المحتويات
كم حجّة حَجّها الرسول
يُقسَّم حَجّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من الناحية التاريخيّة إلى قسمَين، وهُما كما يأتي
القسم الأول: حَجُّه قبل البعثة؛ أي أيّام الجاهليّة. القسم الثاني: حَجُّه بعد البعثة؛ وهذا القسم يتفرّع إلى فرعَين من حيث المُدّة الزمنيّة؛ الفرع الأوّل يتحدّث عن الفترة الواقعة بين البعثة والهجرة، إلّا أنّه لا توجد عنه معلومات كافية وقطعيّة، وفيه خِلاف كثير بين العُلماء، والفرع الثاني يتحدّث عن حجّه بعد الهجرة، وتوجد فيه معلومات مُفصَّلة ومُتَّفق عليها بين العُلماء
حَجّ الرسول قبل البعثة
أورد عدد من العُلماء أقوالاً يُثبتون فيها حَجّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قبل البعثة، ومنها ما يأتي: قول ابن حجر: إذ أورد أنّ العرب قبل الإسلام كانوا يحرصون على أداء الحجّ، ويُحافظون عليه، ويعدّونه من مَفاخرهم، فلا يتركه منهم إلّا مَن كان مُسافراً، أو مريضاً، وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يُشاركهم فيه، وجاء عن جُبير بن مُطعم أنّه رأى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أيّام الجاهلية وهو واقفٌ في عرفة، وقد ثبت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يدعو الناس إلى الإسلام في مِنى مدّة ثلاث سنوات قبل أن يُهاجر،أمّا عدد الحجّات التي حجّها فلا يعلمها إلّا الله -تعالى-؛ استصحاباً للأصل الذي كانت عليه العرب منذ أيّام نبيّ الله إبراهيم -عليه السلام-.
قول الكشميريّ: إذ أورد أنّ قريشاً كان من عادتهم في كُلّ عام الوقوف بمُزلفة، ولا يخرجون إلى عرفات، أمّا سائر العرب فكان يذهبون إلى عرفة، وكان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يذهب معهم، وقد أورد جبير بن مطعم أنّه رأى النبيّ واقفاً بعرفات وهو يبحث عن ناقته الضائعة، إلّا أنّه تجدر الإشارة إلى عدم وجود عدد ثابت لعدد حججه قبل البعثة
حَجّ الرسول بعد البعثة قبل الهجرة
كان الحجّ معروفاً ومشهوراً عند العرب قبل الإسلام، وكانوا يحرصون عليه؛ تقرُّباً وطاعة، فلَمّا جاء النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالإسلام، أمرهم بالحجّ بالهيئة التي كانوا يعرفونها من شَرع إبراهيم -عليه السلام-؛ فقد خاطبهم الإسلام بما عرفوه، وألزمَهم به،وقد أورد عدد من العُلماء أحاديث تُبيّن عدد الحجّات التي كانت في الفترة ما بين البعثة والهجرة، ومنها ما يأتي: الحديث الذي أورده جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-، إذ قال: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حجَّ ثلاثَ حِججٍ حجَّتينِ قبلَ أن يُهاجرَ وحجَّةً بعدَ ما هاجرَ ومعَها عمرةٌ)، وذلك بتخريج الترمذيّ.
الحديث الذي أخرجه الحاكم في مُستدركه على الصحيحين، وقال إنّه حديثٌ صحيح على شرط مُسلم، ولم يُخرّجه، وهو حديث: (حجَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ حجَّتَينِ قبلَ أن يُهاجِرَ وحجَّةً بعدَ ما هاجرَ منَ المدينةِ وقرَنَ معَ حجَّتِهِ عُمرةً).
قول ابن رشد إنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يحجّ في الإسلام إلّا ثلاث مرّات؛ مرّتَين في مكّة قبل الهجرة، ومرّة واحدة في المدينة بعد فَرْضه.
بعد الهجرة
تُسمّى الحجّة التي حجّها النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بعد الهجرة حجّةَ الوداع؛ لأنّه وقف فيها يوم العيد عند الجمرات خطيباً بالصحابة، ووَعَظهم، وبَيَّن لهم مناسك الحجّ، وقال لهم: “هل بلّغت” فقالوا: نعم؛ فقال: “اللهمّ اشهد”، ثمّ ودّعَ الناس؛ فقالوا هذه حجّة الوداع، وكانت في السنة العاشرة من الهجرة، وقد جاء عن ابن القيِّم الإجماع على أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يحجّ بعد الهجرة إلّا مرّة واحدة، وأورد الترمذي حديثاً عن قتادة يسأل فيه أنس بن مالك -رضي الله عنهما- عن ذلك، فقال: (كَم حَجَّ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ قالَ : حَجَّةً واحدةً)
حجّة الوداع
تُسمّى الحجّة الوحيدة التي حجّها النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بعد الهجرة (حجّة الإسلام)؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لم يحجّ بعد الهجرة وفَرض الحجّ إلّا هذه الحجّة، وتُسمّى أيضاً (حجّة الوداع)، كما تُسمّى (حجّة البلاغ والتمام)؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بَيَّن فيها مناسك الحجّ بالقول، والفِعل، وبيّن فيها قواعد الإسلام، وقد أنزل الله -تعالى- فيها قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- فرضَ الحجّ في أواخر السنة التاسعة من الهجرة، فقرَّرَ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الذهاب إلى البيت الحرام؛ لأداء مناسك الحجّ، فقَدِم إليه عدد كبير من الناس يُريدون الحجّ معه، ثمّ خرج النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ومَن معه مِن المدينة بعد ظهر اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة، ووصلوا إلى ذي الحُليفة؛ فاغتسل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ولَبِس إحرامه، وتوجّه إلى مكّة مُلبِّياً، ونوى بالحجّ والعمرة قارناً بينهما؛ فسار إلى أن وصل إلى مكان قُرب مكّة يُسمّى (ذي طوى)، فبات فيه ليلة الأحد من اليوم الرابع من شهر ذي الحجة، وصلّى فيه الفجر، ثُمّ اغتسل، ودخل مكّة، فلمّا وصل إلى البيت الحرام، بدأ بالطواف، ثُمّ سَعى، ولم يحلّ من إحرامه؛ لأنّه نوى الحجّ قارناً، وساق الهَدْي معه.
وفي ضحى يوم الخميس الثامن من شهر ذي الحجّة، توجّه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى مِنى، فصلّى فيها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفجر اليوم التاسع، ثمّ مكثَ قليلاً حتى طلعت الشمس، وأقام في نَمِرة، وبعد الزوال قام في الناس خطيباً بخُطبةٍ جامعةٍ ذَكَر فيها أصول الإسلام، وقواعد الدِّين، وصلّى بالناس الظهر والعصر، ثُمّ دخل عرفات، واستقبل القِبلة، وبقي فيها إلى مَغيب الشمس، ثُمّ نزل إلى مُزدلفة، فصلّى فيها المغرب والعشاء بأذان واحدٍ وإقامتَين، ثمّ نام إلى أن أصبح، فنزل إلى مِنى، ورمى فيها جمرة العقبة وهو راكبٌ بسبع حَصيّات كان يُكبّر مع كُلّ واحدة منها،، ثُمّ خطب في الناس، ثُمّ ذهب إلى المَنحر، فنحر ثلاثاً وستّين بُدنة بِيَده، ثُمّ أمر الحلّاق؛ ليحلقَ له رأسه، ثُمّ توجّه إلى الكعبة؛ ليطوف بها طواف الإفاضة، وبعد أن انتهى من ذلك، رجع إلى مِنى، وبات فيها أيّام التشريق، وكان في كُلّ يوم يرمي الجمرات الثلاث بعد الزوال، وفي اليوم الثالث عشر خرج من مِنى، وتوجّه إلى الكعبة، وطاف بها طواف الوداع، وبعدها رجعَ إلى المدينة.