منوعات

كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام

كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام

كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۝ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ۝ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [سورة الرحمن:26-30].

يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السموات، إلا من شاء الله، ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم؛ فإن الرب -تعالى وتقدس- لا يموت، بل هو الحي الذي لا يموت أبداً.


قال قتادة: أنبأ بما خلق، ثم أنبأ أن ذلك كله فان.

وفي الدعاء المأثور: يا حي، يا قيوم، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت، برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك.

وقال الشعبي: إذا قرأت كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، فلا تسكت حتى تقرأ: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ.

وهذه الآية كقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ [سورة القصص:88]، وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية الكريمة بأنه ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ أي: هو أهل أن يُجلّ فلا يعصى، وأن يطاع فلا يخالَف، كقوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [سورة الكهف:28]، وكقوله إخباراً عن المتصدقين: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [سورة الإنسان:9].

قال ابن عباس -رضي الله عنهما: ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِذو العظمة والكبرياء.

ولما أخبر تعالى عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة، وأنهم سيصيرون إلى الدار الآخرة، فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل قال: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ.

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله -تبارك وتعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ، قوله: ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ عائد إلى وجه الرب -تبارك وتعالى- فهو موصوف بذلك، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- يقول هنا: وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية بأنه ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ أي: هو أهل أن يُجلّ فلا يعصى وأن يطاع فلا يخالف، وهذا بمعنى أنه يكرم عن كل ما لا يليق به ، يجل عن ذلك ويعظم، وبعضهم فسره بأنه يُكرِم أولياءه ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ أي: الإكرام لأوليائه، وعباده المتقين، وفي قراءة ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذي الْجَلالِ وَالإكْرَامِفعلى هذه القراءة يكون ذي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ عائداً إلى الرب -جل وعلا- فيكون ذلك تنزيهاً له عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته، فهو ذو العظمة والإكرام.

وقوله هنا في مناسبة ذِكر فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ بعد الفناء أن هذه الآية تتعلق بما قبلها وليس تكراراً محضاً، ووجه الارتباط أو وجه تعقيب الآيات السابقة بهذه الآية ظاهر حينما يذكر أموراً من نعمه -تبارك وتعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۝ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ [سورة الرحمن:19، 20]، فيعقب بقوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ووجه ذكر ذلك بعد ذكر الفناء للخلق ووجه النعمة هنا فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، بأي نعم ربكما تكذبان؟

أجاب عنه الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا: لما أخبر تعالى عن تساوي أهل الأرض كلهم في الوفاة وأنهم سيصيرون إلى الدار الآخرة فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل عقب بهذا التعقيب، بمعنى أنه سوى بينهم في الموت، ويصيرون إلى الدار الآخرة جميعاً فيحكم بين الظالم والمظلوم فلا يبقى أهل الجدة والغنى والسعة والقوة والاقتدار أحياء، ويموت الفقراء، لا يموت الضعيف ويبقى القوي، الجميع سيموتون، وهذا يكون سبباً لانتقالهم إلى دار النعيم وسبباً إلى حكم الله  الفصل العدل بينهم فيقتص للمظلوم من ظالمه، فهذا هو مراد ابن كثير -رحمه الله- ومن قال بهذا المعنى سوى بينهم في الموت.

ومن أهل العلم من قال: لأن الموت سبب للانتقال إلى الآخرة فيعدل بينهم، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- جمع بين القولين، وعبر بهذه العبارة، يعني هذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- هما وجهان للعلماء في تعليل ذكر هذه الآية بعد ذكر الوفاة، وهذه عادته -رحمه الله- في هذا الكتاب يعبر بعبارات ضافية تشمل ما قاله أهل العلم في كثير من المواضع.

                     
السابق
القاضي فادي عقيقي ويكيبيديا
التالي
السانتي كم ملي

اترك تعليقاً