المحتويات
كل ما جاء به رسول الله -ﷺ- فهو من عند الله .
يقول الله تعالى: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات”، ويسرنا أن نقدم لكم معلومات مهمة ومفيدة ونمدكم بالعلم النافع ، بالاجابة عن سؤال هل “كل ما جاء به رسول الله -ﷺ- فهو من عند الله ؟ فقد جاء القرآن الكريم مؤكداً في آيات متعددة كثيرة، على أن اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته والتزام ما جاء به من الوحي، قرآناً وسنة، وما تضمناهما من أوامر ونواهٍ، هو أصل الإسلام ولب التدين والسبيل الوحيد للحصول على محبة الله عز وجل
ما جاء به رسول الله فهو من عند الله؟
كلُّ ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولٍ، أو فعل، أو بيان، أو تقرير، هو من الوحي الذي أُمرنا بالأخذ به، والعمل بمقتضاه؛ لأنه تشريعٌ من الله لعباده، مبلَّغٌ لنا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، ومَن لم يأتمر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وينته عمَّا نهى عنه، فقد عصى الله تعالى، ورَفَض قبولَ شرعِه وحُكمِه، بل قد كذَّب بالقرآن العظيم؛ لأنه يأمر بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بسنته، وعدم الخروج عن طاعته، وهناك أحاديث كثيرة تتحدَّث عن كون السنة النبوية وحياً كالقرآن العظيم، ومن أهمها:
1- ما جاء عن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ – رضي الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ). (يعني: السُّنةَ، والسُّنةُ أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، لا أنها تُتلى كما يُتلى، وقد استدل الإمام الشافعي وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة).
2- ما جاء عن أبي أُمَامَةَ – رضي الله عنه – أنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ لَيْسَ بِنَبِيٍّ مِثْلُ الْحَيَّيْنِ، أو مِثْلُ أَحَدِ الْحَيَّيْنِ: رَبِيعَةَ، وَمُضَرَ). فقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوَمَا رَبِيعَةُ مِنْ مُضَرَ؟ فقال: (إِنَّمَا أَقُولُ مَا أُقَوَّلُ)
3- ما جاء عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ – رضي الله عنهما – قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فإذا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وإذا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ إلاَّ أَصْحَابَ النَّارِ فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إلى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ، فإذا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ)
4- ما جاء عن أبي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ – رضي الله عنه – قال: (إِنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَلَّى، فَصَلَّى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قال: بهذا أُمِرْتُ)
وجه الدلالة: التصريح بمجيء جبريل – عليه السلام – بالأمر بالسُّنة، مما يدل على أنها وحي من عند الله تعالى، والأحاديث في مجيء جبريل – عليه السلام – ونزوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتنوعة.
5- ما جاء عن أَنَسٍ – رضي الله عنه؛ أَنَّ رَجُلاً جاء فَدَخَلَ الصَّفَّ وقد حَفَزَهُ النَّفَسُ، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فيه، فلما قَضَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ قال: (أَيُّكُمْ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟) فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فقال: (أَيُّكُمْ الْمُتَكَلِّمُ بها، فإنه لم يَقُلْ بَأْسًا؟) فقال رَجُلٌ: جِئْتُ وقد حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا. فقال: (لقد رأيتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا)
كل ما جاء به رسول الله -ﷺ- فهو من عند الله . صح او خطأ ؟
الجواب : عبارة صحيحة .
فقد صدق الله العظيم الذي لا أصدق من كلامه حين قال: ((وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)) {النَّجم:3} فمعناه كما قال ابن عباس: لم يتكلم بالقرآن بهوى نفسه اهـ.
وقال الطبري: يقول تعالى ذكره وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه اهـ.
وقال البغوي: يريد لا يتكلم بالباطل؛ وذلك أنهم قالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يقول القرآن من تلقاء نفسه اهـ.
وقال البيضاوي: وما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى اهـ.
فليس معنى الآية أن كل كلام ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء يكون وحيا من عند الله، وإنما معناها أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ في ما يبلغه عن الله، بخلاف غيره من الكلام الذي يحتمل الاجتهاد، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون نخلهم، فقال: لو لم تفعلوا لصلح. فخرج شيصا، فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا؟ قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم. رواه مسلم. وفي رواية لأحمد وابن ماجه: إن كان شيئا من أمر دنياكم فشأنكم به، وإن كان من أمور دينكم فإلي. وفي رواية لأحمد: إذا كان شيء من أمر دنياكم فأنتم أعلم به، فإذا كان من أمر دينكم فإلي.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أخبرتكم أنه من عند الله فهو الذي لا شك فيه. رواه البزار وابن حبان في صحيحه. وقال الهيثمي : فيه أحمد بن منصور الرمادي، وهو ثقة، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ.
وهذا لا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم في غير تبليغ القرآن بالباطل أو العبث أو بشهوة النفس، وإنما معناه أنه قد يكون باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، قد يقره الله عليه وقد لا يقره. ولذلك قال النسفي في معنى الآية السابقة: وما أتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه، إنما هو وحي من عند الله يوحى إليه. ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام، ويجاب بأن الله تعالى إذا سوغ لهم الاجتهاد وقررهم عليه كان كالوحي لا نطقا عن الهوى. اهـ.
والخلاق مشهور بين أهل العلم في مسألة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في ما لم ينزل عليه فيه وحي، وقد ذهب الجمهور إلى أنه صلى الله عليه وسلم يجوز له أن يجتهد في الأحكام الشرعية والأمور الدينية. وإذا اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في حكم فإن كان صوابا أُقر عليه، وإن كان خطأً لم يُقر عليه ونزل الوحي مبينا ذلك. ومن الأمثلة على هذا: اجتهاده صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر وأخذه الفداء منهم، واجتهاده صلى الله عليه وسلم في إذنه للمنافقين في التخلف عن عزوة تبوك.
فالحاصل أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الأحكام الشرعية التي لا نص فيها، فإذا أقر على اجتهاده فالواجب اتباعه ولا يجوز العدول عنه بحال، وعلى هذا فكل ما ثبت مما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فهو حق لا مرية فيه، وهو منزل من عند الله.
.