من هو الصحابي الذي حج سرا ؟
في العام الثاني عشر للهجرة النبوية المشرفة في عهد الخليفة الراشد الأول سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان جيش المسلمين بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد على تخوم الشام والعراق يحارب جيش الفرس والروم اللذان تعاونا سويًا ضد المسلمين.
ورغم انشغال الصحابي الجليل خالد بن الوليد بالجهاد في سبيل الله، فإن قلبه ظل متعلقًا بالبيت الحرام واشتاق للحجه، فلما أيقن بنصر جيش المسلمين قرر خالد أن يذهب إلى الحج سرًا متخفيًا حتى لا يعلم جيش الأعداء ذلك فيستغلون غيابه وتقوى شوكتهم.
وهنا تخفى خالد بن الوليد، وأمر جنوده بالعودة إلى مدينة الحيرة وتظاهر بأنه سيسير في مؤخرة الجيش، ولكنه كان يبدأ رحلته للحج وبصحبته قلة قليلة من أصحابه ودون أن يخبر الخليفة سيدنا أبو بكر بذلك.
وحتى لا يضيع أيامًا كثيرة في رحلته السريعة للحج سلك دروب الصحراء في الخمس أيام الأخيرة من شهر ذي القعدة، ولم يكن معه دليلًا يرشده في دروب الصحراء الوعرة الموحشة، إلا أن صدق نيته كان دليلًا له ومرشدًا.
وأى خالد بن الوليد مناسك الحج متعجلًا في سرية تامة، ليعود إلى مدينة الحيرة ليلحق بمؤخرة جيشه، ولم يلحظ أحدًا غيابه لأنه كان لأيامًا قليلة، فما وصلت إلى الحيرة مؤخرة الجيش حتى وافاهم خالد مع صاحب الساقة فقدما معا، وخالد وأصحابه محلقون بعد آداء مناسك العمرة.
وعندما علم الخليفة أبو بكر الصديق ما فعله خالد استاء لأنه لم يستأذنه في الحج وعبت عليه عتابًا شديدًا. وكان الموقف لا يزال متأزمًا في دمشق بالشام، فقرر أبو بكر الصديق أن يرسله إلى الشام؛ لأن الموقف في الشام متوتر، على العكس من فارس فالوضع هناك مطمئن جدًّا، وكان عمر بن الخطاب يرفض أن يتولى خالد قيادة جيش الشام، بل يرى أن يُعزَل، وكان يرى أن ذهابه للحج بدون إذن الخليفة أمر عظيم!، ولكن جاء رد أبو بكر الصديق رغم غضبه من خالد ليدل عن حكمة وعزة فقال لعمر: “والله لأُنسينَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، والله لا أشيم سيفًا سلَّه الله على الكفار”.
وأرسل الخليفة أبو بكر الصديق رسالة إلى خالد بن الوليد قال له فيها:
“سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد شجُوا وأشجَوا وإياك أن تعود لمثل ما فعلت، فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون اللّه شجاك، ولم ينزع الشجى من الناس نزعك، فليهنئك أبا سليمان النية والخطوة، فأتمم يتمم اللّه عليك، ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل فإن اللّه له المن وهو ولي الجزاء”.
وتوجه خالد إلى الشام وقاتل الروم قتالًا ضاريًا، وحقق انتصارات كبيرة وألحق بالروم هزيمة داحرة حتى هرب بقيتهم إلى داخل حصن بُصرى، وأعلنوا الاستسلام ودفع الجزية، فقام خالد بن الوليد بجمع غنائم الحرب التي خلَّفها الرومان خارج الحصن.