ما هو الكابيتال كونترول في لبنان
ما هو الكابيتال كونترول Capital Control أو ضبط رأس المال – هي اجراءات مراقبة وضبط لرأس المال تتخذها الحكومة أو البنك المركزي أو الهيئات التنظيمية الإقتصادية والمالية الأخرى في البلد بهدف الحد من تدفق رأس المال الأجنبي (الأموال) من وإلى الاقتصاد المحلي. يمكن أن تكون هذه الضوابط على مستوى الاقتصاد الكلّي أو محددة على قطاع أو صناعة معيّنة. فإذاً مصطلح الكابيتال كونترول يعبّر عن القيود التي تضعها الدولة على تحويلات رؤوس الاموال من والى هذه الدولة. وتشمل إجراءات ضبط الأموال فرض ضرائب وتعريفات وتشريعات على المودعين والشركات في السوق المحلّي للسيطرة على حجم السحوبات اليومية عبر المصارف والتحويلات النقدية
وبالرغم من ان الإقتصاد اللبناني مبني على حريّة تنقل الأموال، وعلى دينامية وحيوية القطاع الخاص والمبادرة الفردية، نرى اليوم كابيتال كنترول مقنّع او غير معلن رسمياً، فرضته المصارف اللبنانية على المودعين. وهذا ما أدى التي تدهور متزايد للوضع المعيشي للمواطن ولوضع الشركات اللبنانية القائمة على الاستيراد. كما أدى هذا الوضع الى غبن إجتماعي.
خطة التعافي والكابيتال كونترول
يتمّ التسويق على أن الكابيتال كونترول يدخل ضمن أهمّ شروط صندوق النقد للتعافي، وهذا طبعاً يحمل جزءاً من الحقيقة لا الحقيقة كاملة، لأن هناك شروطاً إصلاحيّة أهمّ، وهي من ضمن متطلّبات صندوق النقد الدوليّ. وكأنّي بالمرشد الماليّ يسوّق بأنّ مشروع القانون المقترح هو ما يطلبه واقترحه صندوق النقد الدولي بكلّ مندرجاته بل إنه الأساس في خطّة التّعافي؛ وهذا ما يُعطيه الشرعيّة لإقراره، لكنّه يجانب الصدق والحقيقة. إن الخطورة في هذا القانون المقترح بصيغته الراهنة هي مسألة تحميل جزء من الخسائر للمودعين، وهو ما يسعى المسسؤولون إلى أن تقوم عليه خطّة التّعافي، وأكّد ذلك سعادة النائب بأنّ الخسائر يجب أن تتوزّع على أطراف عدّة: الدولة، #مصرف لبنان، المصارف، والمودعين أيضاً. وكأن الأخيرين هم المسؤولون عن الأزمة وعن نهب الأموال وهدر المال العام وضياع حقوقهم.
ودائع الناس مُصانة بحمى الدستور والقانون
انطلق سعادة النائب من محدّد أساسيّ لإصدار الكابيتال كونترول، وهو إضفاء الصفة القانونية على الودائع وحمايتها خاصة لصغار المودعين؛ وذلك بالقول إن قانون الكابيتال كونترول “يعطي حقاً قانونياً للمودع”. ومع اتهامه للصّحافي الاقتصادي المشارك في الحلقة بأنّه يجب عليه أن يقرأ، وأن يتعلّم، يبدو أنه غاب عن سعادته – لضعف إلمامه الدستوري – أن الودائع، وهي أموال الناس، وتدخل ضمن أموالهم وأملاكهم، قد حفظها الدستور اللبناني، وهو أعلى مصدر قانوني ومصدر لجميع التشريعات والقوانين.
ففي مقدّمة الدستور الفقرة “و”، التي تنصّ على أن “النظام الاقتصادي حرّ یكفل المبادرة الفردیة والملكیة الخاصة”، فالدستور يكفل الملكية الخاصة مهما كان شكلها أو نوعها أو حجمها ومن ضمنها الودائع. وتنصّ المادة 15 منه على أن “الملكیة في حمى القانون فلا یجوز أن ینزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص علیها في القانون وبعد تعویضه منه تعویضاً عادلاً ، وهذا نصّ صريح وواضح أن الملكية – والأموال والودائع هي أهمّ نوع للملكية – هي في حمى القانون، “ولا يجوز لأحد أن ينزع عن أحد ملكه”؛ وبالتالي ما تقوم به المصارف من احتجاز لأموال المودعين مخالفة فاضحة لنصّ الدستور.
وتنصّ المادة 123 من قانون النقد والتسليف على أنه: “تخضع الودائع لأحكام المادة 307 من قانون التجارة”، وحرفيّتها تقول “إن المصرف الذي يتلقّى على سبيل الوديعة مبلغاً من النقود يُصبح مالكاً له، ويجب عليه أن يردّه بقيمة تعادل دفعة واحدة أو دفعات عدّة عند أول طلب من المودع أو بحسب المهل أو الإعلان المسبق المعيّن في العقد”. وتنص المادّة 690 من قانون الموجبات والعقود على أن “الإيداع عقدٌ بمقتضاه يستلم الوديع من المودع شيئاً منقولاً ويلتزم حفظه وردّه. ولا يحقّ للوديع أجر ما على حفظ الوديعة إلا إذا اتفق الفريقان على العكس”. وكذلك تنصّ المادة 701 من قانون الموجبات والعقود أيضاً على أنه: “لا يجوز للوديع أن يُجبر المودع على استرداد وديعته قبل الأجل المتفق عليه إلّا لسبب مشروع، وإنما يجب عليه أن يردّ الوديعة حينما يطلبها المودع وأن يكون الموعد المضروب لردّها لم يحل بعد”.
فلسفة الكابيتال الكونترول
الأصل في الكابيتال كونترول هو منع هروب الرساميل من داخل البلد إلى خارجه، خاصّة عند الأزمات نظراً إلى أهمّيتها في تحقيق الاستقرار النقديّ والماليّ، وليس إعطاء القانونية للودائع أو أن تكون مجرّد مستند ورقيّ قانونيّ مطلوب تقديمه إلى المنظّمات الدوليّة ضمن سلّة الواجبات المنزليّة. ومن ثَمَّ أموال الناس وحقوقهم لا تحتاج إلى قانون مخصّص لحمايتها، بل ما يحتاج إلى قانون هو منع تهريب الأموال عند الأزمات إلى الخارج، بل واستعادة ما هُرّب منها. يجب أن تقوم فلسفة القانون ومندرجاته أولاً على استعادة جميع الأموال المهرّبة إلى الخارج عند اندلاع الأزمة بل قبلها مِن قِبَل بعض المسؤولين أركان الدولة العميقة؛ هذه الأموال، وإن خرجت بطريقة قانونية إلا أنها بالتأكيد غير أخلاقية لأنها ساهمت في تخفيض احتياطيّ مصرف لبنان من الدولارات، والذي هو الضمانة الأساسيّة للاستقرار النقديّ. وطبعاً، فإن منع خروجها لا يناقض الهويّة الاقتصاديّة اللبنانيّة التي تقوم على الحرية باعتبار هذا الإجراء إجراءً طبيعيّاً عند الأزمات. وعلى الهامش، فإنّ هويّتنا الليبراليّة قد تمّ تهشيمها في الصميم.
تشريع خسارة قيمة الودائع
يتشدّق سعادته بأن الكابيتال كونترول يحمي المودعين، صغارهم قبل كبارهم، وهو لمصلحة المودعين. فهل مصلحة المودعين تحصل عبر إعطاء المبرّر القانونيّ لمصرف لبنان وللمصارف بتحديد وتقييد قيمة السحوبات النقدية من أموال الناس وودائعها؟ أليست حماية المودعين، خاصّة الصّغار منهم، تقتضي ردّ ودائعهم؟ وهذا الأمر بالإمكان حدوثه وتأمينه من الاحتياطيّ الإلزاميّ الذي هو بالأساس مكوّن من ودائع الناس، حيث لا قاعدة علميّة ثابتة على أن الاحتياطيّ الإلزامي يجب أن تكون نسبته 15% من قيمة الودائع بالدولار بل إن قانون النقد والتسليف لا ينصّ على هذه النسبة، وإنما هي تأتي بناءً على تعميم صادر من مصرف لبنان، وبالإمكان تعديلها حسب حاجات الاقتصاد والنقد كما تفعل معظم دول العالم (نسبة الاحتياطي في الولايات المتحدة الأميركية صفر%، في فرنسا والاتحاد الأوروبي 1%، وفي النروج -0.8%). كيف لقانون يحمي المودعين، وهو ينصّ في أحد موادّه على أن سحوبات الأوراق النقدية لا تتمّ إلا بالليرة اللبنانية، وضمن الشروط التي يضعها مصرف لبنان، ومنها ضمن سعر منصّة صيرفة والتي تقلّ عن سعر الصرف الحقيقي، وتالياً خسارة مؤكّدة لقيمة ودائع الناس؟
مصرف لبنان الآمر الناهي
يدّعي النّائب أن هذا القانون “يُخرج المودع من استنسابيّة المصارف ومصرف لبنان” مع العلم أن البنود المرتبطة بالسحوبات جميعها تنصّ على أن تخضع هذه السحوبات للشروط التي وضعها مصرف لبنان أو التي سيضعها لاحقاً. وهل يؤتمن شخصٌ متّهم بقضايا فساد واختلاسات على أن يتحكّم بمصير حقوق الناس وأموالهم؟ بالإضافة إلى أن القانون المقترح يُعطي لمصرف لبنان وللمصارف سلطة استنسابيّة في التحاويل والسحوبات من دون حسيب أو رقيب، وبعيداً عن المساءلة. ويحضّ سعادته في حديثه على عدم رفع الدعاوى القضائية ضدّ المصارف في احتجازها لأموال الناس والتعدّي على حقوقهم بحجة أن صغار المودعين سيتضرّرون بسبب ذلك.
إن هذه العقليّة، التي تُدار بها أهمّ قضيّة حقوقيّة، ذات انعكاسات مالية ونقديّة قائمة على تعمية الحقائق وتمويه القضايا عن أهدافها الحقيقية، وستُسهم في تعميق أزمة الثقة بين السّلطات المسؤولة والنّاس وإلى مزيد من الانحدار في مسار الأزمة الكارثيّة.