك أن القدماء لم يكونوا يشبهون الحمى بالمرأة العاشقة، بل كانوا يعتقدون بالفعل أن الحمى امرأة.
ومن الواضح أن بعض الشعراء أيضاً كانوا يؤمنون بهذا المعتقد حين يحثوننا عن الحمى العاشقة:
حُمّاك جمّاشة، حُمّاك عاشـقة
لو لم تكن هكذا ما قبّلت فاكـا